غريبة هذه الضجة العراقية والعربية والأميركية والإسرائيلية حول تعيين إبراهيم رئيسي رئيسا لإيران.
والأغرب ما فيها هو هذا الكم الهائل من التحليلات والتوقعات حول ما يُنتظر منه من قرارات وسياسات، وعن انعكاساتها الأمنية على المنطقة والعالم.
لكأن إيران ليست هي إيران، منذ أن حطت قدم الراحل الخميني على أرض مطار طهران عام 1979 بمساعدة فرنسا والولايات المتحدة وأحزاب المعارضة اليسارية الإيرانية التي نكّل بها الإمام وتفرّد بالسلطة دون شريك.
فالنظام الإيراني لم يتغير ولن يتغير، وعلى الآخرين الموجودين خارجه، في الداخل أو الخارج، أن يتغيروا، وأن يَشربوه مُرا أو حلوا، وكما يشاؤون.
في العراق ستزيد الميليشيات الولائية من جهودها لانتزاع صلاحيات الحكومة، لتتفرغ لقمع التظاهرات والاعتصامات المعارضة لإيران
والذي كان يعتقد، من العراقيين والعرب والأميركان، بوجود إصلاحيين ومتشددين داخل الخيمة التي خلّفها الخميني إما جاهل بالحقيقة أو مستغفل، أو يعرفها ولكن لا يريد أن يعترف بأنه يعرفها، لغرض في نفس يعقوب.
فالخمينيون، جميعا، طينة واحدة، ومتفقون على الهدف، ولا يختلفون إلا في طرق الوصول إليه.
فرق وحيد بينهم هو أن بعضهم بعمامة سوداء باعتباره من نسل النبي وآل بيته، كما يدّعي، وبعضهم الآخر ببيضاء، وقليلون بخضراء، ولكنّ السمع واحد، والبصر واحد، والأحلام واحدة بإحياء الإمبراطورية الفارسية التي هدمها العرب وجعلوها أطلالا تُذكّر أحفادها بالهزيمة، وتطالبهم بأخذ ثأرها من أحفاد الخلفاء، ومن أحفاد أحفادهم، وإلى يوم الدين.
وذلك لا يتحقق، وفق العقيدة الخمينية، إلا باحتلال دول المنطقة، واستعباد شعوبها، واحدة بعد واحدة، باللين والكلام المعسول إن نفع، وإن لم ينفع فبالسكّين وكاتم الصوت والمفخخة والمتفجرة، وإن لم ينفع فبالمُسيَّرة والصاروخ، وبإشعال النيران في غرف نومهم، دون رحمة أو شفقة أو استئذان.
فمنذ أن كان علي خامنئي، وهو المرشد الأعلى الحالي، رئيسا للجمهورية، وحتى آخر أيام الرئيس الحالي حسن روحاني، تجري لمُستَقرٍ لها، وكالسلحفاة. ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة، كما يقولون في الأمثال.
من قراءة سجله المهني المكشوف يمكن التنبؤ بأن يستخدم اليد الباطشة في الداخل، ليتفرغ للخارج
وبلغة الأرقام يبلغ عدد نفوس الإيرانيين 83 مليونا، وعدد الذين يحق لهم التصويت 59 مليونا، وعدد الذين صوتوا فقط 28 مليونا، وعدد الذين انتخبوا إبراهيم رئيسي 17 مليونا فقط، هذا طبعا على ذمة بيانات أجهزة السلطة المملوكة للحرس الثوري، وليس جهات مستقلة ذات مصداقية داخلية إيرانية أو خارجية.
وهذا معناه، وحسب بيانات النظام الإيراني نفسه، أن 66 مليونا من الإيرانيين لم يكن لهم رأي في كل ما جرى في هذه الانتخابات، كما في سابقاتها.
نعم إن إبراهيم رئيسي هو جزار عام 1988 الذي أمر، عندما كان قاضيا في طهران، بإعدام الآلاف من الإيرانيين المعارضين بتهمة خيانة الوطن، ثم ماذا؟ وهل غيره بريء؟
فهو كان موجودا في أعلى قمة السلطة القضائية والمدنية والدينية الإيرانية، ولم يتغيّب يوما واحدا، لا في عهود الرؤساء المتشددين أمثال علي خامنئي وأحمدي نجاد، ولا الإصلاحيين أمثال خاتمي وحسن روحاني.
وكان لصيقا بالمرشد الأعلى الذي يشاطره مسقطَ رأسه، في مدينة مشهد، شمال شرق إيران، وكلاهما يقول إنه من ذرية النبي محمد وآل بيته، دون دليل.
ورئيسي، كما المرشد الأعلى، يعارض التفاوض مع الغرب (الكافر)، ولكنّه موافق على المفاوضات الحالية حول الملف النووي، مضطرا لأنها الطريق الوحيد المفضي إلى رفع العقوبات، ولكن مع بذل أقصى جهد ممكن لعدم إعطاء تنازلات تمَس مُحرَّمات النظام وخطوطَه الحمر، ومنها، وأولها وأهمّها التدخل في دول المنطقة، والصواريخ، وتمويل الميليشيات وتسليحها ورعاية جهادها المقدس.
ومن قراءة سجله المهني المكشوف يمكن التنبؤ بأن يستخدم اليد الباطشة في الداخل، ليتفرغ للخارج. ومن غير المستبعد أن تكون له حفلة قاعة (خُلد) إيرانية تشبه حفلة قاعة (خُلد) صدام حسين التي أتاحت له التفرّغ لخصمه العنيد الخميني.
ولأن المرشد الأعلى بظهره فإنه سوف يسارع فور تسمه الرئاسة في الثالث من أغسطس القادم، إلى أن يجد حلولا عاجلة لتلال من المشاكل الاقتصادية والمعيشية الخانقة، وسيفشل، ومع كل فشل سيجد الجماهير المتضررة الغاضبة تتظاهر وتهتف بسقوطه فيضطر إلى قمعها بالرصاص الحي.
وسيزيد من تقوية الميليشيات العراقية واللبنانية واليمنية بالمزيد من المسيرات والصواريخ، وسيعمد إلى تعزيز معسكرات الحرس الثوري على الحدود السورية العراقية، وعلى الحدود اللبنانية السورية، وسيعاود الدفع بحماس إلى استئناف جهاد الصواريخ للانتقام من إسرائيل الجديدة، ومن إسرائيل القديمة أيضا.
وفي العراق ستزيد الميليشيات الولائية من جهودها لانتزاع صلاحيات الحكومة، لتتفرغ لقمع التظاهرات والاعتصامات المعارضة لإيران، وستعجّل بجعل العراق أقرب إلى الذوبان في الكيان الأكبر الإيراني.
الخمينيون، جميعا، طينة واحدة، ومتفقون على الهدف، ولا يختلفون إلا في طرق الوصول إليه
ففي تهنئته للجمهورية الإسلامية، قيادة وحكومة وشعبا، بالانتصار الشعبي الكبير، أكد تحالف الفتح المملوك لهادي العامري أن العهد الرئاسي لرئيسي سيكون بداية حقيقية لتحقيق الوحدة الاندماجية بين العراق وإيران، وخروج العراق من جامعة الدول العربية.
ويقول رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق فالح الفياض خلال احتفال الحشد بالذكرى السنوية السابعة لتأسيسه، إن “الحشد هم حماة إيران ومشروعها الثوري”، وإن “هيبة الدولة العراقية تتوقف على مدى التزام الدولة بأوامر الحشد”.
أما بيان منظمة العفو الدولية القائل إن “الرئيس الإيراني الجديد هو الداعم الأول لقتل آلاف الإيرانيين من الرجال والنساء والأطفال، وهو مطلوب للعدالة”، فهو نفخة في كومٍ من طحين، وسوف تَسكت في النهاية، بأمر من الباب العالي القابع في واشنطن، عن قريب.
العرب