طهران – وجه الهجوم الأخير الذي استهدف منشأة نطنز النووية في إيران ضربة موجعة لصورة الحرس الثوري الذي يقدم نفسه كحارس أمين للثورة ويستعد لوراثة سلطة المرشد على خامنئي بعد وفاته، والثروة الكبيرة التي يضع يده عليها، فضلا عن ترشيح منافس للانتخابات الرئاسية القادمة.
يأتي هذا في الوقت الذي يضغط فيه العالم على إيران بسبب إعلانها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة، في خطوة استعراضية تهدد طهران بالمزيد من العزلة وتعطل جهود حل ملفها النووي عن طريق المفاوضات.
ومع مرور الوقت يكتشف الإيرانيون أن الحرس الثوري بات عاجزا عن حماية مؤسساتهم بالرغم من الاستعراضات الكبرى التي يجريها بشكل دائم برا وبحرا. ولم يكن هجوم يوم الأحد الذي ألحق أضرارا بالغة بالمنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم هو الحادث الوحيد الذي هز صورة الحرس الثوري ووصايته على إيران والثورة.
فقبل أيام قليلة فشل الحرس الثوري في حماية سفينة “سافيس” التي تقول تقارير إنه كان يعتمدها كقاعدة عائمة لقواته في البحر الأحمر، وأنها تنفذ عمليات مراقبة استخباراتية على صلة بالحرب في اليمن.
وفي العام الماضي فشل الحرس الثوري في وقف هجوم سابق على منشأة نطنز الإيرانية واغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، ورغم تأكد الإيرانيين من مصدر الهجوم فإنهم اكتفوا بالحديث عن رد مناسب في وقت مناسب.
ولا يجرؤ أحد من الإيرانيين على تحميل الحرس الثوري مسؤولية هذا الفشل في حماية مؤسساتهم بسبب امتلاكه جهازا أمنيا في تعقب منتقديه وممارسة قمع وحشي ضدهم.
ويصف محتجزون سابقون في سجن إيفين بطهران الحرس الثوري بأنه يدير جناحا كاملاً بالمنشأة يضم سجناء سياسيين عرفوا بنقدهم للنظام.
لكن بدأت الآن تظهر إلى العلن أصوات مسؤولين بارزين تنتقد أداء الحرس الثوري وتقصيره في حماية المؤسسات التي يفاخر بأنها دليل على قوته، فقد أعرب إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس حسن روحاني، عن أسفه لأنه “لا أحد مستعد لتحمل المسؤولية” عما حدث في نطنز في تصريحات بدا أنها تستهدف الحرس الثوري.
وتساءل جهانغيري في مقطع فيديو تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي “من هي الجهة المسؤولة عن تحديد أعداء البلاد ومنعهم من ارتكاب أفعال تخريبية بها؟ هل سبق أن تمت محاسبة أيّ شخص على ما يفعله أكبر عدو لهذا البلد هنا؟”. ونقلت صحيفة “كيهان” عن جهانغيري قوله “يحتاج الناس إلى معرفة الموارد والمصداقية والهيبة التي تُنفق عليها البلاد”.
وكتبت صحيفة “جمهوري إسلامي” اليومية المتشددة متسائلة: لماذا لم يتم إحباط الهجمات الأخيرة. وأضافت “لقد أنفقنا مواردنا وقدراتنا على إنتاج مسلسل تلفزيوني لتصوير أنفسنا على أننا أقوياء في مجالات الأمن والاستخبارات، فضلاً عن اتهام مسؤولينا بالتجسس”، في إشارة إلى مسلسل “غاندو” الذي يروي مآثر وبطولات عملاء الحرس الإيراني، بأسلوب سلسلة أفلام جيمس بوند.
وهذا انتقاد آخر واضح للحرس الثوري الذي تصل حجم استثماراته التجارية من خلال البناء والصناعات الأخرى إلى المليارات من الدولارات.
ويقدر الخبراء هذه الثروة بأنها تتراوح من 15 إلى 40 بالمئة من إجمالي الاقتصاد الإيراني.
ويقول مراقبون إن فشل الحرس الثوري في حماية المنشآت النفطية والسفن الإيرانية، فضلا عن حماية أحد أبرز قادته التاريخيين قاسم سليماني، كلها عناصر تهدد حظوظ مرشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في يونيو، كما تهدد نفوذه وتهز من ثقة المرشد في دوره المستقبلي.
ورد الحرس الثوري على استهداف منشأة نطز، بقرار رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة، وهو المستوى الذي يتيح الانتقال سريعا إلى نسبة 90 في المئة التي تسمح بالاستخدام العسكري، ما أثار ردة فعل قوية حتى من دول أوروبية محسوبة على أنها من أصدقاء إيران.
واعتبرت فرنسا وألمانيا وبريطانيا أن إعلان إيران بشأن تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة يشكل “تطورا خطيرا” وحذرت من أيّ تصعيد “من جانب أيّ طرف كان” بعد الحادث في الموقع النووي الإيراني.
وقال الناطقون باسم وزارات خارجية الدول الثلاث الموقعة على اتفاق العام 2015 في بيان مشترك إن باريس وبرلين ولندن “أخذت علما بقلق بالغ بإعلان إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إطلاق تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة عبر استخدام أجهزة طرد مركزي متطورة”.
وأضاف البيان “هذا يشكل تطورا خطيرا لأن إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب يشكل خطوة مهمة لصنع سلاح نووي”.
واعتبر أنه “ليس لدى إيران أيّ حاجة مدنية تبرر مثل هذا التخصيب” مشيرا بشكل خاص إلى مشروع نصب ألف جهاز طرد مركزي في موقع نطنز للتخصيب.
العرب