عدن – حذرت مصادر سياسية يمنية مطلعة من رهان الحوثيين على عامل الوقت سياسيا بالمناورة وعسكريا باستنزاف القوات الحكومية والمقاومة القبلية وانتزاع انتصارات بطيئة في مأرب تصب في صالح أجندتهم السياسية. لكن المصادر استبعدت في الوقت نفسه قدرة الميليشيات المدعومة من إيران على إحداث اختراق عسكري سريع في محافظة مأرب خلال الفترة القادمة.
ووفقا لمصادر عسكرية مطلعة في محافظة مأرب الاستراتيجية يواصل الحوثيون الزج بالتعزيزات بهدف تحقيق انتصار يسبق أيّ جولة جديدة من المشاورات، متجاهلين الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي يتعرضون لها في المحافظة بعد تمكن المقاومة والجيش الوطني من امتصاص هجماتهم الخاطفة التي كانت تستهدف إسقاط مركز المحافظة بشكل مباغت.
ويستبعد مراقبون إقدام الميليشيات الحوثية على الانخراط في أيّ تسوية سياسية أو التوقيع على هدنة لوقف إطلاق النار تقترحها الأمم المتحدة قبل إكمال مشروعهم العسكري لإسقاط محافظة مأرب.
وكانت “العرب” قد حصلت على معلومات في وقت سابق عن إبلاغ قيادات سياسية حوثية في مسقط المبعوثين الأممي مارتن غريفيث والأميركي تيموثي ليندركينغ بتضاؤل فرص الذهاب إلى تسوية سياسية قبل حسم معركة مأرب التي يستميت الحوثيون لإنهائها مع تزايد الضغوط الدولية لوقف المواجهات العسكرية.
ليندا توماس غرينفيلد: المتمردون الحوثيون يتحملون القسم الأكبر من المسؤولية في القتال
ويؤكد مراقبون للشأن اليمني أنّ الكرة باتت في ملعب الحوثيين بعد موافقة الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية على مبادرة أممية تقدم بها غريفيث وحظيت بدعم أميركي لوقف إطلاق النار في اليمن والبدء بجولة مشاورات جديدة بين الفرقاء اليمنيين.
وتعد موافقة الحكومة اليمنية على هذا المقترح، الذي يحمل اسم “الإعلان المشترك” والذي تعرض لتعديلات أساسية في بنوده، التنازل الأكبر الذي يمكن أن تقدمه الحكومة الشرعية على مائدة الحوار السياسي، فيما تنحصر خياراتها العسكرية في هذه المرحلة في هدف وحيد يتمثل في إفشال المخطط الحوثي لانتزاع محافظة مأرب.
ووفقا لمصادر دبلوماسية مطلعة فقد توقفت الجهود الأممية والأميركية لحلحلة الملف اليمني عند آخر التنازلات الحكومية، حيث اصطدمت تحركات المبعوثين الأممي والأميركي إلى اليمن بعقبة التعنت الحوثي والتصلب في الموقف السياسي المرتبط عضويا بقرار طهران وقائمة مصالحها.
وتغلب حالة الترقب في المواقف الأممية والدولية حيال الملف اليمني على مجريات معركة مأرب التي لا تبدو الميليشيات الحوثية مستعدة لدخول أيّ مشاورات نهائية للتسوية في اليمن من دونها، بينما تبدي القبائل المدافعة عن المدينة والحكومة اليمنية مقاومة شرسة لإحباط السيناريو الحوثي، لكن مع وجود مؤشرات على رهان الميليشيات على تكتيك متواز للسير قدما في طريق الإلهاء السياسي من دون تقديم أيّ تنازلات ومواصلة الهجوم على مأرب الذي يحقق تقدما بطيئا ومكلفا، ولكنه ضروري بالنسبة إلى الحوثيين.
ويشير مراقبون إلى أن المرونة التي تبديها الحكومة اليمنية في مقابل التعنت الحوثي لم تلق بظلالها حتى الآن على المواقف الدولية والأممية التي مازالت تتحاشى الحديث عن الطرف المعرقل للسلام، وهو ما تكرر في إحاطة غريفيث الخميس والتي دعا فيها ما وصفه بأطراف الأزمة اليمنية إلى “المصادقة على الخطة الأممية لإنهاء الحرب في البلاد”.
وجدد غريفيث تأكيداته على أن “الحل السياسي المتفاوض عليه هو الطريق الوحيد لإنهائها”، مشيرا إلى أن “الطريق لإنهاء الحرب معلوم ونوقشت عناصره الأساسية مع الأطراف كثيرا، وكل ما نحتاجه الآن هو أن يصادق الطرفان على الخطة الأممية”.
وبموازاة الموقف الأممي المتجاهل لدور الحوثيين في إعاقة خطط إنهاء الحرب في اليمن طرأ موقف أميركي أكثر وضوحا تمثل في توجيه أصابع الاتهام للحوثيين بعرقلة الجهود الدولية لإحلال السلام في اليمن.
وفي هذا السياق، قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إن “المتمردين الحوثيين يتحملون القسم الأكبر من المسؤولية في القتال في اليمن”.
وأضافت “إننا نحض الآن الحوثيين على الاستجابة والمشاركة بشكل مثمر لأن أعمالهم حتى الآن لا تقودنا إلى الاعتقاد بأنهم ملتزمون بحل سلمي للنزاع”.
وبات الموقف الدولي إزاء الأزمة اليمنية أكثر تناغما مع تلاشي الخلافات الأساسية بين الموقفين الأميركي والأوروبي، من دون أن ينعكس هذا التقارب على الموقف من التعنت الحوثي الذي أصبح أيضا أكثر وضوحا بعد موافقة الحكومة اليمنية والتحالف العربي على المقترحات الأممية والغربية المشتركة.
وساهمت حالة الارتباك التي أبدتها الإدارة الأميركية الجديدة في إرسال رسالة خاطئة للحوثيين عززت نهجهم السياسي والعسكري القائم على التكامل مع الموقف الإيراني واستمرار سياسة استهداف المجتمع الدولي وضرب المنشآت النفطية السعودية، إلى جانب تكريس سياسة فرض الأمر الواقع في الداخل اليمني من خلال تكثيف الهجمات العسكرية على محافظة مأرب، في ذات الوقت الذي يواصل فيه الوفد التفاوضي الحوثي إرسال إشارات متضاربة ومتناقضة عن رغبة الحوثيين في السلام.
العرب