تروي محافل مطلعة جيداً على تجارة النفط في العالم بأن انخفاضاً جوهرياً طرأ في الأشهر الأخيرة على حجم النفط الذي يمر من إيران إلى ميناء اللاذقية في سوريا عبر البحر. وهذه ليست صدفة، فهي على ما يبدو إحدى نتائج الحرب البحرية بين إسرائيل وإيران، والتي تستهدف منع عبور النفط الإيراني المخصص لتمويل النشاط العسكري لقوة فيلق القدس الإيرانية وحزب الله في سوريا ولبنان. وكان السوريون طلبوا من روسيا مؤخراً زيادة كمية النفط التي تبيعها لسوريا بدلاً من النفط الإيراني الذي يعرقل أحدهم ضخه.
ارتفعت هذه الحرب درجة هذا الأسبوع. فقد أصاب صاروخ إيراني في بحر العرب سفينة الشحن “لوري” التي تبحر تحت علم أجنبي. ليس لها طاقم إسرائيلي ولكنها تعود لشركة “تسيم” الإسرائيلية. وذلك بخلاف سفينة الشحن “هليوس ري” التي أصيبت في 26 شباط بعبوة ألصقت في جانبها في خليج عُمان، والتي هي سفينة أجنبية تشغلها شركة أجنبية بملكية رجل أعمال إسرائيلي. لم تكن هناك إصابات في الأرواح في الحالتين، وواصلت السفينتان الإبحار بقواهما الذاتية.
تظهر متابعة للمنشورات الأجنبية بأن هذه الحرب البحرية تتواصل، أغلب الظن، منذ أكثر من سنتين وتتركز – حسب المنشورات – على الناقلات التي تعود لشركات إيرانية ترتبط بالحرس الثوري. ولم تصعد مؤخراً إلى العناوين الرئيسية إلا بعد أن بدأت تصاب سفن ذات علاقة بالإسرائيليين أو بإسرائيل، وذلك لأنها مؤمنة في شركات دولية.
طالما تضررت سفن إيرانية فقط – ولا سيما ناقلات وقود – لم تحظ الأمور بالعناوين الرئيسية، وذلك لأن هذه السفن مؤمنة في شركات تأمين إيرانية. وأخفت الحكومة الإيرانية الخسائر الهائلة جراء ضرب السفن والبضائع وليس لها مصلحة في إبلاغ جمهورها بأضرار بالملايين تتكبدها بسبب إصرارها على نقل النفط إلى سوريا بخلاف العقوبات التي فرضت عليها.
هذه المعركة البحرية بصفتها معركة منسوبة لإسرائيل هي جزء من حرب متعددة الأذرع تديرها إسرائيل ضد مصادر تمويل منظمات الإرهاب العاملة ضدها. وكان نشر في الماضي بأن قرابة نصف أعمال الجيش الإسرائيلي في إطار ما يسمى “الحرب بين الحروب” (والتي تتضمن فصلاً اقتصادياً أيضاً) تنفذها الذراع الاستراتيجية طويلة المدى لسلاح البحرية. يمكن الافتراض بأن قسماً كبيراً من هذا العبء يقع على كاهل رجال القوات الخاصة، مقاتلي الكوماندو البحرية، ذوي قدرات عمل بشكل مستقل وعلى مدى فترات زمنية طويلة، حتى على مسافة مئات الكيلومترات عن شواطئ إسرائيل.
قبل نحو أسبوعين نشر في “وول ستريت جورنال” بأن إسرائيل ضربت في إطار هذه الحرب البحرية 12 ناقلة نفط إيرانية. وتعتقد محافل دولية تعنى بالحراسة البحرية أن عدد السفن الإيرانية المصابة هو ضعف هذا العدد. فبعض من الناقلات التي أصيبت عادت إلى إيران، بعضها الآخر وصل إلى الموانئ وتعطلت كنتيجة لضرر لا صلاح له. كل ناقلة كهذه لا تصل إلى هدفها معناه خسارة دخل بمقدار 60 – 80 مليون دولار. وحالياً هناك قواعد في هذه الحرب، والطرفان يلتزمان بها. ويتبين من التقارير أنه لم يتم السيطرة على السفن، وكانت الأعمال بلا إصابات وقتلى ولم تغرق أو تلوث البحر.
إن الضربات ضد الناقلات والتي نسبت لإسرائيل كانت إيران قد تحملته، حتى وقت أخير مضى، بصمت. أما الآن فيبدو أنهم توصلوا إلى الاستنتاج بأنه يمكن ردع إسرائيل عن عرقلة ضخ النفط إلى سوريا من خلال ضرب سفن تعمل في الخط التجاري بين إسرائيل والشرق الأقصى. إذا تواصلت هذه الضربات فسيلحق بإسرائيل ضرر اقتصادي جسيم؛ إذ إن شركات السفن وشركات التأمين ستتردد في العمل في هذا الخط البحري.
يقترب الطرفان من نقطة الانفجار. لإسرائيل منسوب رد على الضربة لـ “هليوس ري” من خلال هجوم جوي في ضواحي دمشق، وأغلب الظن أيضاً بضرب سفينة تجارية إيرانية أمام شواطئ سوريا (وهذه هي الأمور التي نشرت). وثمة افتراض برد سري أو علني مقابل ضربة “لوري”. تجري هنا مواجهة قد تتدهور إلى اتجاهات غير مرتقبة.
بقلم: أليكس فيشمان
القدس العربي