دخل أزمة نتائج الانتخابات العراقية مرحلة حرجة وغير مسبوقة تهدد الحد الأدنى من معايير النزاهة، وذلك بعد إعلان مفاجئ من مفوضية الانتخابات بوجود أكثر من 12 ألف محطة انتخابية (كل مركز اقتراع يضم عدة محطات انتخابية) لم يتم احتساب أصواتها، بسبب ما وصفته بخلل فني، وأنها باشرت منذ فجر أمس الأربعاء بعملية العد والفرز.
وتزامنت مع قيام المفوضية بحذف نتائج الانتخابات من موقعها الرسمي لعدة ساعات، ومن ثم إعادة نشر النتائج والبيانات مع تغييرات رفعت من رصيد مقاعد تحالف “الفتح” من 14 إلى 19 مقعداً، وتحالف “دولة القانون” من 37 إلى 40 مقعداً، مع التأكيد بأن الصيغة النهائية للنتائج قد تأخذ عدة أيام، فيما قال عضو الفريق الإعلامي لمفوضية الانتخابات عماد جميل، في إيجاز للصحافيين أمس الأربعاء، إن النتائج النهائية ستأخذ 20 يوماً، قبل أن تعقد المفوضية مؤتمراً صحافياً لتؤكد أنها بحاجة لأسبوع فقط قبل إعلان النتائج النهائية للانتخابات.
يمتلك تحالف “الفتح” مرشحين خاسرين في غالبية المحطات التي قيل إنها غير محتسبة
خطوات المفوضية، التي تزامنت مع بيان صدر عما يعرف بـ”تنسيقية المقاومة العراقية”، التي تضم 11 فصيلاً مسلحاً حليفاً لإيران، هددت فيه بإجراءات تصعيدية لمنع مؤامرة تستهدف “الحشد الشعبي”، واصفة النتائج بأنها باطلة وغير شرعية. وعقد تحالف “الفتح”، الممثل لـ”الحشد الشعبي”، مؤتمراً صحافياً للمتحدث باسمه أحمد الأسدي، الذي يتزعم بالوقت ذاته مليشيا “جند الإمام”، وجناحها السياسي كتلة “سند”، اعتبر فيه “النتائج غير صحيحة، وأنهم متأكدون من أنها ستتغير حتماً، بسبب وجود آلاف المحطات التي لم تحتسب أصواتها” دون أن يحدد تلك المحطات. ونظم أنصار الفصائل المسلحة تجمعاً أمام مقر مفوضية الانتخابات في كربلاء لرفض نتائج الانتخابات.
وبدا واضحاً الارتباك في تصريحات أعضاء مفوضية الانتخابات، ورئيسها القاضي جليل عدنان. ففيما أشار عدنان إلى أن النتائج التي أعلنت تمثل 94 في المائة من الأصوات، عاد للقول بعد ساعات إن هناك 12 ألفا و228 محطة انتخابية لم تحتسب أصواتها بعد بسبب مشاكل فنية. لكن بالعودة إلى عدد المحطات الانتخابية بعموم مدن العراق، وهي 58 ألفاً، تكون النسبة غير المحتسبة هي 20 في المائة وليس 6 في المائة. كما نقلت وكالة الأنباء العراقية تصريحاً آخر عنه، أمس الأول، تحدث فيه عن 3 آلاف صوت سيتم عدها وفرزها لإضافتها إلى النتائج المعلنة، وهذا العدد القليل من الأصوات لا يتناسب مع الإعلان عن وجود 12 ألف محطة انتخابية غير محتسبة. الأمر الآخر أن المحطات التي جرى الحديث أنها غير محتسبة تقع غالبيتها في مناطق الرصافة شرقي بغداد وبابل والنجف وواسط وكربلاء، وهي المناطق التي يمتلك تحالف “الفتح” مرشحين فيها لم يحالفهم الحظ بالفوز، ما يرفع نسبة الشكوك المطروحة بشأن مدى الضغوط التي تتعرض لها مفوضية الانتخابات في بغداد.
تحليلات
الانتخابات العراقية: فرصة ضائعة لإصلاح النظام السياسي
وتحدث مسؤول عراقي في بغداد، عن “ضغوط وابتزاز”، تمارسهما القوى الخاسرة على المفوضية والحكومة بشأن نتائج الانتخابات. ووفقاً للمسؤول، الذي تحدث عبر الهاتف مع “العربي الجديد”، فإن أغلب أعضاء مفوضية الانتخابات يتواجدون في مركز المفوضية وسط المنطقة الخضراء منذ يومين، والتي تقرر تمديد إغلاقها إلى إشعار آخر. وأضاف، طالباً عدم ذكر اسمه، أن “دخول فصائل مسلحة على خط الأزمة السياسية ينذر بتصعيد أمني خطير، ومنها صدور توجيهات لبعض الفصائل بالتحاق عناصرها بمواقعهم ومعسكراتهم”. وأوضح أن “الضغط نحو تعديل النتائج لصالح تحالف الفتح سيكون له رسائل سلبية للشارع بشأن الانتخابات، وكل مقومات العملية السياسية الحالية”. وتابع: “بصراحة الآن هناك خشية من أن يكون تعديل النتائج على حساب قوى أخرى ثانوية في البرلمان لا تمتلك صوت سلاح مرتفعا، مثل المستقلين والمدنيين، على اعتبار أنهم الطرف الأضعف، إذ إن الانتقاص من عدد مقاعد الصدريين سيدخلنا في أزمة أكثر خطورة”. وكشف أن “عمليات العد والفرز الحالية لا تجري تحت غطاء مراقبي الأمم المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي، كون أغلبهم غادر البلاد، أو انتهت فترة تكليفه الرسمية في ملف الانتخابات بعد إعلان النتائج”.
وحتى الساعة الثالثة من مساء أمس الأربعاء، أظهرت التغييرات التي أجرتها مفوضية الانتخابات على النتائج على موقعها الالكتروني نزول عدد مقاعد الصدريين من 73 إلى 71، وارتفاع مقاعد “الفتح” من 14 إلى 20، وتراجع مقاعد حركة “امتداد” المدنية من 10 إلى 9، وارتفاع مقاعد تحالف “قوى الدولة”، الذي يمثله عمار الحكيم وحيدر العبادي، من 4 إلى 5، بينما ارتفع ما حصده تحالف “دولة القانون” من 37 إلى 40 مقعداً، في وقت تراجعت فيه حصة النواب المستقلين، الذين فازوا منفردين، سواء المدنيين أو العشائريين والوجاهات الاجتماعية، من 20 إلى 17.
مسؤول عراقي: خشية من أن يكون تعديل النتائج على حساب قوى لا تمتلك صوت سلاح مرتفعاً
عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي، تحدث لـ”العربي الجديد”، عما وصفها بـ”تسوية قريبة ستمنع أن تصل الأزمة إلى الصدام بين الصدريين والفصائل والأحزاب الخاسرة، أو بين الأخيرة والحكومة”، مضيفاً أن وجود قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني وممثل “حزب الله” اللبناني في العراق محمد كوثراني، في بغداد منذ يومين، يضبط إيقاع الوضع ولن يجعله يتعدى التصريحات الإعلامية. لكن بالمحصلة نحن أمام ترضية للأطراف الخاسرة، قد تكون بجعل مقاعد الفتح ودولة القانون والقوى الأخرى الحليفة لإيران مثل “عطاء”، التابعة لزعيم الحشد فالح الفياض، مساوية لعدد مقاعد التيار الصدري”. مع العلم أن وكالة “رويترز” نقلت عن دبلوماسي غربي لم تسمّه، قوله أول من أمس إن قاآني يبحث عن طريقة لإبقاء حلفاء طهران في السلطة.
وحول النتائج الحالية أكدت مصادر مقربة من المفوضية أنها قد تتغير أيضاً خلال الساعات المقبلة بفارق مقعد إلى اثنين لكل كتلة زيادة أو نقصانا. وبينت المصادر، لـ”العربي الجديد”، أن المفوضية تراجع أصوات الصناديق التي حصلت فيها مشاكل فنية وحسابية، وهناك اجتماعات متواصلة في مكتب مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الانتخابات مهند نعيم. وأكدت أن ضغوطاً حزبية وسياسية تمارس على المفوضية من تحالفات وكيانات تعرضت لخسارة كبيرة وفقاً لنتائج الانتخابات، كما أن التهديدات التي تتعرض لها المفوضية من قادة في فصائل مسلحة أربكت المفوضين وقد تتسبب بإعلان نتائج مشكوك في مصداقيتها.
عضو البرلمان باسم خشان، وهو نائب مستقل فاز أيضاً في هذه الانتخابات، قال، لـ”العربي الجديد”، إن “الأحزاب والكيانات والفصائل الخاسرة في الانتخابات دخلت بحالة من الجنون، وباتت تمارس كل أشكال الضغط على الحكومة في سبيل تعديل النتائج لصالح الأحزاب”. وأوضح أن “غالبية المرشحين الخاسرين في الانتخابات اعترضوا، لا سيما بعد أن حصل تضارب بين أرقام المراقبين وما أعلن عنه في مفوضية الانتخابات، وهذا ما قاد الأحزاب إلى التصعيد ضد المفوضية. وقد تحول الصراع الآن بين قادة الأحزاب والفصائل وبين الحكومة والعاملين في المفوضية”، واصفاً الأوضاع بالمجمل بأنها “فوضى”.
العربي الجديد