خلال الأسابيع القليلة الماضية، صدرت تهديدات عدة عن القيادات في إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، ففي أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من الاندفاع نحو العودة للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، حتى لو شددت شروطه، قائلاً، إنه أمر قواته بتكثيف الاستعدادات للقيام بعمل هجومي محتمل ضد إيران خلال العام.
ومطلع فبراير (شباط) الحالي، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في مقابلة تليفزيونية، بأن إسرائيل جاهزة لاحتمالات خوض حرب ضد المشروع النووي الإيراني إذا لزم الأمر، مضيفاً، “إسرائيل لديها هدف واضح: ألا تصبح إيران نووية. هذا ليس فقط لمصلحة إسرائيل، لكنه أولاً وأخيراً لمصلحة عالمية وإقليمية”، أعقبت ذلك، تصريحات للرئيس الإسرائيلي رؤوفين رفلين، منتصف الشهر الحالي، مؤكداً ضرورة إبقاء الجيش في حالة جاهزية تامة، لمواجهة أي سيناريو محتمل، والدفاع عن حدود الوطن.
تصعيد إيراني
تقترن هذه التهديدات بمزيد من الخطوات من جانب إيران التي تبتعد أكثر عن القيود النووية التي تفرضها خطة العمل المشتركة “الاتفاق النووي”، إذ أعلنت طهران، الأسبوع الحالي، فرض قيود على وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مواقعها النووية، وأكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن إيران بدأت، الثلاثاء، 23 فبراير(شباط)، تقليص عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد انقضاء مهلة حددها البرلمان لرفع العقوبات التي فرضتها واشنطن بعد انسحابها من الاتفاق النووي.
وقال المرشد الإيراني علي خامنئي، الإثنين، إن إيران قد تخصب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 60 في المئة إذا احتاجت ذلك، وإنها لن تذعن أبداً للضغوط الأميركية بشأن برنامجها النووي، والثلاثاء 23 فبراير(شباط)، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير جديد، إنها “قلقة للغاية” حيال إمكانية وجود مواد نووية غير مصرح بها في إيران، مضيفة أن مخزون اليورانيوم الضعيف التخصيب لديها أكثر بـ14 مرة من الحد المسموح به في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وأن طهران أنتجت 17.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة.
هذه التطورات هي الأحدث في سلسلة إجراءات بدأت بها إيران منذ منتصف 2019، وشملت التراجع تدريجياً عن العديد من التزاماتها الأساسية بموجب اتفاق فيينا 2015، مع تأكيدها أنها ستعود إلى تطبيقها في حال رفع العقوبات واحترام الأطراف الآخرين التزاماتهم، إذ تسعى إيران لتكثيف الضغط على إدارة بايدن ووضع شروط للمفاوضات المتوقعة.
بايدن وإسرائيل
وتصر إدارة بايدن على الالتزام الكامل أولاً ببنود الاتفاق النووي من جانب إيران، كشرط أساس لرفع العقوبات والعودة إلى طاولة المفاوضات، ومع ذلك، تبدو الإدارة الأميركية الحالية أكثر مرونة مع تأكيدها على الحل الدبلوماسي في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وهو ما يثير قلق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل بشأن تقديم تنازلات كثيرة في المفاوضات المحتملة.
وتتفق إسرائيل ودول المنطقة على رفض الاتفاق النووي باعتباره معيباً، إذ إن الاتفاق يؤخر إيران لكنه لن يمنعها من الحصول على قدرات نووية، وثانيها، أنه لم يعرقل تدخل طهران في الشؤون الداخلية لدول الجوار وطموحاتها في أن تصبح اللاعب المهيمن في المنطقة، وثالثاً، أن خطة العمل الشاملة المشتركة أدت إلى تفاقم سلوك السياسة الخارجية الإيرانية من خلال رفع العقوبات، والإفراج عن أصول مجمدة بمليارات الدولارات وتعزيز اقتصادها، وكل ذلك سمح لإيران بتعزيز قدراتها الدفاعية وزيادة توسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة.
الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي خلال لقاء في القدس عام 2016 (رويترز).jpg
الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي خلال لقاء في القدس عام 2016 (رويترز)
وفي ضوء هذه الظروف، يبدو أن طهران تتخذ التهديدات الإسرائيلية، المدعومة إقليمياً، على محمل الجد، وأجرى النظام الإيراني مجموعة كبيرة من التدريبات العسكرية وعمليات التفتيش رفيعة المستوى للوحدات والقدرات التي سيحتاجها للدفاع ضد أي ضربة محتملة والرد عليها، وبدأت التدريبات في الثاني من يناير 2021، واختتمت في 23 من الشهر نفسه، وبدأت أخرى في 11 فبراير الحالي، وشملت وحدات برية وجوية من كل الوحدات العسكرية الإيرانية تقريباً.
احتمالات ضربة عسكرية
لكن يبقى السؤال، هل تقدم إسرائيل بالفعل على ضربة عسكرية تربك الإدارة الأميركية الساعية بشدة للحل التفاوضي مع إيران، وما إمكانية توجيه مثل هذه الضربة وحدود تأثيرها على البرنامج النووي الإيراني، وما موقف الإدارة الأميركية حال فشل المفاوضات في العودة للالتزامات النووية؟
157739066.jpg
اتهمت إيران الموساد الإسرائيلي باغتيال العالم النووي محسن فخري زادة ( وكالة الأنباء الإيرانية)
“اندبندنت عربية” استطلعت آراء بعض المسؤولين السابقين والخبراء في الولايات المتحدة بشأن الأمر، والذين اتفقوا على أن فرصة شن هجوم عسكري من قبل إدارة بايدن ضد إيران، تنعدم تقريباً، كما يعتقد آخرون أن أي ضربة إسرائيلية منفردة سيكون تأثيرها محدوداً للغاية.
وقال فريد فليتس، رئيس مركز السياسة الأمنية، والذي شغل منصب رئيس فريق مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، إن التحركات العسكرية المحتملة من قبل إسرائيل ذات طبيعة دفاعية، إذ يشعر المسؤولون في تل أبيب بالقلق من أن تكون إدارة بايدن أقل دعماً لبلدهم من الإدارة السابقة، ومن ثم، فإنهم يستعدون للدفاع عن أنفسهم ضد الاستفزازات الإيرانية، وخصوصاً الهجمات التي تنطلق من غزة والتنظيمات الإرهابية.
ومع ذلك، يستبعد المسؤول الأميركي السابق، الذي عمل أيضاً لدى وكالات الاستخبارات الأميركية، أن يكون بإمكان إسرائيل شن ضربات جوية فعالة لعرقلة البرنامج النووي الإيراني، مشيراً إلى أن كثيراً من المنشآت النووية في إيران توجد تحت الأرض أو في مواقع سرية، كما أن طهران لديها نظام الدفاع الجوي الصاروخي “أس-300” الذي اشترته من روسيا لحماية مواقعها النووية من الضربات الجوية المحتملة، وبإمكان هذا النظام إسقاط بعض الطائرات الإسرائيلية.
ويضيف فليتس،أنه إذا حصلت إيران على النظام الروسي الأكثر تطوراً “أس-400″، فربما تخسر إسرائيل معظم طائراتها، ويشير إلى أن بإمكان الولايات المتحدة أن تلحق أضراراً أكبر كثيراً بالمواقع النووية الإيرانية، ولكنها لن تصل إليها كلها، وفي كل الحالات، سيحتاج الأمر إلى عملية عسكرية ضخمة، وهو ما لن يقدم عليه بايدن قط.
تهديدات تكتيكية
ويعتقد آخرون أنه من المرجح أن تكون التهديدات الإسرائيلية مصممة لزيادة النفوذ على واشنطن، ومع ذلك، لا يمكن استبعاد العمل العسكري الإسرائيلي المستقبلي تماماً، نظراً لتدخلات إسرائيلية سابقة بشكل محدود في هذا الصدد على الصعيد الإقليمي.
وبدلاً من رفع العقوبات الأميركية مقابل عودة إيران إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي، كما يتصور بايدن، يضغط المسؤولون الإسرائيليون من أجل استمرار حملة الضغط القصوى التي بدأت في عهد ترمب لفرض قيود أكثر صرامة على برنامج إيران النووي، وكبح جماح أنشطتها الإقليمية وتطوير الصواريخ، ويقول هوغ لوفات، الزميل لدى المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن هذه المطالب الكاسحة مدفوعة بمعارضة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العميقة الجذور لإيران وحساباته السياسية الداخلية قبل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، لكن مثل هذه المطالب قُدمت أيضاً من قبل الجهات الفاعلة عبر معظم الطيف السياسي الإسرائيلي، ومن قبل العديد من مسؤولي الأمن الإسرائيليين.
ويرى نيكولاس ميللر، الأستاذ المختص في الأمن الدولي والانتشار النووي، لدى كلية دارتموث في الولايات المتحدة، عبر “اندبندنت عربية”، أن التهديدات الإسرائيلية تحمل غرضين، ظاهرياً للاستهلاك المحلي، وفي الوقت نفسه، تستهدف الضغط على إدارة بايدن لاتخاذ موقف أكثر تشدداً حيال إيران، واستبعد ميللر أن تهاجم إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة وبقية مجموعة “5+1″، (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين) إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، إذ سيكون لأي تحرك عسكري رد فعل سياسي وإمكانية حدوث مزيد من التصعيد، ويعتقد ميللر أن من المرجح أن تهاجم إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية إذا انهارت خطة العمل الشاملة المشتركة بالكامل وبدا أن طهران تتجه نحو تطوير سلاح نووي.
الالتزام بالمسار الدبلوماسي
وخلال الإفادة الصحافية للمتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، الثلاثاء 23 فبراير (شباط)، رفض التعليق على تقرير الوكالة الدولية بشأن احتمال وجود مواد نووية في موقع غير معلن عنه في إيران، وقال، متحدثاً بنبرة تخلو من التصعيد، “يبقى هدفنا من وراء كل ذلك الوصول إلى نتيجة تستأنف بموجبها إيران والولايات المتحدة الامتثال لالتزاماتهما بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.”
وفي حين أشار برايس إلى أن طهران تتحرك في الاتجاه الخطأ، لكنه تحدث مراراً عن الحل الدبلوماسي، قائلاً، “لقد أوضحنا طوال الوقت أن الطريقة الأفضل والأكثر استدامة وفاعلية لوضع حدود يمكن التحقق منها ودائمة على برنامج إيران النووي، من خلال حل تفاوضي لذلك”، لكنه لفت أيضاً إلى رغبة الإدارة الأميركية في إطالة وتعزيز الصفقة. “نود التفاوض على اتفاقيات لمعالجة مجالات أخرى من النفوذ الخبيث لإيران، بما في ذلك برنامج الصواريخ البالستية”.
ويقول رئيس مركز السياسات الأمنية، إنه ليست هناك أي فرصة لأن تهاجم إدارة بايدن إيران، إذ إن الرئيس الأميركي ملتزم بالدبلوماسية المتعددة الأطراف، ويضيف أنه إذا كان يفضل العمل العسكري ضد إيران، فسيحتاج إلى مصادقة مجلس الأمن الدولي على الخطوة، وهو ما لن يحدث أبداً بسبب حق النقض للصين وروسيا.
التعايش مع إيران نووية
ويرى فليتس أنه من المحتمل أيضاً أن يكون بايدن ومساعدوه قد قبلوا، فيما بينهم، أن كل ما يمكنهم فعله هو إبطاء إيران عن إنتاج قنبلة نووية، فلا يمكنهم إيقاف ذلك، لذلك، من المحتمل أنهم يبحثون، بشكل غير علني، عن طرق يمكن أن يتعايش بها الأميركيون مع إيران المسلحة نووياً، وهو ما يحذر منه المسؤول الأميركي السابق باعتباره “خطأً جسيماً”، ويشير إلى أن هناك خبراء ليبراليين آخرين يعتقدون بالأمر، وربما أثر ذلك على المفاوضات النووية لإدارة باراك أوباما مع إيران في 2015.
وعلى سبيل المثال، ففي عام 2012، حذر بول بيلر، الزميل الرفيع لدى معهد دراسات الأمن بجامعة جورج واشنطن وزميل معهد بروكينغز، مشيراً إلى أن امتلاك إيران السلاح النووي لا يمثل تهديداً للمصالح الأميركية وإسرائيل بقدر الحرب، وكتب في دورية واشنطن الشهرية، قائلاً، إنه حتى إذا حصلت طهران على القنبلة، فستحتفظ إسرائيل بتفوقها العسكري الساحق، بأسلحتها النووية، التي تقدر مراكز الأبحاث الدولية عددها بما لا يقل عن 100، وربما 200، من القوات التقليدية وأنظمة الإطلاق التي ستستمر في التفوق إلى حد بعيد على أي شيء تمتلكه إيران، وأضاف أن هذا جزء من السبب في أن السلاح النووي الإيراني لن يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، ولن يمنح طهران ترخيصاً لتصبح أكثر إثارة للمشاكل الإقليمية، لكن الحرب مع إيران، التي تبدأها إما إسرائيل أو الولايات المتحدة، ستدفع إسرائيل إلى مكان أبعد في حفرة الصراع الدائم والعزلة الإقليمية.
الأمن البيئي
وعلى الرغم من ضعف حجة بيلر ووجهات النظر التي تميل إلى التعايش مع إيران نووية، إذ يسود اتفاق بين المراقبين ومراكز الأبحاث بشأن خطورة حصول طهران على أسلحة نووية، ما سيدفع بسباق تسلح نووي في المنطقة ويزيد التوترات الإقليمية، لكن يظل خيار الحرب يشكل تهديداً على الأمن البيئي.
ويشير المراقبون إلى أن أي ضربة محتملة سوف تسفر عن بعض العناصر المشعة من مواقع الطرد المركزي المدمرة والمنشآت النووية، ومع ذلك، فإن حجم التلوث سيتحدد وفقاً للمنشآت التي ستُستهدف، فإذا هاجمت إسرائيل منشآت التخصيب الإيرانية في كل من”نطنز” و”فوردو”، فمن المحتمل أن يكون هناك تلوث محلي محدود من اليورانيوم والمواد الكيماوية المرتبطة به، بينما الهجوم عل مفاعل “بوشهر” سيكون أكثر خطورة من حيث التداعيات الإشعاعية والذوبان النووي، ومع ذلك، من المستبعد أن يُستهدف ذلك المفاعل بالنظر إلى أنه محطة طاقة مدنية وليس ضرورية لبرنامج التخصيب الإيراني.
إنجي مجدي
اندبندت عربي