عدن – وصف متخصصون في الشأن اليمني التصعيد الحوثي المستمر في مأرب وعلى جبهة السعودية باستمرار سياسة حوثية ممنهجة تستهدف ابتزاز الإقليم والمجتمع الدولي بهدف تحقيق المزيد من المكاسب السياسية والعسكرية دون تقديم أيّ تنازلات حقيقية تعزّز مسار السلام في اليمن.
واستثمر الحوثيون فوز الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية بتصعيد عسكري غير مسبوق في مأرب مع إرسال عدد من الطائرات المسيّرة باتجاه المدن السعودية.
وشن الحوثيون هجوما على مختلف الجبهات في محيط مدينة مأرب الاستراتيجية وفقا لمصادر ميدانية أكدت لـ”العرب” فشل الهجوم الحوثي في الإخلال بموازين القوة التي تكرست في محافظة مأرب التي يلقي الحوثيون بكل ثقلهم العسكري من أجل السيطرة عليها قبل الدخول في أيّ مشاورات سياسية متجاهلين كل الضغوط الدولية التي تحثهم على تجميد عملياتهم العسكرية والموافقة على خطة مارتن غريفيث المبعوث الأممي إلى اليمن لوقف إطلاق النار.
وبالتوازي مع التصعيد الحوثي في مأرب أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن خلال الساعات الماضية عن إسقاط 17 طائرة مسيّرة ومفخخة أطلقها المتمردون الحوثيون باتجاه الأراضي السعودية في واحدة من أكبر عملياتهم من هذا النوع.
ولا تبدو التحولات المتعلقة بالملف الإيراني، سواء نتيجة الانتخابات الإيرانية التي فاز بها إبراهيم رئيسي أحد أكثر الوجوه راديكالية داخل النظام الإيراني أو مسار مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي، في منأى عن التصعيد الحوثي الذي يعتبره مراقبون انعكاسا للمصالح والأجندة الإيرانية أكثر منه ارتباطا بمتطلبات الملف اليمني.
ويؤكد مراقبون أن المواقف المتطرفة للحوثيين تعد بمثابة هروب للأمام من الضغوط المتزايدة عليهم واتجاه المجتمع الدولي نحو تحميلهم مسؤولية فشل السلام في اليمن، معتبرين أن إدراج الأمم المتحدة للحوثيين على القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال قد يكون مقدمة لعقوبات قادمة أكثر صرامة ستتخذها المنظمة الدولية بالتوازي مع عقوبات أخرى من قبل الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي وصولا إلى مجلس الأمن الدولي.
واعتبر الباحث السياسي اليمني سعيد بكران التصعيد الحوثي الأخير بمثابة الإعلان الرسمي بأن إيران لن تسمح بنزع الورقة اليمنية من يدها واحتواء ذراعها العسكرية الأهم على الإطلاق في المنطقة دون مقابل استراتيجي يرضي طهران.
ولفت بكران في تصريح لـ”العرب” إلى أن لدى إيران أوراق تأثير وضغط في غزة ولبنان والعراق لكن “كل هذه الأوراق مطوّقة بحسابات داخلية معقدة ودقيقة بعكس الورقة اليمنية التي تملك التأثير على إمدادات الطاقة العالمية باستهدافها للسعودية والتأثير على الملاحة الدولية من خلال التهديد المستمر لأمن البحر الأحمر والمضيق”.
وأضاف “هذا التصعيد هو أيضا دلالة على فشل الإدارة الأميركية أو الانهيار الحقيقي لنظرية إمكانية تغيير سلوك إيران وذراعها اليمنية عبر السلام والحوار”.
وفي بيان لها الأحد أدانت وزارة الخارجية اليمنية ما قالت إنه “مواصلة ميليشيا الحوثي الانقلابية ارتكاب سلسلة متصلة من الهجمات الإرهابية ضد المدنيين بمحافظتي مأرب والحديدة واستمرار تصعيدها العسكري في مأرب واعتداءاتها الممنهجة التي تستهدف المدنيين في السعودية عبر إطلاقها عددا من الطائرات المسيّرة والمقذوفات والصواريخ”.
وقالت الوزارة في بيان نشرته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية “إن تلك الهجمات الإرهابية وذلك التصعيد العسكري المستمر ما هما إلا رسالة واضحة وردّ جليّ على كل الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لإحلال السلام وإنهاء الحرب في اليمن، ودليل إضافي على ارتهان إرادة هذه الميليشيا للنظام الإيراني وسياساته التخريبية في المنطقة، كما يؤكد طبيعتها العدوانية وخطورة نهجها وانتهاكها الصارخ لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والاستهانة به وعدم جديتها في الجنوح إلى السلام والإصرار على مواصلة الحرب وتقويض استقرار المنطقة”.
وكانت الحكومة اليمنية قد طالبت في لقاءات قبل أيام مع المبعوثين الأممي مارتن غريفيث والأميركي تيم ليندركينغ إلى اليمن المجتمع الدولي بتغيير طريقة تعاطيه مع حالة التعنت الحوثية، في إشارة إلى وصول جهود وقف إطلاق النار إلى طريق مسدود، نتيجة الرفض الحوثي لخطة المبعوث الأممي مارتن غريفيث.
ووصف رئيس مركز فنار لبحوث السياسات عزت مصطفى التصعيد العسكري الحوثي الأخير بأنه أحد أهم التكتيكات الحوثية التي يحاول من خلالها الحوثيون الاستفادة القصوى من عامل الوقت.
وأشار مصطفى في تصريح لـ”العرب” إلى عمل الجناح السياسي للحوثيين على التعطيل لمنح الجناح العسكري مساحة زمنية أكبر لخوض المناورات العسكرية.
وأضاف “هذا التكتيك تحكّم بسلوك الحوثيين طوال فترة تعاطيهم مع المبعوثين الأميين أو الدوليين ومنه مقاطعتهم للقاءات المبعوثين كما فعلوا مع غريفيث مؤخرا وقبله مع ولد الشيخ الذي وصل بهم الأمر إلى الاعتداء على سلامته وهو خارج من مطار صنعاء؛ كما كان تأزيم العلاقة مع المبعوثين واحدا من عراقيلهم التي استنفدت الوقت السياسي”.
وأكد على أن الحوثيين يسعون اليوم للاستفادة من الفجوة الزمنية بين ترك غريفيث مهمته في اليمن وتعيين مبعوث أممي جديد بدلا عنه؛ حيث أن “هذه الفترة الخالية من التواصل الأممي معهم تعطيهم مساحة لمحاولة الضغط العسكري سواء بريا باتجاه مأرب أو بكثافة استهداف المملكة العربية السعودية بالطائرات المسيّرة بسبب إرجاعهم أسباب الإخفاق في اجتياح مدينة مأرب إلى الضربات الجوية للتحالف العربي التي كبدتهم خسائر كبيرة وأعاقت عملياتهم العسكرية في المحاور القتالية المحيطة بمدينة مأرب”.
وأوضح رئيس مركز فنار “يحاول الحوثيون ربط وقف الهجمات تجاه السعودية بوقف التحالف للضربات الجوية في مأرب، والفصل السياسي لوقف العمليات الجوية للتحالف عن التسوية السياسية الشاملة في اليمن؛ لأنهم يرون أن نجاحهم في اجتياح مأرب يفرضهم كجماعة مسلحة كأمر واقع على شمال اليمن في التسوية السياسية المحتملة، وهو ما يضمن لإيران عبرهم مواصلة تهديد السعودية حتى بعد الوصول إلى اتفاق سياسي ينهي الحرب الداخلية القائمة حاليا”.
العرب