التأشيرات الذهبية تحفز دبي على تحدي الركود العالمي

التأشيرات الذهبية تحفز دبي على تحدي الركود العالمي

ينظر المحللون باهتمام إلى تأثيرات إقرار التأشيرات الذهبية في الإمارات على توسع الأعمال التجارية وشراء العقارات في دبي، ما حفز الإمارة التي تصنف على أنها المركز الأول للاستثمار في الشرق الأوسط على تحدي الركود العالمي.

دبي – انفتحت دبي في ذروة الوباء العالمي بعدما واجهت نزوحا جماعيا للمغتربين وتصاعد المنافسة من مراكز الأعمال المجاورة، مما ساعد الإمارة الآن على تجنب أزمة العقارات التجارية التي تنتشر في جميع أنحاء العالم.

وبدأت دولة الإمارات في الانفصال عن النموذج الاقتصادي القديم والذي ساد بمنطقة الخليج لعقود، والذي يربط الإقامة بالتوظيف. ووسع المسؤولون شبكة الحصول على تأشيرات “ذهبية” طويلة الأجل، وألغوا شرط أن يكون لدى الشركات شريك محلي يملك الأغلبية، وتحولوا إلى أسبوع عمل من 5 أيام فقط.

وأراد صناع السياسات مساعدة دبي على التخلص من سمعتها كمدينة عابرة عبر جذب المغتربين وتشجيع بعضهم على إنشاء أعمال تجارية، ويبدو أن هذا قد أتى بثماره.

وأصدرت السلطات بيانات العام الماضي، وكشفت عن حجم التحول، إذ كان لدى المدينة أكثر من 411.8 ألف رخصة تجارية نشطة، وهذا يمثل قفزة بنسبة 30 في المئة عن مستويات 2022 وزيادة بنسبة 75 في المئة عن عام 2021.

والأسبوع الماضي، ذكر مركز دبي المالي العالمي أن عدد الكيانات المسجلة هناك ارتفع بنسبة 26 في المئة العام الماضي بمقارنة سنوية إلى أكثر من 5500. وتوظف المنطقة الحرة الآن حوالي 41.6 ألف شخص، أي بزيادة قدرها 15 في المئة.

ويتجلى التأثير بشكل أوضح في سوق العقارات التجارية في الإمارة. ووصل معدل الإشغال إلى مستويات قياسية على النقيض من تراجع الطلب في مدن أخرى بما في ذلك لندن ونيويورك.

وفي الحي المالي بدبي، فإن المساحات المكتبية نادرة ولا تزال الإيجارات في ارتفاع. وأبرز برج في مركز الأعمال معروض للبيع، ويمكن أن تصل قيمته إلى 1.5 مليار دولار.

ويعد هذا العقار في مركز دبي المالي العالمي من بين أفضل أصول شركة بروكفيلد أداء على مستوى العالم بينما تضررت الأصول الأخرى، بما في ذلك في لوس أنجلس وكناري وارف في لندن، من انخفاض الإشغال.

وقال براثيوشا غورابو، رئيس قسم الأبحاث والاستشارات في شركة العقارات كوشمان آند ويكفيلد كور، لبلومبرغ إن “السوق منفصلة تماما عن الاتجاهات التي نراها في جميع أنحاء العالم”.

وأضاف “بينما لا تزال الكثير من الأسواق الغربية تعمل على نموذج هجين أو نموذج العمل من المنزل، هناك زيادة في الطلب هنا، وقد عاد الجميع تقريبا إلى مكاتبهم”.

ومن المؤكد أن عددا من العوامل الخارجية عززت أيضا عدد الوافدين، فقد انتقل المصرفيون من آسيا هربا من عمليات الإغلاق، بينما انتقل الأثرياء الروس لحماية الأصول بعد غزو بلادهم لأوكرانيا في عام 2022.

وتدفق مستثمرو العملات المشفرة، جنبا إلى جنب مع الهنود الأثرياء الذين يبحثون عن منزل ثان، وكذلك الشباب الباحثون عن عمل من أوروبا والشرق الأوسط الأوسع. ومكنت الإصلاحات الحكومية بعض الوافدين الجدد من إنشاء أعمال تجارية.

وقال رايان بوهل، أحد كبار محللي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة راين نيتورك لاستشارات استخبارات المخاطر، إن “عندما تؤخذ التغييرات التي تم إجراؤها بشكل كلي، فهي مهمة”.

وأضاف أن السعودية وقطر “ستتعرضان لضغوط لمحاولة إيجاد طرق لتحرير اقتصادهما بطرق منطقية إذا أرادتا التنافس مع الحرية التي توفرها دبي للشركات”.

وبصرف النظر عن ازدهار العقارات التجارية، فإن علامات التدفق واضحة في أماكن أخرى تطول قوائم الانتظار للمدارس والنوادي، بينما تكون الطرق الرئيسية مزدحمة بشكل روتيني.

وأعلنت حكومة دبي عن مشروع للنقل العام بتكلفة خمسة مليارات دولار، ويتوقع صناع السياسات أن يرتفع عدد سكان الإمارة إلى 5.8 مليون نسمة في 2040 من أكثر من 3.5 مليون حاليا.

وتقترب أسعار العقارات السكنية من أرقام قياسية، رغم أن معدلات الرهن العقاري تحوم عند أعلى مستوياتها خلال عقدين من الزمن، إذ ارتفع متوسط الإيجارات السنوية للفلل إلى ما يقرب من 88.5 ألف دولار.

وفي العام الماضي، اصطف المشترون لشراء منازل بقيمة 5 ملايين دولار، وباع أحد المطورين منازل بقيمة 844 مليون دولار في ساعات. وفي النهاية، تضاعفت مبيعات المنازل التي تبلغ قيمتها 25 مليون دولار أو أكثر في عام 2023.

وقلبت القواعد الجديدة سوق العقارات في دبي بطرق أخرى. ويمثل المستخدمون النهائيون الآن 44 في المئة من مشتريات العقارات، مقارنة بنحو 29 في المئة خلال عام 2019، وفقا لشركة الوساطة العقارية بيرهومس.

ويعد اللندني جيك الرسول واحدا من آلاف المغتربين الذين يتطلعون إلى شراء منزل في دبي. ومنذ انتقاله إلى المدينة قبل عقد، يعيش الرجل بعد عام، مدركا أنه سيحتاج على الأرجح إلى المغادرة إذا فقد وظيفته.

لكن في مايو 2022، وبتشجيع من إصلاحات التأشيرات التي أجرتها الحكومة، افتتح شركة استشارات مالية. وقال “رأيت فرصة واعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لتأسيس شركتي الخاصة”. وأضاف “لم يعد الأمر مرهقا جدا، والمرونة المتعلقة بالتأشيرات هي بالتأكيد عامل كبير”.

ويرى صناع السياسات في منطقة الخليج أن الصناعات القائمة على المعرفة هي المستقبل، وقد دأبوا على ضخ الثروة النفطية في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة.

ولجذب الأشخاص المناسبين لمثل هذه الوظائف، أدركت السلطات الإماراتية أهمية توفير آفاق طويلة المدى وإمكانية التنبؤ، وهو حجر الأساس في عملية صنع القرار للمديرين التنفيذيين.

وتضمن التأشيرات الذهبية ذلك إلى حد ما، على الرغم من أن المواطنة لا تزال غير مطروحة إلى حد كبير. وفي حين أعلنت السعودية أيضا عن مبادرات لجعل الرياض وجهة أكثر جاذبية، إلا أن التحديات لا تزال قائمة.

ويبرز أحد الأسئلة الكبيرة وهو عما إذا كانت مستعدة من حيث البنية التحتية والإسكان وأسلوب الحياة والمنظور الإداري لتدفق العمال الأجانب ذوي الياقات البيضاء وأسرهم.

وبالمثل، هناك علامة استفهام معلقة حول ما إذا كان الناس سيهجرون دبي الأكثر حرية وعالمية نسبيا للانتقال إليها.

ويخطط الرسول لجعل دبي موطنا له على مدى العقد المقبل على الأقل. وقال “يبدو أن هناك المزيد من الناس يأتون إلى هنا للعيش لفترة طويلة. لقد تغيرت دبي في هذا الصدد”.

وجزء من عامل الجذب هو الثروة النفطية الهائلة في الشرق الأوسط إمارة أبوظبي، التي لديها صناديق استثمارية تملك أصولا بقيمة 1.5 تريليون دولار، وقد دفع ذلك عددا من الشركات متعددة الجنسيات إلى التفكير في التوسع في المنطقة.

ويؤكد ناثان جاتلاند، مدير أوبن هوب أن شركته تساعد الآن في تأسيس 80 شركة شهريا في المتوسط ارتفاعا من نحو 25 رخصة تجارية شهريا في العام السابق، وذلك رغم قرار الإمارات بفرض ضريبة على الشركات.

وقال “اعتقدت أن الضريبة سيكون لها تأثير سلبي، لكننا رأينا شركات أكبر تأتي إلى هنا بسبب إمكانات السوق”. وأضاف “عندما ينقلون الموظفين إلى هنا، فإن ذلك يفتح سوقا جديدة تماما ينتقل إليها الكثير من الأفراد ذوي الثروات العالية”.

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات، حيث تحتاج دبي إلى إنشاء برامج تقاعد وخطط تأمين صحي للسماح للمقيمين بالتقاعد في المدينة، وفقا لرينيه ماكجوان، الرئيس التنفيذي لمنطقة الهند والشرق الأوسط وأفريقيا في شركة مارش ماكلينان.

العرب