ما مصير الحشد الشعبي في العراق بعد العقوبات الأميركية على رئيسه؟

ما مصير الحشد الشعبي في العراق بعد العقوبات الأميركية على رئيسه؟

تحت عنوان “معاقبة المنتهكين لحقوق الإنسان وناشري الفساد”، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، فالح الفياض، ضمن لائحة العقوبات، فيما وجهت اتهامات مباشرة له بإدارة عمليات القمع والقتل التي تعرض لها المحتجون العراقيون خلال انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019 العراقية.

وهذه المرة هي الأولى التي يعلن فيها عن عقوبات على قيادة في الدولة العراقية بهذا الحجم منذ سقوط النظام السابق. ما يضع العراق أمام تحد كبير، إذ يرى مراقبون أن تلك الخطوة تهدد ربما بدخول البلاد في عزلة دولية، في حال عجز الحكومة العراقية عن حل الإشكالات المتعلقة بتنامي نفوذ الأذرع الموالية لإيران على حساب الدولة العراقية، وعدم حسم ملف انتهاكات حقوق الإنسان.

“خلية الأزمة” وقتل المحتجين

واعتبر بيان وزارة الخزانة الأميركية أن الفياض كان عضواً في “خلية الأزمة” التي تشكلت من قادة في الحشد بدعم من “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني.

وأسفرت عمليات القمع التي تعرض لها المحتجون العراقيون خلال الانتفاضة العراقية عن مقتل نحو 800 وجرح عشرات الآلاف، فضلاً عن استمرار عمليات الاغتيال التي تطاول ناشطين بارزين فيها.

وأكدت وزارة الخزانة أن عناصر قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران تواصل عمليات الاغتيال ضد النشطاء السياسيين في العراق، الذين يدعون إلى انتخابات حرة ونزيهة واحترام حقوق الإنسان وحكومة نظيفة.

وقال وزير الخزانة ستيفن منوتشين، وفقاً للبيان، “من خلال توجيه عمليات قتل المتظاهرين العراقيين المسالمين والإشراف عليها، فإن المسلحين والسياسيين المتحالفين مع إيران، مثل فالح الفياض، يشنون حملة عنيفة ضد الديمقراطية العراقية والمجتمع المدني، وستواصل الولايات المتحدة محاسبة منتهكي حقوق الإنسان في العراق الذين يهدفون إلى حرمان الشعب العراقي من الاحتجاج السلمي والسعي لتحقيق العدالة واجتثاث الفساد في بلادههم”.

تصريحات الفياض خلال الانتفاضة

كان الفياض قد أجرى زيارة إلى العاصمة الأميركية واشنطن، بالتزامن مع بلوغ قمع الاحتجاجات ذروته، في 2 أكتوبر 2019، والتقى عدداً من المسؤولين الأميركيين، على رأسهم وزير الدفاع الأميركي، قبل أن يطلق تصريحات ضد المتظاهرين، في 7 أكتوبر، توعد فيها بـ”رد مدوٍّ”. وهدد بـ”القصاص” ضد من وصفهم بـ”المتآمرين” الذين أججوا التظاهرات.

وقال الفياض، حينها خلال مؤتمر صحافي، “سيكون هناك قصاص رادع للذين أرادوا بالبلد سوءاً، لا يمكن التساهل مع المتآمرين الذين نسوا أن في البلد قوى تبرز في الملمات، سيكون ردنا مدوياً وواضحاً ومحدداً، لكن من خلال الدولة وأدواتها (…) سنتابعكم ونقتص منكم، ولن نسمح لأحد بأن يعبث بدماء أبنائنا ولن نسمح بالعبث بتجربتنا الديمقراطية”.

وتزامنت تلك التصريحات مع تعرض المحتجين العراقيين لعمليات قمع واسعة باستخدام الرصاص الحي، ووصلت إلى حدود استخدام القناصين في مواجهة المحتجين، وأسفرت عن مقتل أكثر من مئة وإصابة الآلاف.

وشغل الفياض خلال السنوات الماضية أكثر من منصب أمني في الوقت ذاته، إذ شغل منصب مستشار الأمن القومي ورئيس جهاز الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي، حتى أعفي من تلك المناصب في يوليو (تموز) 2020، بعد وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء، وبقي رئيساً لهيئة الحشد الشعبي فحسب.

تحد كبير أمام الحشد

يعد هذا الأمر حدثاً فارقاً في مستقبل هيئة الحشد الشعبي في العراق، وإمكانية استمرارها بعد موجات كبيرة من الجدل في شأنها، خصوصاً مع سيطرة التيارات الولائية (مصطلح يشير إلى الجهات الموالية لإيران) على مراكز القرار فيها، وتوجيهها، بحسب مراقبين، كجهة موازية للدولة، على الرغم من كونها مؤسسة تابعة للقائد العام للقوات المسلحة.

ويقول المتخصص في الشأن السياسي أحمد الشريفي إن “تلك العقوبات وضعت الكاظمي أمام تحد كبير، إذ إن القرار الذي اتخذ يعد ملزماً للمنتظم السياسي في العراق، لأن واشنطن بموجب القانون الدولي والقرارات الصادرة في مجلس الأمن ما زالت الراعية للمشروع السياسي في العراق”.

ويضيف، “ارتباط بغداد بواشنطن باتفاقية الإطار الإستراتيجي واتفاقية أمنية، تعقيد آخر أمام الحكومة العراقية التي يجب عليها التعاطي مع تلك الإجراءات”.

ويعتقد الشريفي أن أمام الكاظمي مسارين في المرحلة المقبلة، “إما الإبقاء على الفياض، وهذا يعني مزيداً من العزلة الدولية للعراق، أو استبدال الطاقم المستهدف وجعل الحشد الشعبي عملياً ضمن إطار سيطرة القائد العام للقوات المسلحة”.

ويستبعد الشريفي أن يقوم الكاظمي باستبدال القادة الحاليين للهيئة، لأنها “ما زالت خاضعة للمحاصصة وباتت الأذرع الإيرانية تسيطر على جسم كبير داخلها، ما يعقد إمكانية اتخاذ الكاظمي قراراً كهذا”.

ضربات جديدة ضد قادة موالين لإيران

تدور التساؤلات في الوقت الحالي حول إمكانية أن تشرع واشنطن في توجيه ضربات إلى قادة فصائل مسلحة وقادة في الحشد الشعبي موالين لإيران ومدرجين ضمن لائحة العقوبات، من بينهم الفياض.
ويرجح الشريفي (الاستهداف الوارد جداً)، متوقّعاً أن تشهد “المرحلة المقبلة مجموعة عمليات لاستهدف تلك القيادات”. ويعتبر أن “خطوة إدراج شخصيات ضمن العقوبات بمثابة تحذير لأولئك القادة بأنهم في حال لم يلتزموا إخلاء الساحة سيتم إخراجهم بالقوة”.

ويلفت إلى أن هذه القرارات “لن تتأثر بتغير الإدارة الأميركية، وتمثل ثوابت في السياسة الخارجية لواشنطن”، مبيناً أن “العراق سيمثل الساحة الأكثر سخونة في استهداف حلفاء إيران، وربما تبلغ ذروتها في الأيام أو الأسابيع المقبلة”.

وشهد الحشد الشعبي تصدعات عدة في الفترة الماضية، ويأتي الإجراء الأميركي الجديد بعد نحو شهر من إعلان “حشد العتبات” التابع للمرجع الأعلى علي السيستاني الانفكاك عن الحشد والارتباط بالقائد العام للقوات المسلحة.

ويعتقد الشريفي أن ما جرى “يمثل الضربة القاصمة للحشد الولائي، وكانت المرجعية تدرك مخاطر زج الحشد في السجالات السياسية وإمكانية أن يؤدي ذلك إلى استهدافه”، مشيراً إلى أن عدم استجابة القادة السياسيين لتوصيات المرجعية بعدم زج الحشد في الصراعات، هو ما أدى إلى عزل الحشد المرتبط بها عن الهيئة”.

وفي شأن شمول الفياض بعقوبات على إثر استهداف المتظاهرين، يرجح الشريفي أن يشمل هذا العنوان شخصيات أخرى، مبيناً أن “القضية تم تدويلها بعد عجز المؤسسات الرسمية عن اتخاذ أي إجراءات في هذا الصدد. ما جعل العراق أمام خط شروع لتدويل جديد واسع ربما يشمل كل الملفات”.

الولائيون في انتظار بايدن!

لا تخفي التيارات الموالية لإيران تفاؤلها من وصول الرئيس المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 من شهر يناير (كانون الثاني) الجاري. ويرى مراقبون أن التيارات الولائية تعول على إمكانية أن تغير الإدارة الجديدة مسار التصعيد معها، وربما تلغي أو تخفف من وطأة الضغوط الممارسة عليها.

ويقول رئيس مركز “كلواذا” للدراسات باسل حسين، إن “إدراج الفياض ضمن لائحة عقوبات الخزانة الأميركية يعد تحولاً نوعياً لنمط العقوبات، لكونه يستهدف مسؤولاً حكومياً من جهة، وترؤس هيئة الحشد الشعبي من جهة أخرى”.

ويرجح حسين أن “تشمل العقوبات أسماء أخرى حتى 20 يناير الجاري”، مشيراً إلى أن “المقاربة ربما تكون مختلفة بعد تسلم بايدن إدارة البيت الأبيض، التي قد تتخلى عن هذه السياسة وتكون أكثر تريثاً في إصدار العقوبات، في محاولة لتغيير أجواء التعاطي السياسي مع الملف العراقي”.

ويلفت إلى أن “انتظار وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض هو ما يجعل التيارات الموالية لإيران أكثر تريثاً في ردود أفعالها، خصوصاً مع عدم إخفائها التفاؤل في هذا السياق”.

صدمات متلاحقة للولائيين

يبدو أن مسار التعقيد الذي يشهده حلفاء إيران في الفترة الماضية في تزايد مستمر، خصوصاً بعد انفكاك “حشد العتبات” التابع للمرجعية.

ويلاحظ الصحافي معن الجيزاني أن “تركيز الولايات المتحدة منصب حالياً على أذرع إيران في المنطقة، والقرار الأخير يعد استكمالاً لسياسة الضغط الأقصى الممارسة ضد طهران”.

ويستبعد الجيزاني أن تطرأ تغيرات جذرية في تعاطي إدارة الرئيس المنتخب بايدن مع ملف الجماعات المسلحة الموالية لإيران، على الرغم من تفاؤل التيار الولائي بهذا الأمر، لافتاً إلى أن “بايدن قد يمثل صدمة كبرى بالنسبة إلى تلك التيارات”.

ويعتقد الجيزاني أن أهمية الخطوة الأميركية الجديدة تكمن في توقيتها، إذ إن تلك المؤسسة باتت مثار جدل عراقي كبير في الفترة الماضية، خصوصاً مع تخلي الحشد التابع لمرجعية السيستاني عنها “على إثر خلافات حول التوجهات واستغلال المؤسسة للتأثير في القرار السياسي”، مبيناً أن “ما تبقى من الحشد بات يصنف عراقياً على أنه جسم مواز للدولة تديره طهران بشكل مباشر”.

ولعل القوة السياسية للقرار أكبر من تأثيراتها المالية على الفياض، بحسب الجيزاني، الذي يلفت إلى أن “التأثيرات المباشرة للقرار ستكون على المؤسسة وليس الفياض فحسب، وستفرض على الدولة العراقية التعاطي بشكل مغاير مع تلك القوة التي لا تمتثل للقرارات الرسمية وتمثل جسماً موازياً للدولة”.

ويشير الجيزاني إلى أن “الفياض لطالما حاول اللعب على الحبال، ففي الوقت الذي يعد فيه جزءاً من التيار الولائي، كان يتمتع بعلاقات جيدة مع واشنطن، ما جعله يعتقد طوال الفترة الماضية أنه بمعزل عن الملاحقة الأميركية”، مبيناً أن هذا الأمر يؤكد أن “واشنطن لن تقدم على التعاطي مع الحكومة العراقية من دون أن تكون مؤسسات الأمن فيها وطنية وغير مخترقة من إيران”.

ويختم أن “واشنطن باتت تشعر بعجز الكاظمي عن وضع حد لتحركات الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق، وهو ما دفعها إلى اتخاذ إجراء مباشر”، مبيناً أن غاية الإجراء تتمثل في “إحراج الحكومة العراقية ووضعها أمام مفترق طرق، إما اتخاذ خيارات حقيقية إزاء القوى الإيرانية في الداخل العراقي، أو خيار عزلة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين”.

ردود رسمية

لم يصدر حتى اللحظة تعليق من الكاظمي على إدراج الفياض ضمن لائحة العقوبات الأميركية. واكتفت وزارة الخارجية العراقية بالتعبير عن استغرابها من إدراجه ضمن لائحة العقوبات الأميركية. فيما لم تعلق على الاتهامات الواردة في القرار، التي تتحدث عن ارتباطه بعمليات قتل وانتهاكات طالت متظاهرين وناشطين.

وقالت الخارجية، في بيان، إن “القرار الصادر عن الخزانة الأميركية بحق فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي مثّل مفاجأة غير مقبولة”.

وأكد البيان، أن الوزارةَ “ستتابع بعناية مع الإدارةِ الحالية والجديدة في واشنطن جميع القرارات الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية بحق أسماء عراقية والعمل على معالجة تبعات ذلك”.

في المقابل، دعا مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي في تغريدة على “تويتر”، وزارة الخزانة الأميركية، إلى “تصحيح الخطأ في قرار فرض عقوبات على شخصية عراقية حكومية، ليس من الصحيح أن تكون ضمن قوائم العقوبات”.

أحمد السهيل

اندبندت عربي