طهران – أظهر الإيرانيون لامبالاة كبيرة تجاه الانتخابات الرئاسية بالرغم من الحملات الإعلامية وتصريحات المسؤولين التي تحث على المشاركة، وآخرها تصريح المرشد الأعلى علي خامنئي الذي قال بعد أن أدلى بصوته “كل صوت له وزنه… تعالوا وشاركوا واختاروا رئيسكم… هذا أمر مهم لمستقبل بلدكم”.
كما دعا الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني “المواطنين للمشاركة بكثافة ويجب ألا نسمح للمشاكل التي شهدناها بالتأثير على الانتخابات”.
وتكشف تصريحات خامنئي وروحاني تخوفا واضحا من غياب الإيرانيين عن هذه الانتخابات بسبب يأسهم من التغيير في ظل نظام فشل على مدى عقود في تقديم الحد الأدنى من الخدمات لشعبه، كما تشير إلى ذلك الأرقام المختلفة، في الوقت الذي يركز فيه كل جهوده على دفع البلاد إلى معارك خارجية تحت عناوين مختلفة.
ويواجه إبراهيم رئيسي، رجل الدين الذي يعد مقرّبًا من خامنئي، المتشددَيْن محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري، والنائب أمير حسين قاضي زاده هاشمي، والإصلاحي عبدالناصر همتي، حاكم المصرف المركزي منذ 2018 حتى ترشحه.
وكانت المشاركة محدودة بين الفئات الشعبية المختلفة، كما لوحظ غياب جمهور الإصلاحيين الذي بدا يائسا من إمكانية فوز مرشحيه في مقابل حضور لافت لأنصار المتشددين الذين يستمرون في السيطرة على البلاد بقطع النظر عن الرسائل التي ترسلها نسب المشاركة.
وأعلن سياسيون إصلاحيون وزعيم المعارضة، رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي الموضوع رهن الإقامة الجبرية، مقاطعتهم للانتخابات الحالية.
كما دعا 87 ناشطا سياسيا ومدنيا، من بينهم ابنة الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، والنائب السابق فايز هاشمي والدبلوماسي السابق منصور فرهنك والصحافي علي كلاي إلى مقاطعة الانتخابات.
وما يلاحظ أن النظام بدأ يفقد ثقة رموز كانت فاعلة ومحسوبة على المتشددين، من ذلك الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي منع من الترشح. كما تخلى علي لاريجاني، مستشار المرشد ورئيس مجلس النواب الأسبق، عن صمته تجاه منعه من الترشح، مطالبا مجلس صيانة الدستور بتوضيح السبب وبتقديم مبررات عدم التصديق على طلبه لخوض الانتخابات.
واختلفت التوقعات بالنسبة إلى نسب المشاركة، لكنها أجمعت على محدودية المشاركة في التصويت بالرغم من المساعي الرسمية لإنجاحها وتوجيه رسائل من خلالها تفيد بأن ثورة 1979 ما زالت قوية وذات عمق شعبي.
وتؤكد رسائل الإيرانيين الذين غابوا بشكل لافت عن التصويت أن الثورة بخياراتها المحلية والخارجية لم تعد محلّ ثقة لديهم، وأن المعارك الخارجية التي يخوضها المرشد والحرس الثوري والمتشددون هي معارك بعيدة عن مصالحهم ولا يدعمونها.
ونقلت وسائل إعلام مختلفة عن مواطنين ممن قاطعوا الانتخابات تأكيدهم أن فوز هذا الرئيس أو ذاك لا يعنيهم في شيء، وأنهم ما عادوا يثقون في النظام ككل بسبب فشل سياساته الاجتماعية والاقتصادية.
وقالت مريم (52 عاما)، وهي مصففة شعر في كرج قرب طهران، إنها لن تصوت لأنها “فقدت الثقة في النظام”.
وأضافت “في كل مرة أدليت فيها بصوتي في الماضي، كنت أتمنى أن يتحسن مستوى معيشتي. لكنني فقدت الأمل عندما رأيت أعلى مسؤول في البلاد لم يكن شجاعا بما يكفي للاستقالة عندما لم يستطع تحسين الأمور”، في إشارة إلى روحاني.
وقالت فرزانة (58 عاما)، من مدينة يزد في وسط البلاد، “صوتي هو لا كبيرة للجمهورية الإسلامية”. وعلى النقيض مما عرضه التلفزيون الرسمي قالت فرزانة “مراكز الاقتراع شبه خالية هنا”.
وأشار محمد (40 عاما)، وهو مهندس، إلى أنه لن يصوت لأن “النتائج معروفة سلفا، والأهم من ذلك أن إبراهيم رئيسي لو كان جادا في التصدي للفساد لفعل ذلك”.
وتحتاج القيادة الدينية، التي تتعرض لضغوط بسبب ارتفاع معدل التضخم الذي وصل إلى 39 في المئة والبطالة التي بلغت 11 في المئة، إلى إقبال كبير على المشاركة في التصويت لتعزيز شرعيتها التي تضررت بعد سلسلة من الاحتجاجات على الفقر والقيود السياسية منذ 2017.
وتشير استطلاعات الرأي الرسمية إلى أن نسبة المشاركة قد لا تتجاوز 44 في المئة، وهي نسبة تقل كثيرا عن الانتخابات السابقة التي سجلت مشاركة بلغت 73.3 في المئة. ومنذ 1980 كانت أعلى نسبة مشاركة 85.2 في المئة عام 2009 وكانت الأقل 50.6 في المئة عام 1993.
وتأتي الانتخابات في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية تعود بالدرجة الأولى إلى العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، زادتها حدة جائحة كوفيد – 19. لكن الإيرانيين ينحون باللائمة على السلطات ويتهمونها بأنها توظف عائدات النفط لتمويل معارك لا مصلحة لإيران فيها مثل ما يجري في اليمن وسوريا، وبأنها تقوّي ميليشيات في العراق ولبنان على حساب قوتهم.
وينتظر أن تؤثر نتائج هذه الانتخابات، التي تضع الرئاسة في يد المتشددين، على مساعي إيران لكسر عزلتها الخارجية والعودة إلى الاتفاق النووي، وهو وضع غير مشجع بالنسبة إلى الأميركيين وإدارة الرئيس جو بايدن التي تتحمس لإحياء الاتفاق.
كما أن صعود المتشددين سيعني آليا توقف مساعي الحوار مع دول الخليج وخاصة مع السعودية، ويعيد التوتر معها إلى المربع الأول، وخاصة في ملف اليمن حيث تجاوبت الرياض مع مساع أميركية وأممية لإيجاد حل سياسي.
العرب