” ربع الله”: الكاظمي في مواجهة دويلات الدولة

” ربع الله”: الكاظمي في مواجهة دويلات الدولة

على الرغم من الجهود المضنية التي يبذلها مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق لإستعادة هيبة الدولة العراقية من خلال فرض سيادة دولة القانون والسعي الدؤوب في الانفتاح على البيئة العربية والإقليمية والدولية، إلا أن المليشيات الولائية تحاول تعطيل النهج الداخلي والخارجي للكاظمي.

يوم أمس، وفي سياق تحدي هيبة الدولة العراقية، نظّمت ميليشيا مسلحة تُطلق على نفسها اسم “رَبعُ الله”،استعراضًا عسكريًا في مناطق متعددة وسط العاصمة العراقية بغداد، مستخدمة أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، للمطالبة بإعادة سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي إلى وضعه السابق، وإقرار موازنة 2021، ملوّحة بـ”قطع أذن الحكومة” وتعليقها على أبواب المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، وسط جمّلة انتقادات.

أراد المشاركون من «ربع الله» القول إنهم ليسوا عصابة مسلّحة تتفاخر بقوّتها على الدولة والمدنيين في الشارع، فأضافوا «نكهة» سياسية واقتصادية على استعراضهم العسكري حيث قام أحد عناصرهم بقراءة بيان قدم فيه مطالب ماليّة واقتصادية منها: «إقرار الموازنة، تراجع سعر صرف الدولار، عدم تسليم الموازنة إلى البارزاني (أي حكومة كردستان العراق) قبل دفع مستحقات النفط والمعابر» وهي مطالب خفيفة الوزن ويمكن الإدلاء بها على وسائل الإعلام العامّة ولا تتناسب مع رفع السلاح في الشارع ووضع الأقنعة على الوجوه ورفع صور تتقصد إهانة رئيس الحكومة والتهديد بقطع الآذان والأيدي!
وفي أول تعليق للحكومة العراقية على الاستعراض المسلح، قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إن الاستعراض “يهدف لإرباك الوضع الأمني، مؤكداً أن مهمة حكومته التهيئة لإجراء الانتخابات المبكرة فقط”. وخلال مشاركته في حفل تكريم لعدد من عائلات ضحايا صحافيين ببغداد، قال الكاظمي أيضًا إن “هناك من يعتقد أنه بالسلاح المنفلت يهدد أمن الدولة”، مشدداً “كفى حروباً وسلاحا”. وأشار إلى أن حكومته “جاءت بظروف صعبة، وأن مهمتها فقط التهيئة لانتخابات حرة ونزيهة”، لافتاً إلى أن “استعراض اليوم يهدف لإرباك الوضع الأمني في البلاد، وإبعاد العراق عن دوره الحقيقي”.

وانتقد السيد مقتدى الصدر قيام ميليشيا ربع الله بالاستعراض واصفا ذلك بأنّه “كسر لهيبة الدولة”. وقال في تغريدة على تويتر إنّ “الجهة التي قامت بالاستعراض كانت تنتمي إلى الحشد الشعبي. وعلى الحشد معاقبتها. وعلى الحكومة الحيلولة دون ذلك مرة أخرى”. وأضاف “اللجوء إلى السلاح لتحقيق المطالب أمر مرفوض، ولعل تلك الميليشيا تظن أنها ستنال تعاطف الشعب معها”.

وتبرّأت هيئة الحشد الشعبي من الفصيل الذي قام بالاستعراض في بغداد. ونفت في بيان “وجود أي تحرك عسكري لقطعات الحشد داخل العاصمة بغداد”. وقالت إن “تحركات قوات الحشد الشعبي تأتي ضمن أوامر القائد العام للقوات المسلحة وبالتنسيق مع قيادة العمليات المشتركة”، مبينة أن “ألوية الحشد تسمى بالأرقام لا بالمسميات الأخرى، كما أن مديرياته تحمل التسميات الرسمية المعروفة”.

الحركة التي انطلقت، في البداية، على شكل صفحات في مواقع التواصل، تحوّلت فجأة إلى عنصر فاعل في الشارع حين هاجمت مكاتب مؤسسات إعلامية وحزبية وأضرمت النيران فيها العام الماضي، ومن أبرز العمليات التي نفذتها جماعة «ربع الله» عملية إحراق قناة «دجلة» طرب التلفزيونية، وتكسير معدات القناة لانها كانت تبث أغاني في ايام محرم، كما هاجم ملثمون تابعون لـ»ربع الله» قناة «أم بي سي عراق» نتيجة تصريحات لم ترض إحدى الميليشيات الشيعية المقربة من هذه المجموعة، وكذلك ردت هذه المجموعة على تصريح هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي الاسبق، والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، باحراق مقر الحزب في بغداد، إذ دعا زيباري في لقاء تلفزيوني حكومة الكاظمي للحد من النفوذ الميليشياوي في المنطقة الخضراء، لضمان أمن البعثات الدبلوماسية الدولية، فما كان من مجاميع مقربة من «ربع الله» أن أطلقت حملة تهديدات وشتائم على السياسيين الكرد، وحددت موعدا علنيا على تويتر لمهاجمة مقر الحزب الكردستاني، وهذا ما تم فعلا، وأجهزة الحكومة واقفة تتفرج، من دون أن تتخذ أي اجراء ضد من قاموا بهذه الاعمال، بل تطور الامر مؤخرا وتحول أفراد هذه المجموعة إلى نوع من شرطة الأخلاق، إذ أخذوا يهاجمون محلات المساج في بغداد ويكسرونها، وينهالون على العاملين فيها ضربا بالهراوات، تحت ذريعة تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية، ويتم تصوير هذه الهجمات بالفيديو لتبث على اليوتيوب، وعلى منصات التواصل الاجتماعي المقربة من «ربع الله». فهل بتنا وفق هذا الحراك الميليشياوي بالقرب من التعامل مع الباسيج العراقي؟

ويرى المتابعون للشأن العراقي  إن ميليشيا ربع الله مجرد واجهة لكتائب حزب الله أحد المليشيات الولائية، لكن الاسم الوهمي يسمح لها بانتقاد السلطات وتنفيذ عمليات مع تفادي الرد.  لا ترغب هذه المليشيا، لأسباب مفهومة طبعا، أن تتحمّل مسؤولية الأفعال التي تقوم بها، وهي واجهة أيضا لإيران و«الحرس الثوري» وهو ما يفسّر استقواءها المعلن والصريح على أجهزة الدولة العراقية، المخترقة أمنيا وعسكريا وسياسيا من قبل طهران، بحيث يبدو الأمر برمّته مجموعة من الألعاب السياسية التي تفرّغ الدولة العراقية من مضمونها وتجعلها دريئة للمعارك السياسية التي تدور بين أطراف دولية وإقليمية.

يدخل التناحر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في صلب هذه المعارك، ولميليشيات مثل «ربع الله» دور مهم في هذه المعارك، وهو دور الكومبارس، ودور العلاقة التي توجّه إليها الاتهامات، من دون أن تطال طهران بشكل مباشر، وهو ما يفسّر تناظر الاستعراض العسكري الأخير مع استهداف أهداف عسكريّة أمريكية، وقد جرت في يوم «ربع الله» المذكور عمليتان عسكريتان ضد أرتال من شاحنات تابعة لقوات «التحالف الدولي» من دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تلك العمليات!

وفي مظهر على تدخل الميليشيات الولائية بقوة في الشأن السياسي وحتى الاقتصادي، طالبت ميليشيا ربع الله في بيانها بـ”خفض سعر الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي” الذي خفض البنك المركزي قيمته في ديسمبر بنحو 25 في المئة في مقابل الدولار.

وتعد قضية سعر الصرف في مقابل الدولار قضية في غاية الأهمية في العراق الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية، لاسيما للمليشيات الموالية لإيران، إذ أن طهران التي تخنقها العقوبات الأميركية تعتبر العراق منذ فترة طويلة سوقا توفر لها العملة الأجنبية.

ودعا البيان أيضا مجلس النواب للتصويت على الموازنة بأسرع وقت ممكن، فيما لا تزال المفاوضات بشأنها متعثرة بسبب حصة إقليم كردستان في الموازنة الاتحادية. وقد دعت الميليشيا لعدم تسليم حصة الإقليم وذلك في انعكاس للخلافات القائمة حاليا بين الفصائل والأحزاب الشيعية من جهة، والأحزاب والقيادات الكردية من جهة مقابلة، حيث تسعى تلك الفصائل والأحزاب لكسر ما تعتبره تحالفا مضادّا لمصالحها بين رئيس الوزراء وقيادات كردستان العراق.

أن أزمة المليشيات الولائية هي أزمة الدولة العراقية وليس أزمة حكومة مصطفى الكاظمي. لذلك على القوى السياسية في العراق التي تتطلع إلى عراق قوي موحد أن تختار بين أمرين لا ثالث لهما، إما الوقوف إلى جانب الكاظمي في مواجهة المليشيات الولائية التي تتحدى هيبة الحكم والعمل على زعزعة استقراره، أو إبقائها كدويلات داخل الدولة.

وحدة الدراسات العراقية