بفارق صوت واحد، 60 إلى 59، نالت الحكومة الإسرائيلية الجديدة ثقة الكنيست وسجلت بذلك سابقة أنها أول ائتلاف حاكم لا يقوده بنيامين نتنياهو خلال 12 سنة وبعد مخاض متقلب اقتضى أربعة انتخابات غير حاسمة منذ نيسان /أبريل 2019. سابقة ثانية تتمثل في أن الحكومة هذه قد تكون الأكثر هشاشة في تاريخ دولة الاحتلال، ليس بسبب شبح أغلبية الصوت الواحد الذي سوف يخيم عليها ويمكن أن يتسبب في إسقاطها عند أدنى اختلال في توافقات مكوناتها المتناقضة أصلاً فحسب، بل كذلك لأن ما وحّد صفوفها وأتاح ولادتها هو هدف إزاحة نتنياهو عن سدة السلطة، وهذا قاسم مشترك عابر ومؤقت لا يتكئ على موقف شعبي راسخ أو قاعدة عريضة بل هو رهن نتائج محاكمة نتنياهو وما ستفرضه على صعيد مستقبله السياسي.
وليس من دون مغزى خاص أن بعض الإسرائيليين السعداء بتغييب نتنياهو عن المشهد اختاروا ساحة رابين للاحتفال بالحدث، مستذكرين أغلب الظن أن اغتيال رئيس الوزراء الأسبق وأحد كبار جنرالات الاحتلال إنما تمّ باليد اليهودية ذاتها التي كانت قد رسمت القتيل وقد ارتدى كوفية فلسطينية، والحنجرة ذاتها التي بُحّت في الهتاف لقيادة نتنياهو النجم الصاعد لليمين الليكودي القومي الديني المتطرف. التاريخ أعاد الواقعة اليوم، ولكن مع كوفية فلسطينية على رأس يائير لبيد هذه المرة، بتحريض مباشر من نتنياهو أيضاً، مع فارق أن الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية أصدرت تحذيراً رسمياً من عواقب هذا الشحن الخطير.
في عبارة أخرى، صحيح أن ائتلاف بينيت ـ لبيد نجح في إقصاء نتنياهو عن المشهد، ولكن هذه السيرورة استغرقت أكثر من سنتين شهدت تشبث شرائح واسعة من الناخبين الإسرائيليين بشخص نتنياهو وما يمثّل، رغم أن سيف القضاء كان مسلطاً على رأسه بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. الأصح بالتالي التذكير بأن إسقاط نتنياهو عبر صناديق الاقتراع، خلال أي من الدورات الانتخابية الأربع، كان هو الجدير بالاحتفاء لدى خصومه، وكان سيصنع المؤشر السياسي والاجتماعي اللافت والعميق، أكثر بكثير من تجميع فئات محسوبة على «يسار» و«يمين» و«وسط» وعرب تفتقر إلى إجماع أهلها، تحت مظلة ملأى بالثقوب والرتوق.
وصحيح أخيراً أن بعض كبار أصدقاء دولة الاحتلال في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا تنفسوا الصعداء لغياب نتنياهو، ولكن أي ذاكرة حسيرة يمكن أن تغفل حقائق مساندتهم له في السياسات الأكثر عنصرية ويمينية وفاشية ليس ضد الفلسطينيين وحدهم بل كذلك استهتاراً بالاتفاقيات والمواثيق ذاتها التي هلل لها أولئك الأصدقاء أو شاركوا في صناعتها. لا عزاء في المقابل للأنظمة العربية التي هرولت نحو التطبيع، معلقة الآمال كلها على نتنياهو وعلى دونالد ترامب سنده في البيت الأبيض.
والعودة البسيطة إلى سجل رئيس الحكومة الجديد، وكذلك سجلات غالبية أعضاء الحكومة، لجهة المواقف المتطرفة والعنصرية والاستيطانية والطافحة بالكراهية، لا تفيد بجديد تحت شمس الاحتلال يستحق الذكر حقاً. وليس غريباً أن هتاف «وداعاً بيبي» الذي أطلقه المبتهجون بتغييب نتنياهو، ترافق أيضاً مع هتاف مؤيديه الكثر: «إلى لقاء قريب».
القدس العربي