ماذا سيحدث لو عمدت الصين غداً إلى منع الولايات المتحدة وأوروبا من الوصول إلى معادن أساسية لصنع السيارات الكهربائية والتوربينات الهوائية والطائرات المسيّرة، وهي معادن يتم إنتاجها بغالبيتها الساحقة على أراضيها؟
في وقت تكثر نقاط التوتر الاقتصادية والجيوسياسية بين القوى الثلاث، تحرص واشنطن وبروكسل على تفادي مثل هذا السيناريو من خلال إعادة غزو سوق «المعادن الأرضيّة النادرة» تلك الأتربة المعدنية السبع عشرة التي تتميز بخصائص فريدة والتي يجري القسم الأكبر من عمليات استخراجها من الأرض وتكريرها في الصين. وبعض هذه الأتربة النادرة، مثل النيوديميون والبراسيوديميوم والديسبروسيوم، أساسية في صنع المغناطيسيات المستخدمة في صناعات المستقبل مثل قطاعي طاقة الرياح والسيارات الكهربائية.
كما أن بعضها الآخر لديه استخدامات تقليدية أكثر، مثل السيريوم المستخدم لتلميع الزجاج، واللانثام المستخدم في المحولات الحفازة للسيارات والعدسات البصريّة. كما تستخدم الأتربة النادرة في صنع الهواتف الذكية وشاشات الحواسيب وعدسات التلسكوب.
واستقدمت الولايات المتحدة 80% من وارداتها من الأتربة النادرة عام 2019 من الصين. كما أن الاتحاد الأوروبي يستورد 98% من حاجاته من الصين. وهذا ما يعتبر بمثابة إشارة إنذار في ظل عملية التحول في مجال الطاقة الجارية. وأوضحت جين ناكانو، الباحثة في «المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية» في واشنطن، أن «النمو المتزايد المرتقب في الطلب على المعادن المستعملة في التكنولوجيا الخضراء يشكل ضغطاً عليهم، إذ يتحتم عليهم التدقيق في نقاط ضعفهم والتحرك» سواء بالنسبة للأتربة النادرة أو غيرها من المواد الأولية الإستراتيجية.
وعلى إثر إصدار الرئيس الأمريكي جو بايدن مرسوما في شباط/فبراير يدعو إلى مراجعة دقيقة لشبكات الإمداد بالمواد «الأساسية» أقر مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء الماضي نصاً يركز على أهمية استخراج المعادن «الحرجة».
وتتركز آمال واشنطن على منجم ماونتن باس في ولاية كاليفورنيا. وبعدما كانت الولايات المتحدة من كبار منتجي هذا القطاع في العالم، تراجع موقعها في مواجهة صعود الصين التي خصصت دعما هائلا لصناعتها، وفي ظل التنظيمات البيئية التي فرضت على أنشطة التعدين.
يذكر أن نسبة تركيز الأتربة النادرة في أمريكا تعتبر من الأعلى في العالم، إذ تبلغ 7% مقابل 1-4 في المئة فقط في باقي العالم.حسب أرقامها.
أما على صعيد التكرير، تعتزم شركة أمريكية كبرى الشروع في عملية «فصل» العناصر وجعلها جاهزة للاستخام النهائي بحلول 2025، وهما مرحلتان من الإنتاج تتولاهما الصين حالياً.
كما تظهر مشاريع أخرى، ولا سيما مع مجموعة «ليناس» الأسترالية التي فازت بعدة عقود في الولايات المتحدة من ضمنها عقد لإقامة مصنع تكرير في تكساس مخصص للصناعات العسكرية، بدعم من البنتاغون.
أما في الجانب الأوروبي، فستعرض «خطة عمل» على المفوضية «في الأيام المقبلة» تحدد أولويات القارة، وفق ما أفاد بيرند شافر رئيس كونسورسيوم «إي آي تي روو ماتيريالز» الذي يعمل على مواكبة مشاريع في هذا القطاع.
وقال ديفيد ميريمان، اختصاصي البطاريات والسيارات الكهربائية العامل لحساب شركة «روسكيل» للاستشارات في لندن «أوروبا لا تملك ثروات من المعادن، ومن المتوقع بالتالي أن تعتمد على واردات المواد الخام أو شبه المكررة، على أن تتحول إلى مركز تكرير أو إعادة تدوير».
ومع أن الصين ستحتفظ حتماً بموقعها المهيمن لفترة طويلة، إلا أن الطموحات لمنافستها متوافرة. وقال بيرند شافر إن «20 إلى 30% من الحاجات إلى المغناطيسيات بحلول 2030 يمكن أن يكون مصدرها القارة، مقابل صفر عملياً الآن» بفضل إعادة التدوير، إذا ما نفذت المشاريع المطروحة حالياً.
ويصادف هذا التصميم على تسريع معالجة هذه الملفات في وقت يواجه العالم نقصا في أشباه الموصلات، العناصر الأساسية لكل منتج يحتوي على مكوّنات إلكترونية، من أجهزة الكمبيروتر إلى السيارات، ومعظمها تصنع في آسيا.
وقال متحدث باسم «إم.بي.ماتيريالز» الأمريكية «هذه الأزمة أدت إلى إعادة النظر في سلاسل الإنتاج والإمداد ونقاط الضعف» لدى الصناعيين، مؤكدا أن عدة مجموعات أوروبية متخصصة في طاقة الرياح والسيارات على تواصل حاليا مع الشركة. وتابع «في ظرف خمس سنوات، ستكتسب المغناطيسيات الدائمة أهمية مماثلة لأشباه الموصلات، ستكون جزءاً من الحياة اليومية لكل منّا».
القدس العربي