تفجر الموقف بين حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل والمواطنين الفلسطينيين على ثلاث جبهات، الضفة الغربية، وقطاع غزة، والأحياء العربية في مدن الداخل الإسرائيلي، أو من يعرفون بعرب 1948. تصاعد حدة الصراع جعل المراقبين يتوقعون حدوث انتفاضة جديدة، ذكرت بالانتفاضات السابقة كانتفاضة أطفال الحجارة 1987.
تحليل الموقف ومحركاته، بدءا من اندلاع أحداث حي الشيخ جراح، وحصار المسجد الأقصى، ومحاولة إخلائه من المصلين يوم 10آيار/ مايو الجاري، مرورا بأزمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتمسك بكرسي الرئاسة، خوفا من الملاحقات القضائية بتهم الفساد، ومستقبل شبيه بمستقبل الرئيس الأسبق أولمرت القابع في السجن، كل ذلك مثل خطوطا رئيسة في القصة الصحافية التي يمكن أن تروى عما يحدث في فلسطين، لكن هنالك جانبا آخر ربما لم يسلط عليه الضوء، وهو الدور الإيراني في ما يدور من صراع في فلسطين.
السؤال الرئيس حول هذه الزاوية يمكن أن يكون؛ ما هو دور إيران في ما يحدث اليوم من تفجر للأوضاع في فلسطين؟ تلحق به مجموعة أسئلة فرعية مثل: ما هو حال الدعم الايراني لحركتي حماس والجهاد الإسلامي بالسلاح، وتحديدا الصواريخ؟ وهل تمثل السياسة الإيرانية في هذا الملف ردا على الضربات الإسرائيلية التي تلقتها، سواء في سوريا أو في ايران، وتحديدا ضربات برنامجها النووي؟ وهل الموقف الإيراني سيتضمن ردا على «صفقة القرن» وما تمثله من حملة تطبيع مع الكيان الصهيوني، قادتها الإمارات في المنطقة العربية للوقوف بوجه النفوذ الإقليمي الإيراني؟ الموقف الرسمي الإيراني عبّر بكل وضوح عن دعمه وابتهاجه بـ»الانتفاضة الجديدة» التي أشاد بها المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي بخطاب رسمي في يوم القدس 7 مايو الجاري جاء فيه؛ إن إسرائيل «ليست دولة، بل هي معسكر إرهابي ضد الشعب الفلسطيني والشعوب المسلمة الأخرى، وإن مكافحة هذا الكيان السفّاك، هي كفاح ضد الظلم ونضال ضد الإرهاب، وهذه مسؤولية عامّة». كما أدان الرئيس حسن روحاني «الاعتداءات الصهيونية» على الشعب الفلسطيني، وعبّر روحاني عن دعم إيران لحركات المقاومة الفلسطينية بقوله؛ إن «واجبنا الإسلامي والإنساني هو الدفاع عن كل المظلومين، خاصة الشعب الفلسطيني» مؤكدا أنه «ليس أمام هذا الشعب إلا الصمود والجهاد» كما أشار إلى أن» إيران تنفرد بين الدول في دعم وحماية الشعب الفلسطيني». وأضاف «لماذا تصمت الدول المجاورة للكيان الصهيوني، لماذا تحجم دولة كبيرة كمصر عن التفوه بأي كلمة، ولماذا يصمت الأردن، وكذلك باقي دول المنطقة، لماذا لا تعترض وتقف بوجه الجرائم الصهيونية». أما وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، فقد قال في خطاب نشره على صفحته في تويتر «هناك حل وحيد عادل للقضية الفلسطينية، يتمثل في إحالتها إلى إرادة أبناء هذه الأرض، والاحتكام إلى استفتاء شعبي يحدد مستقبلها ومصيرها» وأكد ظريف وقوف إيران «دائما وأبدا إلى جانب الفلسطينيين، داعمة لقضيتهم محتضنة لمطالبهم، مؤيدة لمقاومتهم الشرعية». وقد أشار بعض المراقبين والمحللين إلى أن ما يحدث من تصعيد في فلسطين، يصب بشكل أساس في مصلحة إيران، فقد كتب روجر بويس في صحيفة «التايمز» البريطانية مقالا بعنوان «أخطاء إسرائيل الفادحة في القدس تفيد إيران فقط» قال فيه؛ إن «إسرائيل أخطأت في الوقوع في فخ من صنعها، إذ جرى فجأة إطلاق صواريخ من قطاع غزة على إسرائيل، بالإضافة إلى هجوم الطائرات الإسرائيلية على قادة حماس والجهاد الإسلامي، كما اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء الضفة الغربية، وبات هناك حديث عن انتفاضة جديدة، واحتمال حقيقي أن (صفقة القرن) لعرابها دونالد ترامب ستموت قبل أن تزدهر» كما قرأ بويس تصريحات القادة الإيرانيين في هذا الملف على انها تعني: أن هنالك «شيئا ما يجري في إيران».
التصعيد الأخير وجه ضربة موجعة لـ»صفقة القرن» ووضع شركاء إسرائيل من العرب في موقف محرج أمام شارعهم
ألف صاروخ متوسط وقصير المدى أطلقتها المقاومة الفلسطينية تجاه المدن والقرى الاسرائيلية، بما فيها العاصمة تل أبيب، وعلى الرغم من أن نظام القبة الحديدية، الذي تستعمله القوات المسلحة الإسرائيلية للحماية من الضربات الصاروخية قد أسقط حوالي 850 صاروخا، إلا أن الضربات الصاروخية هذه المرة نجحت في بث الرعب في المجتمع الاسرائيلي، إذ ساد شعور عام بعدم الأمان في كل مدينة وقرية ومستوطنة إسرائيلية. الفيديو الذي انتشر بشكل واسع لرجل فلسطيني يصرخ عند إطلاق صواريخ المقاومة من غزة نحو الأراضي المحتلة: «يا لثارات سليماني» «يا لثارات قاسم» و»بسم الله قاصم الجبارين» أدى إلى فتح ملف الصواريخ التي تمتلكها حركتا حماس والجهاد الإسلامي والدور الإيراني في هذا الملف من جديد في الصحافة الإسرائيلية. فقد نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» (Jerusalem Post) الإسرائيلية تقريرا عن أرقام ما سمّته ترسانات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتنظيم (الجهاد الإسلامي في فلسطين) الصاروخية قالت فيه، إن تقديرات المخابرات الإسرائيلية، تشير إلى أن حماس لديها عشرات الصواريخ بمدى يتراوح بين 100 و160 كيلومترا، والتي يمكن أن تغطي معظم إسرائيل حتى حيفا والشمال، وبالنسبة للجهاد قد يكون لديها عدد قليل جدا من صواريخ (البراق – 100) التي يصل مداها إلى أكثر من 100 كيلومتر. كما تمتلك حماس مئات الصواريخ التي يتراوح مداها بين 70 و80 كيلومترا، والتي يصل مداها إلى 3 أهداف مهمة هي: تل أبيب والمدن الواقعة داخل ممرها، ومطار بن غوريون والقدس، وقد يكون للجهاد عدد أقل بكثير من صواريخ (البراق 70) التي لها مدى مماثل. كما تقدر المخابرات الإسرائيلية أن ترسانة حماس التي تضم من 5 آلاف إلى 6 آلاف صاروخ قصيرة المدى، يمكن أن تضرب المدن والمستوطنات الحدودية مع القطاع، التي تبعد ما بين 40 و45 كيلومترا من الحدود.
وقد بات معلوما لدى صانع القرار الإسرائيلي دور إيران في تطوير قدرات حلفائها الإقليميين في تصنيع وتطوير المنظومات الصاروخية، وقد كتب عاموس هرئيل في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية مقالا حول هذا الأمر ذكر فيه «إن إيران سجلت مؤخرا تقدما واضحا في تطوير صناعة السلاح لديها، التي تشمل ضمن أمور أخرى، قذائف وصواريخ دقيقة وصواريخ بالستية وطائرات من دون طيار. ففي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية اليوم يشخصون قفزة في قدرات إيران، التي تم نشرها بصورة موسعة إلى أجزاء أخرى من المحور الراديكالي الذي تقوده إيران في الشرق الأوسط « ، كما أشار هرئيل إلى الوحدة 340 التابعة لقوات فيلق القدس، مسؤولة عن نشاطات البحث والتطوير التي تخدم جميع التنظيمات المسلحة الحليفة لطهران… وأن نية القيادة الإيرانية هي تمكين هذه التنظيمات، كل واحدة في دولتها، من الوصول إلى قدرة إنتاج ذاتية، بحيث لا تكون معتمدة على التهريبات الإيرانية. لأن هذه القدرة تكون أقل انكشافا أمام هجمات إسرائيل ضد قنوات التهريب المختلفة».
التصعيد الأخير في الاراضي الفلسطينية حسب المراقبين وجه ضربة موجعة لـ»صفقة القرن» ووضع شركاء إسرائيل الجدد من العرب في موقف محرج أمام شارعهم، وبات الساسة الذين نادوا قبل بضعة أشهر بالتطبيع وإقامة علاقات طبيعية وكاملة مع إسرائيل يتعرضون للضغط، لذلك وعبر مواقف وصفت بأنها «كاريكاتيرية» غايتها رفع العتب، عبرت وبشكل باهت قيادات الإمارات والسودان والمغرب، بالإضافة لمصر والأردن عن رفضها للموقف الإسرائيلي، ورفض استخدام العنف تجاه الفلسطينيين، وطالبت بالتهدئة ومحاولة التوصول إلى حلول عقلانية لإنهاء التوتر. وأشار عدد من المحللين إلى أن سياسة إيران في هذه المرحلة هدفها دق إسفين بين إسرائيل وأصدقائها العرب الجدد، الذين يعملون معا على وضع استراتيجيات لاحتواء انتشار القوة الإقليمية لإيران، وإن تأجيج المشاكل بين الفلسطينيين وإسرائيل سيساعد طهران على إظهار الجانب السلبي لتوثيق التعاون مع الإسرائيليين، والنتيجة تدمير الحلف الخليجي الإسرائيلي الساعي لتحجيم نفوذ إيران إقليميا.
صادق الطائي
القدس العربي