عودة المجازر إلى إدلب: ضغوط روسية لتحقيق مكاسب سياسية

عودة المجازر إلى إدلب: ضغوط روسية لتحقيق مكاسب سياسية

قبل أيام قليلة من بدء مداولات مجلس الأمن الدولي، في العاشر من الشهر الحالي، لتمديد آلية إدخال المساعدات الدولية إلى سورية، ارتكبت قوات النظام السوري بمساندة روسية مجزرة وُصفت بـ”المروّعة” في شمال غربي سورية، على وقع استمرار التصعيد العسكري في محافظة إدلب خط التماس الأسخن بين فصائل المعارضة وقوات النظام. وبحسب شبكات إعلامية محلية، قُتل صباح أمس السبت، ثمانية أشخاص معظمهم من الأطفال، نتيجة قصف قوات النظام وروسيا المنازل السكنية في بلدات ابلين، وبليون، وبلشون، في جبل الزاوية، جنوبي إدلب بصواريخ موجهة بالليزر. ومن بين القتلى عائلة واحدة من رجل وزوجته وأطفاله في بلدة ابلين، وفق ناشطين أشاروا إلى أن قوات النظام استهدفت بالقذائف المدفعية والصاروخية الموجّهة (ليزرياً) عن طريق طائرات الاستطلاع الروسية، بلدة إبلين في جبل الزاوية، موضحين أن هذه القوات استهدفت محيط مدينة أريحا، ما أدى إلى إصابة عدد من المدنيين.

قُتل 8 أشخاص بينهم أطفال أمس في إدلب

ونشر الدفاع المدني في محافظة إدلب مقطع فيديو، يوثق ما وصفها بـ”لحظات تحبس الأنفاس” لاستهداف فرق الدفاع المدني السوري بقصف مزدوج من قبل النظام وروسيا أثناء إنقاذها المدنيين في قرية بليون بجبل الزاوية. وأكد الدفاع المدني أن من بين قتلى، يوم أمس، طفلتين هما ابنتا المتطوع في الدفاع المدني عمر العمر الذي أصيب وزوجته، مشيراً إلى أن طفلاً قُتل في قرية بلشون بالقصف، وأصيب أربعة مدنيون (رجل وامرأة وطفلان) وجميعهم من عائلة واحدة. كما نشر صوراً تظهر نزوح عدد كبير من المدنيين من قرى في ريف إدلب الجنوبي، نتيجة القصف المستمر من قبل قوات النظام السوري بمساندة روسية.

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد عاودت، أول من أمس الجمعة، تكرار الادّعاءات عن تحضير فصائل الشمال الغربي من سورية بالتعاون مع الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، لهجوم بغازات سامة لاتهام جيش النظام بالوقوف وراء الهجوم. ولطالما لجأ الروس والنظام إلى هذه الادّعاءات لتبرير ارتكاب المجازر بحق المدنيين في الشمال الغربي من سورية، أو لاستخدام أسلحة محرّمة دولياً ضد المدنيين وفصائل المعارضة السورية وإلصاق التهمة بها. واتهمت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري باستخدام أسلحة وغازات سامة في ريفي حماة وإدلب خلال السنوات الماضية.

ويأتي التصعيد من قبل الجانب الروسي قبيل أيام تفصل عن بدء مداولات مجلس الأمن الدولي لتمديد آلية إدخال المساعدات الدولية إلى سورية، عبر معبر باب الهوى الذي تديره المعارضة السورية، وهو ما يرفضه الروس. ويصرّ الجانب الروسي على مرور المساعدات عبر النظام السوري لتوزيعها بعد ذلك على نحو أربعة ملايين مدني في الشمال السوري، ولكن المجتمع الدولي يرى أنه لا يمكن الوثوق بالنظام والجانب الروسي الذي يريد إخضاع هذا الشمال بشتى الطرق، منها التحكّم في المساعدات التي تعد بمثابة شريان حياة لملايين النازحين والمهجرين من مختلف المناطق الروسية، من قبل قوات النظام وأجهزته الأمنية.

وكان وزيرا خارجية تركيا وروسيا، مولود جاويش أوغلو وسيرغي لافروف، اجتمعا في مدينة أنطاليا التركية منذ أيام، للتباحث حول مصير الشمال الغربي من سورية. وتشير المعطيات الميدانية واستمرار التصعيد العسكري من الجانب الروسي إلى أن الطرفين لا يزالان في مرحلة بلورة رؤية ترضي موسكو وأنقرة حول ملف الشمال الغربي من سورية. ومن الواضح أن القصف الروسي الذي يوقع مدنيين قتلى ومصابين يأتي في سياق الضغط على الجانب التركي قبل جولة جديدة من جولات مفاوضات مسار أستانة، إذ أن موسكو تطالب أنقرة بالعمل على إبعاد فصائل المعارضة عن محيط الطريق الدولي “أم 4” (حلب ـ اللاذقية) تمهيداً لاستعادة الحركة التجارية وتنقّل المدنيين عليه من غربي البلاد إلى مدينة حلب كبرى مدن الشمال.

الجانب الروسي يصرّ دائماً على أن التهدئة مؤقتة وليست حلاً دائماً

ويرى الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “من غير المعروف تماماً ما طُرح أثناء اجتماع وزيري خارجية تركيا وروسيا منذ أيام”، مضيفاً: حدث لبس في تصريحات الوزير الروسي بعد الاجتماع. ويكشف: لا نعلم ما إذا كانت روسيا تريد تطبيق ما يُعرف باتفاق موسكو الذي أبرم العام الماضي، عبر تشكيل منطقة عازلة في جانبي الطريق الدولي “أم 4″، أم قضم مناطق في ريف اللاذقية الشمالي، خصوصاً التلال المهمة، مثل تلّة الكبينة الصامدة منذ عدة سنوات أمام محاولات النظام السيطرة عليها.

ويشدّد على أن الجانب الروسي “يصرّ دائماً على أن التهدئة مؤقتة وليست حلاً دائماً”، مضيفاً: القصف الروسي هدفه التأكيد أنه لن يكون هناك استقرار في محافظة إدلب ومحيطها، والتصعيد الحالي يدخل في سياق الحراك السياسي حول العديد من الملفات في القضية السورية. ولكن هذا التصعيد الذي مضى عليه أكثر من شهر لم يترافق مع تحرك على الأرض من قبل قوات النظام على محاور التماس، ما يؤكد أن أهدافاً سياسية تتوخاها روسيا من وراء هذا التصعيد، الذي لم يهدد حتى اللحظة التفاهمات الروسية التركية حول مجمل الشمال الغربي من سورية.

من جهته، يرى المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن التصعيد الروسي “يندرج في سياق محاولات الروس مواصلة الضغط لفتح المعابر الداخلية بين الشمال السوري ومناطق النظام، الواقعة تحت وطأة أزمات اقتصادية كبيرة”. ويعتبر أن التصعيد الروسي يهدف إلى الضغط على الحاضنة الشعبية لفصائل المعارضة السورية، من أجل الحصول على مكاسب سياسة واقتصادية. ويضيف أن “موسكو لا تزال متمسكة ببشار الأسد، على الرغم من الحديث عن لقاءات روسية وأميركية حول سورية”، منوّهاً إلى أن “الروس يبحثون عن سبل لفتح الطريق الدولي أم 4 لإنعاش اقتصاد النظام المتهالك، ولكنهم يواجهون صعوبات كبيرة”. ويقول إن الجانب الروسي “يعلم أن قوات النظام غير قادرة على خوض معارك على الأرض من دون مساعدة من المليشيات الإيرانية، لأن جيش النظام مهترئ ومتآكل”، مشدّداً على أن الروس لا يريدون ذلك، لأنهم يريدون تحجيم الوجود الإيراني في عموم سورية.

أمين العاصي

العربي الجديد