فيما كان الشارع اللبناني ينتفض مطالبا بمحاسبة المسؤولين اللبنانيين في الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، كان أولئك المسؤولون مشغولين بتحصين نوابهم في البرلمان من المساءلة، وكذلك في الدفاع عن مسؤولين سياسيين وأمنيين مطلوبين للتحقيق.
وفي الوقت الذي يهبط فيه البلد نحو حضيض اقتصادي غير مسبوق في تاريخه الحديث، بشكل يدفع أغلبية اللبنانيين نحو إفقار متزايد، بالترافق مع انقطاعات للكهرباء والوقود وغلاء أسعار الطعام، وحرائق الغابات، كان أولئك المسؤولون منهمكين في الصراع الذي استغرق، حتى الآن، قرابة عشرة شهور، حول حصص محسوبي اتجاهاتهم السياسية وطوائفهم ومذاهبهم.
قمة ذاك النزاع تتمحور بين تيّار رئيس الجمهورية ميشال عون، وكل من رئيس البرلمان، نبيه بري، ورئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري، الذي دُفع للاعتذار عن عدم قدرته على تشكيل الحكومة، فاستلم المهمة منه نجيب ميقاتي، الذي يبدو أنه نجح في تربيع الدائرة المتعلقة بإصرار الرئيس اللبناني على تعيين مقربين له في وزارتي الداخلية والعدل، للإشراف، من خلالهما، على مسار الانتخابات النيابية، وهو ما قد يرفع حظوظ صهره، وقائد «التيار الوطني»، جبران باسيل، في وراثة عون، في معركة الرئاسة المقبلة.
في يوم المظاهرات العارمة نفسه أطلقت «جهة ما» ثلاثة صواريخ من لبنان في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي تطوّر قلّ نظيره منذ عدوان تموز/يوليو 2006 ردّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بغارتين جويتين، فجر الخميس على منطقة الدمشقية في خراج بلدة المحمودية ما اعتبره «حزب الله» اللبناني تغييرا في «قواعد الاشتباك» مع إسرائيل فرد بإطلاق 19 صاروخا سقطت 3 منها في لبنان، و6 في مناطق مفتوحة، واعترض جيش الاحتلال، حسب تصريح له، الباقي، قائلا إنه «لا يرغب في التصعيد».
لا يختلف على كون خطوة «حزب الله» تأكيدا على التوازن العسكريّ المحسوب الذي يقيمه مع إسرائيل، وهو ما أكده نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بقوله من طهران حيث كان حاضراً خلال أداء الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي القسم الدستوري «على إسرائيل أن تفهم بأن عليها أن تبقى مردوعة، وإلا فنحن جاهزون للرد».
لكن الواضح أن التوقيت الذي جرت فيه الحوادث الأخيرة، بالتزامن مع حركة اللبنانيين الغاضبة ضد المسؤولين عن انفجار المرفأ كان محسوبا بدوره، فالمعلومات التي توالت منذ كارثة المـرفأ حـتى الآن تشير بأصابع الاتهام إلى الحـزب والنـظام السوري، وكـانت آخـر الوقائع في هذا الصدد، اعتراف سائق لبناني بنقله شحنات من نترات الأمونيوم إلى الجنوب (حيث يسيطر «حزب اللـه»)، ومن شأن تبادل النيران بين الحزب وإسرائيل حرف الأنظار عن الاتهامات نحوه.
بعض السياسيين اللبنانيين، أشاروا إلى جانب آخر للاشتباك الجاري، وربطوه بالصراع الإقليمي الجاري بين إيران وإسرائيل، فندد سعد الحريري بجعل الجنوب «منصة لصراعات إقليمية غير محسوبة النتائج»، وأن لبنان لا يجب أن يكون «جزءا من الاشتباك الإيراني – الإسرائيلي في بحر عُمان»، في إشارة للأزمة التي نتجت عن استهداف ناقلة نفط تديرها شركة إسرائيلية في الخليج العربي، ومقتل اثنين من طاقمها، ما أدى إلى تهديدات إسرائيلية وغربية بالرد على إيران.
الاعتداءات الإسرائيلية على بلد عربي، بغض النظر عن ملابسات السياسة الداخلية والخارجية، مرفوضة، غير أن الجهة السياسية العليا المخوّلة بالرد الملائم على تلك الاعتداءات هي الدولة اللبنانية نفسها، لأن احتكار جهة سياسية معينة للرد على إسرائيل، في بلد مؤسس، عمليا، على توازنات سياسية وطائفية دقيقة، يمكن استعماله، للإخلال بتلك التوازنات، واستخدام لبنان لأغراض خارجية.
القدس العربي