تشهد منطقة الخليج العربي طرازين من التطورات الهامة التي تتعدى حدود الدول الخليجية وتكتسب بالتالي سلسلة أبعاد إقليمية ودولية واسعة النطاق. ومن الواضح أن مجموعة من العوامل السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية تتجمع على نحو تفاعلي يفضي إلى منح هذه التطورات طابعها التناقضي من جهة أولى، كما يزيد في حجم تأثيراتها على المنطقة والإقليم والعالم من جهة ثانية.
الطراز الأول يميل إلى التهدئة وتخفيف التوتر، وقد تمثل في المقام الأول بنجاح الجهود المكوكية الكويتية بين قطر والسعودية، والتي أثمرت عن إعادة فتح الحدود البرية والجوية بين البلدين، ومشاركة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني شخصياً في القمة الخليجية الـ41 التي احتضنتها السعودية في محافظة العلا، وتشير معطيات كثيرة إلى أنها سوف تكون دورة المصالحة بعد أربع سنوات من فرض الحصار الفاشل على قطر.
الطراز الثاني يتجلى في مناخات التوتير العسكري والأمني بين الولايات المتحدة وإيران، والتي اتخذت مظاهر عديدة كان آخرها المناورات العسكرية باستخدام الطائرات المسيّرة والمضادات الجوية وأداء مهام هجومية وانتحارية، اقترنت بتصريحات نارية حول رفض إيران التفاوض بخصوص برامجها الدفاعية والصاروخية، وأن رد قواتها المسلحة على أي اعتداء سوف يكون شاملاً. في الآن ذاته احتجز الحرس الثوري الإيراني ناقلة نفط ترفع علم كوريا الجنوبية، تحمل 7200 طن من المواد الكيميائية النفطية، واقتادها إلى ميناء بندر عباس بذريعة مخالفة القوانين البيئية البحرية. وقبل هذا وذاك أعلنت إيران أنها رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو إلى 20%، مخالفة بذلك نصوص الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع ستة قوى عظمى في صيف 2015.
وضمن المناخات ذاتها أسهم التخبط الراهن الذي تعيشه الإدارة الأمريكية، وخاصة على صعيد البنتاغون والقرارات العسكرية والدفاعية، في زيادة التوتر عبر إعادة حاملة الطائرات «يو إس إس نيميتز» إلى مياه المنطقة بعدما أمر وزير الدفاع الأمريكي بالإنابة بسحبها. وكان مرور الذكرى الأولى لاغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني قد صب المزيد من الزيت على نيران تتولى إشعالها في العراق الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، ولم تغب دولة الاحتلال الإسرائيلي عن مشهد التوتير فاستغل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قرار زيادة تخصيب اليورانيوم كي يهدد ويتوعد.
من الواضح بالطبع أن مصلحة إيران خلال المرحلة الراهنة تقتضي السير في أجواء التهدئة وليس إذكاء نيران التوتر، إذ أن أي شرارة مواجهة عسكرية سوف تكون في صالح إدارة دونالد ترامب الموشكة على الرحيل، وذلك بغرض وضع المزيد من العصي في عجلة إدارة جو بايدن المقبلة، خاصة وأن الأخير أوحى بأنه سوف يعيد أمريكا إلى الاتفاق النووي. كذلك فإن إشعال الخليج سوف يخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي، وليست بعيدة عن المنطق تحذيرات وزير الخارجية الإيراني من أن عملاء إسرائيليين في العراق قد يلجأون إلى قصف مواقع أمريكية هناك لتوريط إيران عبر ميليشياتها.
التعقل مطلوب إذن وهو يخدم المنطقة بأسرها، التي لا تعيش تحولات إيجابية محلية فقط، بل تنتظر آفاق تحولات وشيكة على صعيد الإدارة الأمريكية أيضاً، يمكن لنتائجها أن تنعكس إيجابياً لصالح التهدئة وتخفيف التوتر.
القدس العربي