وجّه العراق، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ضربة قاسية لتنظيم “داعش” أخيراً، بالقضاء على القيادي أبو ياسر العيساوي، الذي يشغل منصب ما يُعرف بـ”والي العراق”، خلال عملية مشتركة بين القوات العراقية وطيران التحالف في وادي الشاي قرب كركوك، يوم الخميس الماضي. ولم يصدر عن التنظيم أي تعليق لغاية الآن حيال الإعلان عن مقتل العيساوي، باستثناء تلميحات بالإقرار من بعض المنصات المقربة للتنظيم عبر تطبيق “تلغرام”، حملت طابع تهديدات ووعيد بأن عمل “داعش” لن يتوقف بمقتل شخص واحد. في المقابل، يؤكد مسؤولون أمنيون في العراق وخبراء في شؤون الجماعات المسلحة أن مقتل العيساوي يطوي صفحة القيادات الرئيسية في التنظيم، أو ما يعرف بالجيل الأول للتنظيم، ويفوّت الفرصة على “داعش” التقاط أنفاسه في العراق مجدداً كما كان يخطط. وعلى الرغم من أهمية هذه الضربة، إلا أن مسؤولين عراقيين يحذرون من أن خطر “داعش” ما زال قائماً، تحديداً باختراق بغداد وإيصال انتحاريين اثنين إلى وسط العاصمة في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، لتنفيذ هجومين مزدوجين سقط ضحيتهما 35 قتيلاً وأكثر من مائة جريح.
تمّ القضاء على غالبية أعضاء مجلس الشورى في تنظيم “داعش”
ويتحدر جبار سلمان صالح علي العيساوي، المعروف بأبو ياسر العيساوي، من قرية حِصَي، غربي العاصمة بغداد، قرب الفلوجة. وهو سادس أبرز الشخصيات التي يتم الإعلان عن قتلها أو اعتقالها، والثاني الذي يشغل منصب “والي العراق” في تنظيم “داعش”، خلال أقل من عام. وسبق للتحالف الدولي أن أعلن في مايو/ أيار الماضي مقتل “والي العراق” معتز نعمان الجبوري المعروف باسم حجي تيسير، في عملية في دير الزور السورية على الحدود مع العراق. كذلك أعلن في الشهر نفسه عن اعتقال العراقي عبد الناصر قرداش، القيادي البارز في التنظيم في دير الزور أيضاً، بعملية نفذت بين جهاز المخابرات العراقي والتحالف الدولي الذي نسق مع مسلحي “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). من جهته، أعلن جهاز مكافحة الإرهاب عن مقتل عمر الكرطاني، الذي قال إنه يشغل منصب “والي بغداد” في التنظيم نفسه منتصف يوليو/ تموز الماضي، إلى جانب شخصيات أخرى لا تقل أهمية في التنظيم مثل أحمد الزاوي، وحسن الجغيفي، الذي كان مسؤولاً عن ملف التجنيد في “داعش”.
الإيقاع بالأهداف الأخيرة في عمليات ساهمت فيها قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن إما بشكل مباشر أو بالدعم والإسناد، يشير إلى أن الشخصيات المستهدفة خلال الأشهر العشرة الأخيرة هي من الحلقات المقربة لزعيم التنظيم الجديد أبو إبراهيم القريشي المعروف بعبد الله قرداش. وقرداش خلف إبراهيم عواد السامرائي، المعروف بأبو بكر البغدادي، بعد نحو أسبوع من مقتله في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في غارة أميركية شمالي غرب سورية. كما أن هؤلاء من قيادات الجيل الأول الذي شارف على الانتهاء، باستثناء البعض، مثل أمير المولى، وحجي حميد، وبشار الصميدعي، وأبو الحارث العراقي واسمه الحقيقي زياد عبد الله، وطارق بن الطاهر الحرزي. ورصدت الولايات المتحدة مكافآت لقاء الإبلاغ عن معلومات تفضي إلى قتلهم أو اعتقالهم، تصل بمجملها إلى نحو 12 مليون دولار.
وأكد مسؤول أمني عراقي بارز في وكالة الاستخبارات في بغداد، لـ”العربي الجديد”، أن مجموع من قُتل أو اعتُقل من قيادات التنظيم البارزة منذ انتهاء معركة الباغوز السورية على الحدود مع العراق في مارس/ آذار 2019، ولغاية الآن، تجاوز الـ40 قيادياً من جنسيات مختلفة، أكثر من 15 منهم أوقع بهم في العراق، والآخرين في شرق وشمالي شرق سورية. ولفت إلى أن “داعش” تلقّى ضربة كبيرة ليس فقط على مستوى فقدانه زعيماً مؤثراً مثل العيساوي، بل لأن الضربة قضت على النواة الجديدة للتنظيم في العراق وهي زعيمه ومساعدوه. بالتالي هناك ترجيحات بعودة التنظيم إلى مرحلة ما بعد انتهاء معارك الموصل في يوليو/ تموز 2017، إذ انقطع حينها التواصل بين القيادات وبين العناصر الذين تفرقوا في مناطق عدة من البلاد. وكشف عن “العثور على معلومات مهمة في هواتف ذكية وُجدت في وكر العيساوي ومرافقيه الذي تم قصفه قرب كركوك، تأمل أجهزة الاستخبارات تحليلها والحصول على معلومات حول الخلايا العاملة مع داعش والمتورطين بالتواصل معه”.
الخبير في شؤون الجماعات المسلحة في العراق العقيد المتقاعد فؤاد علي كشف في حديث لـ”العربي الجديد” أن غالبية أعضاء مجلس الشورى في تنظيم “داعش” تم القضاء عليهم، وقد يكون بقي منهم نحو خمسة فقط، من بينهم زعيم التنظيم الجديد أمير المولى.
الضربات الأخيرة التي تلقاها “داعش” على الأغلب ناجمة عن اختراق استخباري
وأضاف علي أن الضربات الأخيرة التي تلقاها “داعش” على الأغلب ناجمة عن اختراق استخباري، إما لصفوفه أو بتتبّع تقني برصد هواتف عناصر في التنظيم تم تركهم خلال الفترة الماضية بلا اعتقال، للوصول إلى معلومات من خلالهم. ولفت إلى أن الأمر حصل بإمكانات أميركية بطبيعة الحال وليست عراقية، مشيراً إلى أن المنطقة التي قُتل فيها العيساوي، وادي الشاي جنوبي غرب كركوك، كانت قبل أيام مراقبة بواسطة الطيران الأميركي المسيّر ومطوقة من الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب.
واعتبر علي أن سلسلة الضربات في الأشهر الأخيرة جعلت قيادة التنظيم الحالية بغالبية عراقية سورية فقط، بعد أن كانت تضم أسماء مصرية وسعودية وأردنية وجزائرية وتونسية وجنسيات أجنبية أيضاً. فقد برزت في فترة ذروة التنظيم شخصيات مهمة قُتلت في ما بعد مثل أبو عمر الشيشاني، وحسن المصري، وصلاح قرع باش وأبو علي الخليلي، ووسام الشامي، وعبد الله الجزائري، ويونس الجرجري، وآخرين. ولفت إلى أن هناك أيضاً معتقلين من القيادات داخل معتقلات “قسد” في سورية، لكن في الوقت الحالي يكاد لا يُعرف ممن تبقّى إلا العراقيون والسوريون، وهذا مؤشر أيضاً على شلل كامل في ماكينة التجنيد والكسب الجديد للتنظيم الذي كان يعتمد على ما يسميه الهجرة من دول مختلفة إلى “أرض الرباط”، في إشارة منه إلى العراق وسورية. واعتبر أن الإنجاز الأخير (قتل العيساوي) يجب أن يكون مؤثراً على التنظيم، لكنه لا يعني بالضرورة توقف تهديداته، خصوصاً بعد نجاح اختراقه الأخير في بغداد بانتحاريين اثنين، لذا يمكن القول إن قتل العيساوي ضربة كبيرة لكن لم تصب التنظيم بمقتل.
من جهته، وصف مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد البلداوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، مقتل العيساوي بـ”الضربة المؤثرة في هيكلية التنظيم”، لكنه أشار إلى أن “تنظيم داعش ما تزال لديه القدرة على إيجاد بديل له”. ولفت إلى أن خطر التنظيم ما زال قائماً، على الرغم من الضربة التي تلقاها في كركوك، “لكن التنظيم كان قد نجح في الفترة الأخيرة في تحقيق اختراق في بغداد وإيصال انتحاريَين، لذا لا يمكن الذهاب بعيداً في التفاؤل، وعلى القوات الأمنية أن تعيد حساباتها وتغير من خططها الحالية للاستمرار في مواجهة التنظيم وتفكيك خلاياه”.
محمد علي
العربي الجديد