تعدُّ دبي واحدة من افضل المدن التي صنعت ذاتها في فترة قصيرة جدا من الزمن؛ لتكون عالمية في خدماتها ونمط عيشها، ونهجها الاقتصادي المنفتح، وهي تشكل خليطاً فريداً من التجارب والمشاعر، إذ تجمع بين روح المدينة العصرية، والصحراء الخالدة، روح تجمع الشرق والغرب، والقديم والجديد.
وضمن هذا الإطار، ذكرت مجلة “فوربس” العالمية، أنّ إمارة دبي حطمت الصورة النمطية عن العالم العربي، كونها مدينة حديثة ومبتكرة ومبدعة، تستقطب الكثيرين من الباحثين عن مستقبلٍ واعد. ولفتت “فوربس” في تغريدة نُشرت على حساب المكتب الإعلامي لحكومة دبي، إلى أنّ القوانين الاماراتية الجديدة الحازمة أسهمت في استقرار القطاع العقاري في الإمارات، لافتةً، إلى أنّ سوق دبي المالي ارتفع خلال العام 40.3% وعليه، يعد ضمن أفضل خمسة أسواق مال عالمية من حيث الأداء.
كما تعدُّ من أكثر المدن ريادةً في مجال الأعمال، والاكثر عالمية من جيرانها، ومن الواضح ان اقتصاد الإمارة قد تعافى من تبعات أزمة عام 2009 المالية، بتسجيله مستوى يعبر عن انتعاشة حقيقية لأنشطة الشركات في القطاع الخاص غير النفطي، والتي تتمثل في عدد من المتغيرات ومنها: تسارع النمو، وتزايد طلبات التوريد، و تحسن اداء سوق العمل.
لقد استطاعت دبي الخروج من تداعيات الأزمة المالية العالمية بسرعة أكبر من المناطق الأخرى في العالم، بفضل حكمة قيادتها التي ركزت على الاستثمار في المستقبل بالتوازي مع ضخامة استثماراتها في الحاضر، والدليل إطلاقها مبادرة “دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي”، حيث أدركت الإمارة أهمية تنويع مصادر الدخل من خلال خلق اقتصاد موازٍ للاقتصاد الحالي، مستندة إلى أن الاقتصاد الإسلامي برهن في أكثر من مناسبة على متانته، وقوة الأعمدة الأساسية التي بُني عليها.
ونحاول في هذه الورقة التي تؤشر الى انجازات إمارة دبي، ودور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ال المكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في تحقيقها، حيث تغطي هذه الإنجازات كل مجالات التنمية المستدامة، مثل: التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، والبُنى التحتية، والأمن، والعدل، والتميز، وتبوّء الدولة مراكز متقدمة جداً بين دول العالم، حسبما أعلنته منظمات وجهات دولية.
ويقف خلف ما تحقق خلال السنوات الماضية من انجازات، فكر ثاقب لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ورأيه السديد، وإرادته القوية، وحكمته الكبيرة، ومواقفه النبيلة للإنسانية جميعاً. على اننا اخترنا بعضا منها ليتم تناوله في عرضنا هذا، لصعوبة تغطية الانجازات التي تتحقق يوميا.
دبي ..انجازات ومآثر
يتمتع اقتصاد دبي بمزيج من المزايا المتعلقة بالكلفة والسوق والبيئة، ويتيح مناخاً مثالياً وجذاباً للاستثمار سواء للشركات الوطنية أو الأجنبية، وفي الواقع فإن هذه المزايا لا تضع دبي في الصدارة كمركز تجاري متنوع في منطقة الخليج العربي فحسب، بل تجعلها في مقدمة اقتصاديات السوق المزدهرة، والمستقرة والديناميكية حول العالم. ولاشك في ان الكثير من الدول تسعى إلى مجاراة دبي في عمليات الإعمار والبناء المتسارع التي تنهض بها، في الوقت الذي تقدم الإمارة العبرة في بناء مدن كبرى في الصحراء القاحلة، لجهة اهتمامها بالبيئة، والاخذ بمعايير التنمية المستدامة.
ومع التزامها برؤية متقدمة ادركت دبي ضرورة تنويع مصادر الدخل، حيث ركزت الإمارة على العديد من القطاعات بدل اعتمادها على قطاع أو اثنين، فعلى سبيل المثال نلاحظ نسب النمو القوية في قطاعات السياحة، والعقار والأسهم والتجارة، والخدمات اللوجستية وحتى الصناعة، والخدمات المالية والمصرفية.
إن متانة اقتصاد الإمارات عموماً واقتصاد دبي على وجه الخصوص، يعود الفضل فيه إلى نجاح السياسات الاقتصادية، والرؤى بشأن تنويع مصادر الدخل، وتعزيز القاعدة الاقتصادية، إلى جانب اتباع سياسة الكفاءة المالية بحسن اختيار مشاريع، وبرامج الإنفاق المالي.
لقد نجحت إمارة دبي في تنويع اقتصادها لقطاعات الخدمات، مثل: تجارة التجزئة والسياحة، واستضافة المعارض والفعاليات، وإعادة التصدير والتمويل عبر الاستثمار بكثافة في البنية التحتية، والخدمات اللوجستية مثل الموانئ، واضحت إمارة دبي، عنصر ربط يتم من خلالها نقل البضائع وربط المنتجين مع الأسواق الدولية؛ وللتدليل على ذلك، بلغ حجم التجارة الخارجية لدبي في عام 2013 رقمًا ضخمًا قدره 362 مليار دولار موزعًا بين واردات قدرها 221 مليار دولار، و141 مليار دولار على شكل تصدير وإعادة تصدير.
وتؤدي الشركات الصغيرة والمتوسطة دورا مهما في اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة ككل، في إمارة دبي على وجه الخصوص، حيث هناك 72 الف شركة صغيرة ومتوسطة تسهم في تشغيل 40٪ من القوى العاملة، وتسهم في 42 % من قيمة الناتج السنوي المضافة.
وكانت إمارة دبي سباقة في مراعاة العناصر الرئيسية بعملية التنمية الاقتصادية، التي تعتمد على رأس المال البشري وصولا لإيجاد ثقافة مبدعة في الادارة، بغية إعادة تشكيل المواطن والعملاء، ومنذ عام 1997، اضحت الإدارة الحكومية مؤسسة معقدة، حيث تقع حكومة دبي في رأس هيكل صنع القرار، وتقدم هذه الإدارة الآن الكثير من الخدمات المتعددة، وهي مكونة من مجموعة كبيرة جدا من مؤسسات القطاع العام في دبي حيث “هناك 65 الف موظف يعملون في هذه الإدارات الحكومية، التي لا تخدم سكان دبي فحسب والبالغ تعدادهم نحو 1.8 مليون نسمة، ولكنها تخدم أيضا زوار دبي (من السياح والمستثمرين، وغيرهم) الذي وصل عددهم إلى 18 مليون شخص وفقاً لأرقام في عام 2008.
وتتمتع دبي بمزايا أعمال مبتكرة وملهمة، يغذيها طموح متوثب نحو الريادة في عالم التقنية والإبداع والقيادة والمعرفة، حيث أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم:” أن سياسة الدولة التنافسية قائمة على الابتكار والإبداع، وتشكل الركيزة والمحور لرؤية الإمارات 2021 ، الأمر الذي سيسهم في ترسيخ مكانة دولتنا كاحدى أفضل دول العالم بحلول عام 2021 .”
ومن خلال هذا التنوع الرائع والموقع الاستراتيجي المتميز، والبنية التحتية الحديثة وسهولة الأعمال، أصبحت دبي الاختيار الأمثل للشركات المحلية والعالمية؛ لتأسيس شركاتها وتوسيعها على مستوى الشرق الأوسط.
كما تعدُّ دبي وجهة رئيسية مفضلة في الشرق الأوسط لمقرات كبرى الشركات العالمية متعددة الجنسيات، حيث تتمتع الإمارة بسمعة طيبة على مستوى العالم، كمركز جذب للمال والأعمال والاستثمارات، مما أسهم في نموها وتطورها حتى أصبحت مركز جذب للشركات من مختلف أرجاء العالم، وللمشاريع الصغيرة والمتوسطة العالمية.
وتستطيع الشركات الدولية التي تزاول نشاطاتها في دبي الحصول على مزايا مهمة بالنسبة للتكلفة لا تتوفر في مناطق أخرى من العالم، إذ توجد في دبي أكثر من 20 منطقة حرة، تقدم خدمات محددة وأسواقا متخصصة، تضمن سهولة تأسيس الشركات، وتحقيق الربحية وتنافسية الشركات القائمة على مستوى الشرق الأوسط.
ومن هنا تغطي المناطق الحرة طيفاً واسعاً من قطاعات الأعمال التقنية والإعلام، والتمويل والتكنولوجيا الحيوية، والكثير من النشاطات التجارية الأخرى.
و اهتمت امارة دبي ببناء اقتصاد مستدام، وهو ما يضعنا أمام حقيقة وهي ان القيادة التي تدير الإمارة لم تضع استراتيجيات تركز على العقد المقبل فقط، بل تخطته لصنع اقتصاد يصلح لأجيال مقبلة، وهو ما نستشفه من تركيزها مثلاً على الحصول على مصادر طاقة مستدامة ومتجددة. وفي الثاني والعشرين من شهر ايار/ مايو 2013 أطلق سمو الشيخ محمد بن راشد ال المكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي مبادرة “الحكومة الذكية”، التي أعلن من خلالها بدء مرحلة ما بعد الحكومة الإلكترونية. وبالفعل تمكنت في الفترة الماضية من العام المنصرم، مختلف الجهات الاتحادية من توفير الخدمات الحكومية على الهواتف والأجهزة المتحركة للمتعاملين، وبما يتوافق مع رؤية سموه في توفير الخدمات الحكومية، وتسهيل وصولها للمتعاملين في أي مكان وزمان. وتستهدف الحكومة من وراء تلك المبادرة، إسعاد مواطني دولة الإمارات والمقيمين على أرضها.
ومن هنا فان تحول دبي إلى مدينة ذكية سوف يضاعف سقف الآمال والطموحات من قبل المستثمرين القادمين إلى المنطقة؛ لتأسيس شركات جديدة، حيث يغير هذا الاتجاه من مفهوم الأعمال في دبي، ليسير بوتيرة سريعة في هذا القطاع ما يقلص من إجراءات تأسيس الشركات بالإمارة؛ لتصبح منافساً لأكبر مراكز المال والأعمال في العالم، وهو ما سوف يرسخ عبر بنية تقنية عالية المستوى تساعد المستثمرين على أداء أعمالهم.
إن دبي كمدينة ذكية تهدف بشكل أساسي إلى خدمة الناس في حياتهم اليومية وصولاً إلى بيئة صديقة بشكل مستدام عبر التطبيقات الذكية والتكنولوجية، حيث اثبتت حكومة دبي الذكية قدرتها في هذا الشأن، بما تمتلكه من خبرة طويلة في مسيرة التحول الإلكتروني والذكي، وبما لديها من بنى تحتية وإمكانات متطورة تعززهما شبكة معلومات حكومية موحدة وآمنة، ومنصات متطورة، ونظم تخطيط للموارد الحكومية.
لقد دفع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ال المكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بقوة في اتجاه دخول الامارة الى الآفاق الرحبة التي يفتحها الاقتصاد الرقمي الجديد، وذلك من خلال تنفيذ عدة مشاريع ومنها: مشروع حكومة دبي الإلكترونية، ومدينة دبي للإنترنت، ومدينة دبي للإعلام.
على ان نهضة دبي ما كان يمكن لها ان تزهر على هذا النحو الكبير، لولا الاستقرار السياسي الذي تنعم به الامارة خصوصاً والدولة بشكل عام، حيث إن نجاح الاستراتيجيات الاقتصادية مرهون بقوة الاستقرار السياسي، الذي لن يكون كافياً من دون وجود خطط استراتيجية ترسم ملامح الاقتصاد في المستقبل. بل ان الاستثمار والاستقرار السياسي صنوان لا يفترقان، حيث تعد دولة الإمارات العربية المتحدة من أكثر دول العالم تميزاً بهذا الصدد، اذ تتوافر على رؤية حصيفة لطبيعة علاقاتها مع دول المنطقة والعالم.
وتمثل الأجندة الوطنية التي اطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ال المكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي دعامة أساسية لتحقيق الهدف الذي وضعه سموه بأن تكون دولة الامارات العربية المتحدة من أفضل الدول في العالم، وذلك في إطار السعي الدؤوب للقيادة الحكيمة للدولة والحكومة الرشيدة لتحقيق التميز في المجالات كافة ، وتوفير العيش الكريم لأبناء الوطن.
وقد قدمت الأجندة نموذجاً متميزاً لخطة عمل مدروسة، وقائمة على منهج علمي تضع في اعتبارها تحقيق طموحات الدولة في التطور والارتقاء، كما تعمل على تحقيق آمال الأجيال القادمة وتطلعاتها ، وتوفير فرص العمل لأبناء الوطن بما يحقق لهم ذاتهم، ويؤمن لهم مستقبلاً زاهراً.
وقد راعت الأجندة الحرص على تقديم الخدمات الحكومية للمواطن بسرعة، وسهولة ويسر، وهو ما يتحقق الآن من خلال الحكومة الذكية، والمتنقلة التي تصل للمواطن أينما شاء، وحيثما شاء، وذلك جنباً إلى جنب مع الخدمات الإلكترونية التي توفر الكثير من الوقت والجهد والمال للمتعاملين والمواطنين كافة ، بحيث تكون دولة الامارات العربية المتحدة في مركز الصدارة عالمياً في مجال الخدمات الذكية مع الاخذ في الاعتبار البيئة الإلكترونية المتطورة فيها، والانتشار الواسع للهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية.
وأخيراً فإن إطلاق الأجندة الوطنية سيصبح عنصراً محفزاً وخريطة طريق للمؤسسات الحكومية والجهات والمشاريع الاقتصادية على السواء؛ لترجمة ما تضمنته من طموحات لتحقيقها عام 2021 وصولاً لبلوغ الهدف الذي وضعته الأجندة المتمثل في أن تكون الدولة العاصمة الاقتصادية لأكثر من ملياري فرد في العالم.
حاكم دبي.. ابداع على المستوى الداخلي
أصبح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكماً لدبي، في الرابع من كانون الثاني/يناير من عام 2006، وفي الخامس من كانون الثاني/ يناير من العام ذاته ، اختار أعضاء المجلس الأعلى لدولة الامارات العربية المتحدة سموه ليكون نائباً لرئيس الدولة.
وفي الحادي عشر من شباط/فبراير من عام 2006، رشح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ محمد رئيساً للوزراء، واعتمد المجلس ترشيحه، لتشهد الدولة قصة نجاح عززتها الزعامة النشطة الناجحة لسمو الشيخ محمد؛ الذي أصرَّ على التميز، لتكون افكاره النيرة وشغفه بالابداع، منطلقا لتحقيق الانجازات، التي تمتد عميقا في اطار انساني يحتضن العالم في كنفه على الوئام والسلام.
وسموه رجل فيه استثنائية وتفرد، من قماشة الرجال الذين يصنعون الحدث، ويفكرون خارج اطار المستحيل، لا يحصر نفسه في مكتب بين الاوراق، يميل الى متابعة شؤون الشعب بكل شفافية ومصداقية، فتراه في سوح البناء حاضراً يشد ازر البناة، ويتابع التفاصيل كلها، يعتمد على المتابعة الميدانية ورؤية معاول الانتاج تعمل وتواصل تطوير ادواتها لمزيد من العطاء، والتفاني في العمل، حيث يستمد الجميع حماستهم وطموحهم من خلال هذا الفكر المستنير المتطلع الى غد اكثر اشراقا لأبناء الدولة والمقيمين عليها.
ونجزم هنا انه رجل لا يعرف الهوادة، كلما انجز جديداً تتوق نفسه الى انجاز اكبر، يرسم القرارات الحكومية بجرأة وثقة، لا يقدم على مشروع الا اذا كان متأكداً من جدواه، يجسد مثالاً حياً للقيادة الناجحة التي تسعى إلى تحقيق الازدهار، والخير والرخاء لشعب دولة الإمارات العربية المتحدة.
تمكن برؤيته الثاقبة، وفكره البعيد النظر في المساهمة الخلاقة في نهضة دولة الإمارات العربية المتحدة وازدهارها، وبناء أسس التقدم الذي تنعم به إمارة دبي، حتى أصبحت نموذجاً في البنيان والاعمار، تتطلع إلى محاكاته الكثير من البلدان، وهو نموذج متوازن في قطاعاته، ومتكامل في مجالاته وحقوله الاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية.
ولعل مشاهد النهضة التي تمتد عبر الإمارة تروي قصة الجهود الكبيرة المبذولة من أجل ترجمة تلك الرؤى المبدعة إلى مشروعات كبيرة مبهرة، وتجسيد تلك الطموحات الجريئة إلى حقائق اقتصادية مميزة، جذبت إليها عقول الناس من أصقاع مختلفة في العالم، للمساهمة في عملية التشييد، وجني بثمارها.
لقد أرسى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، معايير جديدة لمنهجية الحكم الرشيد، والقيادة الحكيمة الملهمة، وأطلق سموه آليات جديدة للتواصل مع أفراد شعبه معتمداً أسلوب التواصل المباشر والتعرف عن قرب الى الأمور والمجريات كافة، والمشاكل التي تواجه الوطن والمواطنين.
ولم يكتف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بإرساء هذه المعايير فحسب، بل حرص على وضع آليات محكمة للمتابعة والتقييم، وحث جميع وزراء حكومته والمسؤولين على مستوى الدولة، على اتباع هذا النهج وإزالة كل الحواجز التي قد تمنع التواصل المباشر بين المواطنين والمسؤولين في المجالات والميادين كافة. وقدم سموه على سبيل ذلك دعما غير مسبوق لكل وسائل الإعلام لتقوم بدور الرقيب والمتابع، إلى جانب الآليات التي وضعها للتعرف الى آراء المواطنين والمقيمين بشكل متواصل ومباشر.
وفي سعي سموه الحثيث لإحداث التغيير المنشود وإيجاد النموذج القدوة، لم يغفل سموه جانباً من جوانب الحياة إلا وأثراه بهذا التوجه المثمر، فأعطى كل اهتماماته للأمور الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، والعلمية، والثقافية، والرياضية، والأمنية، ولم ينس في خضم هذا أن يركز بشكل خاص على الجوانب الإنسانية، فدشن مشروعاً هو الأعظم من نوعه لتعليم الأطفال المحرومين المحتاجين إلى العلم، إلى جانب العديد من المشاريع الإنسانية والتعليمية الأخرى
ومن وجهة نظر سموه، فان المستقبل ملك لجميع البشر، لكن الذين ينالون حصة فيه هم فقط الذين يلبون نداءه ويتقنون لغته، ويحرصون على معرفة سياق حركته واتجاهاته المستقبلية، وسموه لا يعرف الانتظار ولا التأجيل ولا التراخي، ومن هنا فان سمو الشيخ محمد بن راشد يدرك اهمية التحسب للمستقبل، الذي يعني التخطيط لاحتواء بعض الأزمات والمعضلات المحتملة التي يمكن أن نصادفها في المستقبل القريب والبعيد, فالقدرة والذكاء على إدارة الأزمات واحتوائها لا تكمن في السيطرة عليها بعد وقوعها او في أثناء ذلك, بل تكمن في القدرة على توقعها واستشرافها قبل وقوعها, وفي المهارة على استنباط الحلول، ورسم السيناريوهات لاحتوائها وإدارتها قبل حدوثها بوقت كاف, ورسم خريطة ذهنية مستقبلية لكثير من الاحتمالات غير المتوقعة لها.
نجاح على صعيد السياسة الخارجية
تعتمد مقاربة السياسة الخارجية لدولة الامارات العربية المتحدة على إدراك صانع القرار لطبيعة السلوك السياسي الخارجي الذي يتعين أن تنتهجه الدولة، ومدى تأثير البيئة الداخلية والخارجية فيه، وهذا السلوك يتم اقراره استناداً الى ضرورات الواقع وبحسب الحاجات والإمكانات القائمة، من دون أن يؤثر ذلك على الأهداف الرئيسة بعيدة المدى التي تظل ماثلة في أذهان الساسة الإماراتيين عند التصدي لأية قضية، أو القيام بأي عمل.
ولذا فقد عقد العزم على تبني اتجاه براغماتي في السياسة الخارجية، يستجيب للمتغيرات المختلفة ويتكيف معها، انطلاقاً من المقاربة الرامية إلى استغلال الفرص المتاحة في البيئة الخارجية، وتقليص التحديات التي تفرضها، واعتماد سياسة تجمع بين التوازن الداخلي والخارجي، وصولاً إلى أكبر قدر ممكن من الأمن والاستقرار، مع عدم إغفال أهمية الانغماس في التفاعلات الدولية للاستفادة من الإمكانات والفرص التي تتيحها، وإدارة علاقات واسعة ومتعددة المستويات.
وتبعا لهذا الفهم انطلقت سياسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي على المستوى الخارجي نحو تعزيز حركتها الإقليمية والدولية، وتطوير وشائج الارتباط بينها وبين الوحدات الدولية الأخرى، انعكاساً لأهداف مؤسستها السياسية الرامية إلى توفير أمثل الظروف لصيانة الأمن الإقليمي وضمان المصالح القومية الإماراتية، واعتماد سياسة خارجية تتسم بالوسطية والاعتدال، وصولاً لموقف واع وعقلاني يبتعد عن التسرع في اتخاذ القرارات، واعتماد الأساليب المرنة في تجاوز الأوضاع الصعبة، ويقودنا هذا إلى التذكير بسعة المجالات التي عرفها التعاون الإماراتي-الدولي سواء على مستوى التقنية أو الاقتصاد أو الاستراتيجية، أو الثقافة والفنون.
ومن أهم الحجج التي يُدلى بها تأييداً وتأكيداً لما تقدم أن الدولة عموماً، وإمارة دبي على وجه الخصوص، أصبحت قبلة لأنشطة وفعاليات دولية متعددة ومتنوعة، ومقراً لاستضافة حوارات وتجمعات عالمية مهمة، كما تكثفت زيارات الشخصيات العالمية لها بقصد إظهار الاستعداد للتعاون والدخول معها في شراكات مصلحية واستراتيجية، بحيث دخلت السياسة الخارجية الإماراتية مرحلة الورشة، إن صحت هذه التسمية، لتحقيق قاعدتي التفاعل الأفقي والامتداد الرأسي، بما يضمن للدولة رسوخاً مؤسسياً وتراكماً عملياً، وتفعيلاً للعلاقات السياسية الخليجية والإقليمية والدولية؛ إذ يوفر التفاعل الأفقي مزيداً من الشراكة والانفتاح الاقتصادي على كثير من الدول في ظل إيقاع النمو الاقتصادي المتصاعد، بينما يؤمن الامتداد الرأسي فرصة لتعزيز القدرة النوعية العسكرية للدولة، والحفاظ على تكاملها في مواجهة أي أطماع أو تهديدات.
إن الفكرة الأكثر رسوخاً في السياسة الخارجية الإماراتية التي يؤكدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تعتمد على صياغة نسيج إقليمي ودولي ترتبط به الدولة إما ثنائياً أو جماعياً، على نحو يضمن لها رصيداً على مستوى المصالح القومية. وبعبارة بديلة فإن قوة الدولة إنما هي نتاج لمجموعة من المتغيرات السياسية والاستراتيجية، والاقتصادية والسكانية، ناهيك عن قوة الإرادة الوطنية سواء ما يتصل منها بالزعامة والقيادة، أو التماسك الداخلي، والقدرة على تحقيق المصالح الوطنية.
ومن وجهة نظر غربية؛ وبالنظر إلى السجل المشرف للدولة في ميدان العلاقات الدولية، والتعاون الثنائي، والسعي لصيانة الأمن والاستقرار الإقليميين، فبإمكان الدولة القيام بدور إيجابي في حل الازمات الاقليمية، وكانت موفقة في نزع فتيل عدد من الأزمات، وقامت بادوار توافقية مهمة بين كثير من الأطراف المتنازعة في المنطقة، وسجلت نجاحاً آخر على المستوى الدولي أكسبها مزيداً من الاحترام والتقدير، وذلك عبر تقديم المساعدات الفورية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية والحروب.
وبهذا الصدد قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في 7/9/2014 :”ان السلام والعمل الإنساني هما أهم ركائز السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، مشيراً سموه إلى أن المساهمة في جهود التنمية الدولية تتصدر أجندة الدبلوماسية الإماراتية، ولاسيما أن علاقات دولة الإمارات مع العالم تقوم على السلام والتنمية، والانفتاح على خيارات الصداقة مع الجميع.”
وكرد فعل على الخريطة الجيوستراتيجية الناشئة في الشرق الأوسط عقب الاحتلال الأمريكي للعراق، اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي على اتخاذ سياسة متوازنة، ومغايرة لاتجاهات سياسية اعتمدها الساسة وصناع القرار في دول المنطقة. إذ تبرهن الأحداث المتتابعة تأكيد سموه على الاستناد إلى المعالجة العقلانية المتوازنة للقضايا الإقليمية المختلفة، فضلاً عن الموضوعية والإدراك المسؤول لما قد ينجم عن بقاء الأوضاع على حالها، وقد جلب ذلك من خلال التمسك باستراتيجية العقل المفتوح، التي تنأى بنفسها بعيداً عن التعصب والرؤية الأحادية الضيقة. ونشير هنا الى موقفه المتعاطف مع العراق ابان سنوات التسعينيات من القرن الماضي، حيث قسوة الاوضاع الانسانية التي تسبب بها الحصار الاقتصادي.
واستكمالا لما تقدم تغاضت دولة الإمارات العربية المتحدة عن العنف اللفظي والتصريحات النارية الإيرانية حول عائدية الجزر الإماراتية المحتلة، ليس ضعفاً وخنوعاً وإنما مسؤولية وإدراكاً، لتجنيب الإقليم مخاطر تصدع العلاقات الرسمية والشعبية على جانبي الخليج العربي، وهي بذلك تمارس نبلاً سياسياً يعبر عن التزام مبدئي بحسن الجوار، والرغبة في تدعيم الروابط بالدول الإسلامية، والاعتماد على حل النزاعات بالطرق السلمية دعماً للاستقرار والسلم الدوليين.
إن الإحساس الغالب الذي تجذر في سياسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي يطغى عليه قبول الآخر والأخذ من تجاربه، والجمع بين رؤى ومقاربات حضارية متنوعة تسهم في صقل التجربة الإماراتية وتعزيزها، على نحو لا يتعارض مع القيم الإسلامية، انطلاقاً من مفاهيم مشتركة على مستوى الدول والشعوب، لتقريب وجهات النظر، والإسهام في مواجهة التحديات العالمية والحد من تأثيراتها السلبية، وتأسيس أرضية من الفهم الحضاري والإنساني المشترك؛ فالبرامج والمشاريع الإنسانية هي في نهاية المطاف فكرة قابلة للمحاكاة, وأخيراً فإن السياسة الخارجية ليست خطاباً شعبوياً يقول بالأبيض والأسود، إنها فن ولوج الصعاب وتفكيك الأزمات، وإعمال العقل والفكر في التخطيط للمستقبل، صيانة للبقاء القومي، وتأميناً للمصالح العليا، وهو ما أدركه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي مبكراً، وعمل على تحقيقه.
الكلمات المفتاحية: اليوم الوطني 43، دولة الامارات العربية المتحدة، دبي، مدينة ذكية، محمد بن راشد ال مكتوم،