تحضِّر طهران نفسها للعودة إلى مفاوضات فيينا، وهذا يعني رغبة طهران والولايات المتحدة بالعودة إلى المسار الدبلوماسي لحل خلافات الملف النووي الإيراني. لن تكون هذه المفاوضات سهلة، نظرًا للتغيير الذي حصل على مستوى الفريق التفاوضي الإيراني من جهة، واستمرار واشنطن بفرض العقوبات على طهران، من جهة أخرى. سوف يعكس علي باقري كني، مساعد وزير الخارجية الإيراني، والذي يُتوقع له أن يرأس وفد بلاده في فيينا، رؤية عملية جديدة تتبناها إيران اليوم، وهي التفاوض من أجل الحصول على نتائج عملية بشكل سريع. من الناحية الأخرى، يبدو أن الرئيس بايدن لم يتخلَّ بعد عن سياسة الضغط بالحد الأقصى ضد طهران، وفي ظل غياب الرغبة والقدرة على الحل العسكري، يعول بايدن على هذه الاستراتيجية في حال فشلت المفاوضات مع طهران.
تطرح هذه الورقة ثلاث فرضيات؛ الأولى: لم تحقق استراتيجية ترامب ضد طهران النتائج المرجوة، بل أظهرت هذه الاستراتيجية نتائج عكسية في الجانب الأمني والاقتصادي والتركيبة السياسية في طهران. الثانية: إن تلكؤ طهران في العودة إلى مفاوضات فيينا ينبع من عدم وجود ضمانات بعدم الانسحاب وفرض العقوبات الأممية مرة أخرى، بالإضافة إلى اختلاف في وجهات النظر حول مفهوم رفع كامل العقوبات وآلية التحقق من رفع العقوبات بشكل عملي. الثالثة: بعد فشل نظرية روحاني القائمة على تقديم تنازلات نووية عديدة للحصول على امتيازات اقتصادية، تتجه طهران إلى مفاوضات فيينا وهي تتبنى نظرية التخصيب المرتفع (60% وأكثر) للحصول على امتيازات أكثر مع شرط العملية، إن فشل مفاوضات فيينا سوف يدفع طهران نحو نظرية الردع الفعال وهو ما سيدخلها في نادي الدول النووية. بناء على ما تقدم، فقد قسمنا بحثنا هذا إلى ثلاثة محاور رئيسية نبحثها تباعًا.
1. سياسة الضغط بالحد الأقصى والنتائج المعكوسة
منذ انسحابها من الاتفاق النووي، فرضت الولايات المتحدة أكثر من 1733 نوعًا من العقوبات(1) التي استهدفت قطاع النفط والبنوك والأفراد والقطاع الجوي. هناك خلاف كبير حول مدى شمولية هذه العقوبات للجانب الإنساني والمساعدات الإنسانية. تدَّعي الولايات المتحدة أن هذا القطاع غير مشمول بالعقوبات، إلا أن تقريرًا لمركز أبحاث الكونغرس يظهر عدم الالتزام الكامل بهذا البند. يشير التقرير إلى أنه: “في فبراير/شباط 2020، أوضحت وزارة الخزانة أنه يمكن استخدام حسابات البنك المركزي الإيراني في الخارج للمشتريات الإنسانية دون التعرض لخطر العقوبات الأميركية، وأن التبرعات يمكن أن تذهب إلى الإيرانيين من المانحين الأميركيين. لم تصل الخطوات إلى مستوى الخطوات التي اتُّخِذت في الكوارث الطبيعية السابقة حيث قدمت الإدارة ترخيصًا عامًّا لمدة 90 يومًا للمبيعات إلى إيران. وعلى جانب آخر، فقد نجحت إدارة ترامب في إقناع أعضاء آخرين في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بوقف الموافقة على قرض طلبته إيران بقيمة 5 مليارات دولار لاستجابتها لجائحة كورونا”(2).
وتأتي هذه العقوبات ضمن مسمى “الضغط بالحد الأقصى” لإجبار طهران على إعادة التفاوض على الاتفاق النووي وملفات أخرى كبرنامجها الصاروخي والتدخل الإقليمي. على الرغم من التأثير القوي لهذه العقوبات على الشق الاقتصادي، إلا أن هذه العقوبات قد جاءت بنتائج عكسية في الجانب السياسي والجانب الأمني.
روبرت مالي بدوره، أقرَّ بفشل سياسة الضغط بالحد الأقصى، وقال: “خطوة إدارة ترامب أدت إلى مزيد من المتاعب بدلًا من تهدئة التوترات. من حق الشعب الأميركي أن يغضب من حقيقة أن السياسة التي جرى تصميمها للحفاظ على أميركا آمنة من خلال قتل قاسم سليماني وفرض حملة ضغط قصوى كانت نتيجتها بعد ثلاث سنوات أن أميركا أقل أمانًا لأن إيران لديها برنامج نووي أكثر اتساعًا ولأنها عجَّلت أنشطتها الإقليمية وكثَّفتها”(3).
وعلى الرغم من انتقادها لهذه السياسة ضد إيران، إلا أن إدارة بايدن بقيت مستمرة بتطبيق العقوبات على إيران ولم تتخفف من وطأتها على مدى الأشهر الماضية. فيما يلي تقييم لهذه السياسة وتأثيرها على مختلف الجوانب الإيرانية.
1.1. الجانب السياسي
لا يمكن القول بأن سياسة الضغط بالحد الأقصى التي اتبعها الرئيس ترامب ضد إيران قد حققت أهدافها من ناحية التركيبة السياسية في البلاد. فحتى آخر أيامه لم تتضح استراتيجية ترامب تجاه إيران هل هي مبتنية على محاولة إسقاط النظام أم أنها تهدف إلى الضغط عليه لتقديم تنازلات في الملفات الخلافية. ولكن ما هو واضح من الشروط الـ12 التي وضعها بومبيو، وزير خارجية ترامب، والاجتماعات الدورية التي عقدها جون بولتون، مستشار ترامب آنذاك، مع مجموعات المعارضة الإيرانية، والتصريحات المتكررة حول أن الجمهورية الإسلامية في طريقها إلى السقوط، يُظهر أن سياسة العقوبات كانت تهدف إلى نزع الشرعية عن الطبقة السياسية الحاكمة والدفع بالشعب إلى الشوارع لإسقاط النظام. ولكن لا يبدو أن أيًّا من هذه الأهداف قد تحقق، ويبدو أن التأثير انعكس فقط على التركيبة الحاكمة والشخصيات التي تسيطر على مفاصل الحكم في إيران.
تقول نانسي غالاغر، وهي مديرة مركز الدراسات الدولية والأمنية في جامعة ماريلاند (CISSM) والمشرفة على إجراء استطلاعات الرأي حول إيران: “لم يكن لحملة “الضغط الأقصى” التي أطلقها ترامب التأثير المطلوب على الرأي العام أو السياسة الإيرانية. انخفض عدد المستجيبين الذين وصفوا الظروف الاقتصادية بأنها “سيئة للغاية” من 45 بالمئة قبل الانسحاب الأميركي بفترة وجيزة إلى 40 بالمئة بحلول أكتوبر/تشرين الأول من العام التالي. بينما شدَّد ترامب الخناق عبر العقوبات، اشتدت المعارضة الشعبية للتنازلات؛ فعلى سبيل المثال، قال 69٪ من الإيرانيين في مايو/أيار 2017 إن بلادهم يجب ألا توافق على وقف تخصيب اليورانيوم لتجنب إعادة فرض العقوبات الأميركية. بحلول أغسطس/آب 2019، قال 75 في المئة: إن إيران يجب ألا تتخلى عن التخصيب لتخفيف العقوبات(4).
وانعكست هذه السياسات على الانتخابات الرئاسية لعام 2021 بشكل واضح وصريح، فسلوك طهران الداخلي والشعبي تغير لصالح التيار المحافظ؛ فقد أُيِّدت صلاحية 7 مرشحين فقط، وقام مجلس صيانة الدستور بردِّ صلاحية العديد من الوجوه المحسوبة على النظام من أمثال علي لاريجاني وإسحاق جهانغيري وأحمدي نجاد، الرئيس الإيراني السابق. ويُعتقد أن فوز رئيسي كان شبه حتمي حتى بمشاركة أسماء كبيرة من الإصلاحيين أو الأسماء المحسوبة على النظام، وذلك بسبب انفصال الإصلاحيين عن قواعدهم الانتخابية وتملصهم من مسؤولية تأييد حكومة روحاني التي لم تنشط في دورتها الثانية ولم تُظهر رغبة بالتحرك في سبيل الخروج من المأزق.
ويُعرب الإيرانيون عن اهتمامهم بقدرة المرشحين الرئاسيين على تحسين الاقتصاد أكثر من اهتمامهم بأيديولوجيتهم(5).
ويمكن أن نلخص الأسباب التي وفرت الدعم لرئيسي بالتالي:
عمله في السلطة القضائية والتركيز على ملف مكافحة الفساد. ومحاولة إظهار ملفات الفساد في المحاكمات العلنية.
مبادرات رئيسي الفردية (وإن كانت في بعض الأوقات خارج إطار عمله في السلطة القضائية) كزيارة المدن والقرى النائية ورفض سلطة البنوك الخاصة والعامة على المصانع التي تعاني من القروض والإفلاس وهو ما منع من تسريح كثير من الموظفين والعمال.
وجود تيار محافظ في المجتمع الإيراني يصوِّت بشكل مستمر للأصوليين الذين يدعون إلى التمسك بقواعد ومُثُل الثورة (بحسب تعبيرهم).
تقول وزارة الداخلية الإيرانية: إن 28.933.400 شخص صوَّتوا في الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة، وإن إبراهيم رئيسي فاز في الانتخابات بواقع 17.926.345 صوتًا. وكان قد أُعلن سابقًا أن 59 مليونًا و310 آلاف و307 أشخاص مؤهلون للتصويت في إيران، ووفقًا للعدد المعلن من قبل وزارة الداخلية فإن نسبة الإقبال في هذه الفترة الانتخابية تبلغ 48.8٪ وهي أقل نسبة إقبال في تاريخ انتخابات الجمهورية الإسلامية(6).
وترجع نسبة المشاركة المنخفضة إلى الردِّ الواسع للصلاحيات من قبل مجلس صيانة الدستور بالإضافة إلى انتشار جائحة كورونا. ومن الملاحظ في هذه الانتخابات أن مخالفي السياسات الحكومية قرروا الاعتراض داخل إطار النظام نفسه دون الخروج عليه.
فالأصوات الباطلة حلَّت في المرتبة الثانية بعد رئيسي بحيث جرى تسجيل ثلاثة ملايين و700 ألف صوت كأصوات باطلة، وهو ما يزيد على أصوات المرشحين الآخرين، وهو أعلى عدد ونسبة للأصوات الباطلة في تاريخ الانتخابات الرئاسية منذ نشوء الجمهورية الإسلامية الإيرانية(7).
لم يقتصر أثر العقوبات على ظهور التيار المحافظ في الانتخابات الرئاسية بل أثَّر على انتخابات مجلس الشورى ومجالس المدن؛ إذ أدى رفض ترامب للاتفاق النووي إلى إحداث ضربة في الدعم لروحاني (الذي اصطف خلفه تيار الاعتدال والإصلاحيون)، ويشير استطلاع الرأي في جامعة ميريلاند إلى أن نسبة تأييد روحاني انخفضت من 89 في المئة مباشرة بعد توقيع الاتفاق إلى 36 في المئة بعد عام من “الضغط الأقصى”(8).
السياسيون المعتدلون ذوو التوجهات الإصلاحية الذين يفضِّلون سياسة خارجية أكثر تصالحية والانخراط مع الغرب فقدوا مصداقيتهم. ارتفع الدعم الشعبي للمحافظين، مثل رئيسي وتياره، الذين يدَّعون الدفاع عن مُثُل ثورة 1979. كما شهدت كتلة السلطة الثالثة “الأمنيون”، الذين يريدون زيادة سيطرة الحرس الثوري الإسلامي على الشؤون الأمنية والاقتصادية والخارجية، تزايد الدعم الشعبي لسياساتهم المفضلة بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2019(9).
تاريخيًّا، كانت انتخابات الدورة الخامسة لمجلس الشورى الإسلامي والتي شارك فيها أكثر من 71٪ من الذين يحق لهم التصويت هي الأعلى نسبة من نوعها. في تلك الانتخابات كان هناك 34 مليونًا و763 ألف شخص مؤهلين للتصويت، وبلغ مجموع الأصوات المشاركة ما يقارب 24 مليونًا و682 ألف صوت، وأُجريت الانتخابات النيابية الخامسة في مارس/آذار 1996.
من ناحية أخرى، أقل نسبة مشاركة في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي الإيرانية مرتبطة بالولاية السابعة. أُجريت هذه الانتخابات في 22 فبراير/شباط 2004. بلغت نسبة إقبال الناخبين في هذه الانتخابات البرلمانية 51٪، 26 مليون ناخب، من إجمالي 46 مليون و350 ألف ناخب مؤهل، صوَّتوا في الانتخابات(10).
انتخابات الدورة الحادية عشرة لمجلس الشورى الإسلامي في 21 فبراير/شباط 2020، شارك في الانتخابات ما مجموعه 24 مليونًا و512 ألفًا و404 (48٪ نساء و52٪ رجال)، وكان 57 مليونًا و918 ألفًا و159 مؤهلين للتصويت. بلغت نسبة التصويت 42.57% من الناخبين المؤهلين، والتي سجَّلت أقل نسبة مشاركة مقارنة بالجولات السابقة. لابد من الإشارة إلى أنه قبل يومين من الانتخابات أعلِن عن وجود حالات إصابة بكورونا في البلاد.
التوجه السياسي لأعضاء مجلس النواب الحادي عشر هو كالتالي: 221 نائبًا محافظًا، وحوالي 19 إصلاحيًّا ومعتدلًا، و34 مستقلًّا، و11 في الجولة الثانية (حصل المحافظون على 8 دوائر انتخابية)، و5 أقليات دينية. نجح المحافظون في هذه الانتخابات في الحصول على أغلبية خاصة بأكثر من ثلاثة أرباع المقاعد، وهو ما لم يشهده البرلمان حتى الآن#a11.
ومن ناحية مجالس المدن فإن الأصوليين تمكنوا من السيطرة على مجالس المدن في أغلب المحافظات الإيرانية ولعل أهم هذه المجالس هو مجلس مدينة طهران؛ حيث تمكنت قائمة الأصوليين من السيطرة الكاملة على المجلس في ظل بروز أسماء كمهدي جمران وابنة قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري والتي أصبحت من الوجوه السياسية الأصولية في إيران.
ينظر النظام إلى توحيد الصفوف في مؤسسات الدولة على أنه السبيل الوحيد لمواجهة العقوبات الأميركية ومواجهة سياسة الضغط بالحد الأقصى. فتوحيد القرار السياسي والاقتصادي قد يدفع البلاد للخروج من المأزق الذي تعيشه. وتنطلق هذه العملية من الحد الأدنى للأدوات الديمقراطية المتاحة في الجمهورية الإسلامية، ويهدف النظام من هذه العملية إلى توحيد الصوت الخارج من طهران باتجاه الغرب والتخلص من البوابة الإصلاحية المرنة في الحوار والتفاوض.
يسيطر “الطالب المشاغب” اليوم على كافة مفاصل الحكم في إيران من مجلس الشورى إلى السلطة القضائية إلى مجالس المدن إلى رئاسة الجمهورية، ولذلك فإن التنسيق أصبح واجبًا بين هذه المفاصل الحكومية ولم يعد هناك صراع أجنحة يسبب التلكؤ. وعلى ما يبدو، فإن هذا التيار قد نجح بقيادة رئيسي في تجاوز الامتحان الأصعب وهو امتحان كورونا. تضاعف التطعيم في الأيام القليلة الماضية مقارنة بالأيام الأخيرة لإدارة روحاني ووصل إلى أكثر من مليون ومئة ألف جرعة في اليوم. وزاد التسجيل لأخذ اللقاح أيضًا من 130.000 جرعة إلى أكثر من 500.000. من ناحية أخرى، بينما جرى استيراد إجمالي 26.6 مليون لقاح إلى البلاد خلال 7 أشهر من حكومة روحاني، ففي أسبوعين من تسلم رئيسي، جرى استيراد أكثر من 18 مليون جرعة من لقاحات كورونا إلى البلاد(12).
ويبدو أن إيران في طريقها إلى تحقيق الهدف المطلوب من التطعيم وهو تطعيم ما يقارب 60 مليون شخص وقد تكون هذه الوعود محققة خلال أسابيع قليلة. وأسهمت حملة التطعيم هذه بخفض عدد الوفيات من أكثر من 600 شخص في شهر أغسطس/آب إلى ما يقارب 200 شخص في شهر أكتوبر/تشرين الأول. ويعيب البعض على حكومة روحاني ادعاءها بأن عدم إقرار إف إيه تي إف (FATF) هو السبب الحائل دون استيراد اللقاحات(13).
على الجانب الآخر، قال مركز استطلاع الرأي للطلاب (إيسبا): 53.2% من المستطلعين يعتقدون أن أداء حكومة الرئيس رئيسي سيكون أفضل من أداء الحكومة السابقة و9.6٪ قالوا إنها ستؤدي إلى الأسوأ. 21% يعتقدون أن لا فرق بين الحكومتين. وبحسب نتائج الاستطلاع، فإن لدى الناس أملًا مرتفعًا في التطعيم العام بحلول فبراير/شباط وأملًا أقل في الوعد برفع العقوبات والسيطرة على التضخم. النسبة المئوية للأشخاص الذين يعتقدون أنه سيجري الوفاء بالوعود التي أطلقتها حكومة رئيسي جاءت كالتالي:
– تطعيم كل الناس حتى فبراير/شباط: 70.8٪
– محاربة جادة للفساد: 58٪.
– حل مشاكل المناطق المحرومة في البلاد مثل سيستان وبلوشستان وخوزستان: 55.9٪.
– ازدهار الإنتاج وخلق فرص العمل: 52.3٪.
– بناء مليون منزل سنويًّا: 47.7٪.
– ضبط التضخم: 39.9٪.
– رفع العقوبات: 36.8٪.
بينما يعتبر 51.1٪ من الناس أن شعبية رئيسي في المجتمع مرتفعة و22.2٪ منخفضة و16.3٪ معتدلة(14).
1.2. الجانب الاقتصادي
بعد رفع العقوبات الأممية عن طهران، لمس عدد قليل من الإيرانيين العاديين فوائد اقتصادية من الدبلوماسية النووية. في يناير/كانون الثاني 2018، بحسب استطلاع لجامعة ميريلاند، قال ثلاثة من كل أربعة: إن “الظروف المعيشية للناس لم تتحسن” نتيجة خطة العمل الشاملة المشتركة. اعتقدت الغالبية العظمى أن الوضع الاقتصادي العام لإيران كان سيئًا (69٪) وأنه يزداد سوءًا (58٪)(15).
تحمَّل سوء الإدارة المحلية والفساد الكثير من اللوم، لكن ما يقرب من الثلث ما زال يرى أن العقوبات الأجنبية هي المشكلة الرئيسية. قال ما يقرب من ثلاثة أرباع عدد المستجيبين للاستطلاع: إن الدول الأوروبية كانت تتحرك بشكل أبطأ مما يمكنها في التجارة والاستثمار مع إيران، وأشارت الغالبية العظمى منهم إلى الضغط أو الخوف من الولايات المتحدة باعتباره السبب الرئيسي لتردد أوروبا، وليس بيئة الأعمال الإيرانية الضعيفة. عندما سئلوا مؤخرًا عن الجهود الأوروبية لحماية الشركات التي تتاجر مع إيران من العقوبات الثانوية الأميركية، لم يعتقد 48 بالمئة من المستجيبين أن الحكومات الأوروبية تتخذ مثل هذه الخطوات، ووصفها 26 بالمئة بأنها “قليلة جدًّا ومتأخرة جدًّا”، وقال 22 بالمئة فقط إنها كانت مفيدة.
إن إعادة فرض العقوبات الأميركية لم يؤدِّ في الواقع إلى زيادة التشاؤم الاقتصادي. في ديسمبر/كانون الأول 2019، قال 73٪: إن الاقتصاد كان سيئًا، و56٪ يعتقدون أنه يزداد سوءًا، تقريبًا كما كانت الحال عليه قبل عامين. ألقى 56 في المئة باللوم بشأن الاقتصاد السيء على سوء الإدارة المحلية والفساد، بينما ألقى 39 في المئة باللوم على العقوبات. هذا يقوِّض ادعاء إدارة ترامب بأن الاحتجاجات التي أعقبت القرار المفاجئ للحكومة برفع أسعار الوقود (ثلاثة أضغاف) تظهر أن العقوبات تتسبب في زيادة الاستياء الاقتصادي بسرعة، لذلك يجب على النظام الإيراني تلبية قائمة طويلة من المتطلبات الأميركية لتخفيف العقوبات، أو مواجهة ثورة شعبية(16).
ولمعرفة النتائج لسياسة ترامب، يجب النظر إلى المؤشرات الاقتصادية للاقتصاد الإيراني وإعطاء تقييم لها.
1.2.1. قطاع النفط
تعتبر إيران واحدة من أهم الدول في مجال الطاقة عالميًّا؛ حيث تستحوذ على 27% من الاحتياطيات العالمية من النفط والغاز، بواقع 9% من الاحتياطي النفطي و18% من احتياطي الغاز الطبيعي. وتبلغ الاحتياطيات المؤكدة من نفط إيران 155 مليار برميل، واستطاعت طهران قبل عقوبات إدارة ترامب، أن ترفع إنتاجها من النفط إلى 3.8 ملايين برميل يوميًّا. ووفقًا لمنظمة أوبك، فقد وصلت صادرات إيران في بدايات 2018 إلى مليونين ومئة ألف برميل يوميًّا، وتؤمِّن هذه الصادرات عائدات مالية ضخمة وصلت إلى 52 مليار دولار خلال العام 2017، ويمثل هذا الرقم تقريبًا نصف العائدات الإجمالية من الصادرات الإيرانية، ويعتمد اقتصاد البلاد على 60% من عائدات قطاع الطاقة. وتشكِّل الدول الآسيوية تقريبًا 70% من مستوردي النفط الإيراني، ثم تأتي دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 20%. وتعد الصين في مقدمة مستوردي النفط الإيراني حيث استوردت 26% من صادرات النفط الإيراني خلال العام 2017، وتأتي الهند بالمرتبة الثانية بنسبة 23%(17).
إن قطاع النفط كان -ولا يزال- أكثر القطاعات تضررًا من العقوبات الأميركية؛ إذ قال الرئيس السابق، روحاني، في سبتمبر/أيلول 2020: “إن إجمالي الخسائر الناجمة عن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة منذ عام 2018 بلغ 150 مليار دولار”. وقال نائبه في شهر يوليو/تموز إن بلاده تكبدت أكثر من 100 مليار دولار في قطاع النفط(18). لا توجد إحصائية دقيقة تشير بشكل واضح إلى معدلات صادرات النفط أو الضرر الذي تسببت به عقوبات الضغط بالحد الأقصى ضد طهران، وذلك لأن طهران تعتبر هذه الإحصائيات إحصائيات سرية لا يمكن البوح بها وذلك للحفاظ على طرق الالتفاف على العقوبات التي طورتها طهران منذ عام 2018 والتي تمثلت بعمليات نقل النفط من سفينة إلى سفينة أو من خلال إغلاق الرادارات في المياه الدولية(19).
1.2.2. أصول النقد الأجنبي المتاحة
في أحدث تقرير له عن الوضع الاقتصادي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، قال صندوق النقد الدولي: إن احتياطيات النقد الأجنبي المتاحة في إيران تراجعت من 122.5 مليار دولار في 2018 إلى 4 مليارات دولار في 2020. ويضيف التقرير، الذي نُشر على الموقع الإلكتروني لصندوق النقد الدولي، 12 أبريل/نيسان، أن متوسط احتياطيات النقد الأجنبي المتاحة للجمهورية الإسلامية بين عامي 2000 و2017 بلغ نحو 71 مليار دولار. وقد ارتفع هذا الرقم إلى حوالي 122.5 مليار دولار في 2018، ثم انخفض إلى 12.4 مليار دولار في 2019، وأخيرًا إلى 4 مليارات دولار في العام 2020(20)، وقد ردَّ محافظ البنك المركزي الإيراني، بسرعة على هذه الإحصائية، واصفًا إياها بالخاطئة.
بعد احتجاج البنك المركزي ضد صندوق النقد الدولي، أعلنت العلاقات العامة للبنك المركزي بعد أيام قليلة أن الصندوق أعلن في رسالة بريد إلكتروني رسمية إلى البنك المركزي عن تعديل الرقم السابق لاحتياطيات النقد الأجنبي حيث بلغت 115 مليار دولار(21).
ينتج هذا التضارب في الأرقام خصوصًا بين تقارير صندوق النقد الدولي وتقارير البنك المركزي الإيراني، من الحفاظ على سرية الأصول الإيرانية في الخارج وحجم الذخائر النقدية وذلك لحمايتها من استهدافها عبر العقوبات. ولكن ما هو واضح هو أن إيران تستطيع الوصول إلى 10 بالمئة فقط من أصولها الخارجية، كما توقع صندوق النقد أن ترتفع نسبة الاحتياطيات المتاحة لعام 2021 لما يقارب 12.2 مليار دولار أي بنسبة ارتفاع تقدر بـ8.2 مليارات دولار، وسيبلغ هذا الرقم لعام 2022 ما يقارب 21 مليار دولار(22).
1.2.3. التضخم
في بداية حكومة روحاني الأولى، في أغسطس/آب 2013، بلغ معدل التضخم النقطي 43.1٪؛ لكن الإشارة القوية للغاية من الرئيس للشعب بالاتفاق مع العالم والرفع الكامل للعقوبات تسببت في جو من الهدوء والاستقرار في الاقتصاد وانخفضت توقعات التضخم بسرعة؛ مما أدى إلى معدل تضخم نقطي مع نهاية السنة الفارسية في مارس/آذار 2013 عند 19.5 بالمئة. بالتزامن مع مايو/أيار 2018 وإعلان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، كان معدل التضخم النقطي عند مستوى 9.7 في المئة؛ لكن في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وصل معدل التضخم إلى 39.9٪(23).
بلغ معدل التضخم السنوي للأسر في إيران ما يقارب 45.8 في المئة، في سبتمبر/أيلول 2021، مما يظهر زيادة قدرها 0.6 نقطة مقارنة بنفس المعلومات في الشهر السابق. كما يبلغ معدل التضخم السنوي للأسر الحضرية والريفية 45.1٪ و7.1٪ على التوالي، وزاد بنسبة 0.6 نقطة مئوية للأسر الحضرية وبنسبة 1 نقطة مئوية للأسر الريفية(24).
1.2.4. النمو الاقتصادي
كان متوسط النمو الاقتصادي لحكومة روحاني على مدى ثماني سنوات 1.2 في المئة فقط، وهو أدنى رقم بين الحكومات السابقة. كما كان متوسط النمو الاقتصادي بدون النفط في السنوات الثمانية الماضية 1.3 في المئة فقط، وهو ما يمثل كارثة مقارنة بالحكومات السابقة الأخرى. كان متوسط نمو الدخل القومي للبلاد في السنوات الثمانية لحكومة روحاني سالب 1.8 في المئة(25).
1.2.5. قيمة العملة الوطنية
حدثت أكبر صدمة للعملة في العقود الأربع الماضية في حكومة حسن روحاني. تزامنت الولاية الأولى لرئاسة حسن روحاني مع توقيع الاتفاق النووي واستقرار مؤشرات الاقتصاد الكلية، وهي فترة يستقر فيها الدولار نسبيًّا. كان سعر صرف الدولار في عام 2014 حوالي 3200 تومان، وحتى منتصف عام 2016 كان سعر تداول الدولار في السوق أقل من 4000 تومان.
ولكن بعد أن تولَّى دونالد ترامب منصبه وتزايد عدم اليقين، بدأ الدولار في الارتفاع في أواخر عام 2017 وأوائل عام 2018. في منتصف العام 2018، حقق الدولار رقمًا قياسيًّا وارتفع إلى 18 ألف تومان. تكررت هذه الصدمة في عام 2020، فبعدما بلغ سعر الدولار 14 ألف تومان في بداية عام 2020، ارتفع إلى 30 ألف تومان في منتصف العام 2020، وفي نهاية 2020 وصل سعره إلى 24 ألف تومان(26). بعبارة أبسط، لقد بلغ ارتفاع قيمة الدولار أمام الريال الإيراني في عهد الرئيس روحاني ما يقارب 630 بالمئة، نتج هذا الارتفاع بالطبع عن الضغوط والعقوبات التي استهدفت كافة مرافق الاقتصاد.
إن سياسة الضغط بالحد الأقصى وتدهور الأوضاع الاقتصادية انعكست سلبًا على رؤية الشعب الإيراني نحو إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إدارة بايدن الجديدة. فبحسب مركز إيسبا، سُئل المواطنون الإيرانيون: إلى أي نتيجة تأمل أن تنتهي محادثات الاتفاق النووي؟ بحسب نتائج الاستطلاع، قال 31.8٪ من المواطنين إنهم لا يأملون في اختتام مفاوضات الاتفاق النووي على الإطلاق. 13.1٪ منهم متفائلون بشكل قليل و22.7٪ يأملون بدرجة متوسطة بإحياء الاتفاق النووي. 15٪ فقط من الناس لديهم آمال كبيرة أو كبيرة جدًّا في اختتام مفاوضات الاتفاق النووي. 17.5٪ لم يجيبوا على هذا السؤال(27).
كما أن سياسة الضغط بالحد الأقصى جنبًا إلى جنب رؤية روحاني الاقتصادية المنحصرة بالغرب، دفعت التيار المحافظ المسيطر إلى تغيير تلك النظرة والحديث عن الاقتصاد المقاوِم الذي يعتمد على الإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي.
على سبيل المثال، قال أكثر من ثلثي المستجيبين (69 بالمئة) في استطلاع الرأي لجامعة ميريلاند أن إيران يجب أن تسعى جاهدة لتحقيق الاكتفاء الاقتصادي بدلًا من زيادة التجارة، في حين أن حوالي النصف فقط (53 بالمئة) اتخذوا هذا الموقف في يوليو 2014، عندما كانت المفاوضات جارية للتوصل إلى الاتفاق النووي(28).
ومع تشديد الخناق على طهران تتجه طهران نحو أسواق أخرى. فقد حصلت إيران على العضوية الدائمة في منظمة شنغهاي للتعاون، في سبتمبر/أيلول 2021. وعلى الرغم من أن عملية تفعيل هذه العضوية تحتاج إلى مدة تصل إلى عام ونصف (بحسب الدكتورة فاطمة الصمادي)(29) فإن هذه العضوية تعتبر رمزًا لانتصار حكومة رئيسي حديثة الولادة والتي لم يمر على ولادتها أكثر من شهرين. من خلال اقتراح تشكيل نادي الطاقة التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون، تسعى إيران إلى فتح باب الانضمام إلى المنظمة ولعب دور في سوق الطاقة المليء بالتحديات، فضلًا عن عبور سياج العقوبات الاقتصادية الغربية ضد قطاع الطاقة الإيراني(30). كما يوفر انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي حضورًا مهمًّا في المعادلات الإقليمية والدولية بالإضافة إلى التعاون في القطاع المصرفي ويؤمِّن لها توسعة ووصولًا إلى سوق الطاقة(31).
إن فشل تجربة روحاني مع الغرب دفعت طهران للترويج إلى سياسة التوجه نحو الشرق وهي سياسة فاعلة بشرط ألا يقتصر هذا النهج على الصين؛ إذ ينبغي القيام بتفعيل اتفاقيات مع الكتلة الغربية وروسيا والهند والجيران الجنوبيين والقوى الإقليمية والاقتصادية الأخرى(32). إذا ما أرادت طهران بناء استراتيجية اقتصادية قوية عليها الارتباط بكافة دول العالم والتوجه نحو الاقتصاد المفتوح، وعلى طهران أن تتبع النموذج الصيني في إدارة الصراع مع الولايات المتحدة. فعلى الرغم من تعدد ساحات الصراع الاقتصادي والسياسي والعسكري، إلا أن الولايات المتحدة والصين على تواصل دائم. على الطرف الآخر، فإن طهران يجب ألا تنسى أن الشركات الصينية خرجت من الاستثمار في مشاريع النفط الإيرانية مباشرة بعد تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على أية شركة تتعاون مع طهران، وأبرز الأمثلة على هذه الشركات شركة “سي إن بي سي” التي انسحبت من عقد تطوير المرحلة 11 من حقل جنوب بارس الضخم. وكذلك انسحاب الشركة نفسها من العقد الموقع مع الحكومة الإيرانية لتطوير حقل “آزادغان”(33).
1.3. القضاء على الطبقة المتوسطة القادرة على التغيير
في السنوات الخمس عشرة التي سبقت عقوبات أوباما عام 2011، ضاعف النمو الاقتصادي المستدام الناتج المحلي الإجمالي للفرد وانتشل الملايين من براثن الفقر وانتقلوا إلى الطبقة الوسطى. كان هذا التحول نتاجًا للإصلاحات القائمة على السوق بعد نهاية الحرب مع العراق، والاستثمار العام المنحاز للريف في البنية التحتية والتعليم والصحة، وارتفاع أسعار النفط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
خلال نفس الفترة، تظهر بيانات المسح أن متوسط مستويات المعيشة في المناطق الحضرية، موطن الطبقة الوسطى، قد تضاعف أكثر. وفقًا لعتبة الدخل المقبولة على نطاق واسع (الإنفاق الفردي فوق 11 دولارًا أميركيًّا يعادل القوة الشرائية، أو ضعف خط الفقر الذي حدده البنك الدولي وهو 5.5 دولارات للبلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى). نمت الطبقة الوسطى في إيران خلال هذه الفترة بسرعة من 28 في المئة إلى 60 في المئة من السكان، الغالبية ترتفع من صفوف الفقراء، الذين انخفضت نسبتهم من 33 في المئة إلى 7 في المئة (انخفضت الطبقة المتوسطة الدنيا من 38 إلى 32 في المئة وضاعفت فئة الدخل الأعلى حصتها من 1 إلى 2 في المئة)(34).
على الرغم من أن عقوبات الأمم المتحدة وعقوبات أوباما على قطاعي النفط والبنوك في عهد أحمدي نجاد لم تضعف الحكومة التي يهيمن عليها الإسلاميون، إلا أنها أضعفت الطبقة الوسطى مرة أخرى وجعلتها غارقة في احتياجات البقاء، جنبًا إلى جنب سياسة الدعم الاقتصادي والتوتر مع المجتمع الدولي بحيث اتجهت نحو تهميش المشاركة في السلطة السياسية(35).
لقد جاء صعود روحاني نتيجة لمزيج مجموعة من العوامل أهمها أن سياسة أوباما العلنية لم تكن تدعو إلى إسقاط النظام وإنما كانت في سبيل الضغط للجلوس على طاولة المفاوضات، كما أسهم التهميش السياسي والاقتصادي الذي عاشته الطبقة الوسطى بعد أحداث الحركة الخضراء، في 2009، بدعم روحاني على نطاق واسع؛ إذ إن الوعود بإجراء مفاوضات ورفع العقوبات دفعت الطبقة الوسطى للتحرك لدعم هذا الاتجاه في محاولة منها للعودة إلى المشهد السياسي للبلاد. لقد وفَّرت الظروف المستقرة في البلاد المشاركة السياسية للطبقة المتوسطة في رسم خطوط التجارة والاقتصاد في البلاد، وهذا ما أسهم في إعادة انتخاب روحاني مرة أخرى في العام 2017 وبنسبة أكبر من 2013(36). لقد دمرت سياسة ترامب الطبقة المتوسطة وهمشتها فأصبحت الغالبية العظمى هي من الطبقة المتوسطة السفلى والتي تبحث اليوم عن مصادر الدخل وتحقيق الحد الأقل اللازم للعيش، وهو ما أقصاها بشكل واضح عن المشهد السياسي في إيران سواء بالانتخابات البرلمانية أو الانتخابات الرئاسية حيث شهدت إيران، كما ذكرنا أعلاه، انخفاضًا في الأعداد المشارِكة في التصويت.
وعلى العكس تمامًا، فقد ازدادت أموال الطبقة الثرية وتوسعت ثرواتهم على حساب الفقراء ذوي الدخل المحدود. حيث نشرت مجلة فوربس مؤخرًا تقريرًا عن الزيادة المذهلة في عدد “أصحاب الملايين الإيرانيين” الذي يتزامن مع التراجع العام في مستويات الدخل في إيران. في الواقع، يوجد في إيران الآن فئة صغيرة جدًّا من “فاحشي الثراء” وطبقة كبيرة جدًّا من “الفقراء المطلقين”.
وبحسب المجلة، في عام 2020، ارتفع عدد أصحاب الثروات الكبيرة في إيران بنسبة 21.6٪، بينما بلغ متوسط نمو هذه المجموعة من الأثرياء في العالم في نفس الفترة 6.3٪ فقط(37).
الطبقة المتوسطة اليوم تشهد ضغوطًا داخلية كذلك من قبل التيار المحافظ، التيار الذي ينظر إلى التقدم التكنولوجي على أنه تهديد للأمن القومي ويتجه بالتالي نحو تقييده. أعضاء البرلمان الإيراني أقرُّوا قانون حماية الفضاء الإلكتروني والذي يستهدف بطريقة أو أخرى الطبقة المتوسطة التي لديها أكثر من مليوني فرصة عمل مرتبطة بالإنترنت. نعتقد بأن الأوان لم يفت بعد لترميم هذه الطبقة وإعادة دورها المحوري في تغيير المشهد السياسي في إيران والدفع بعولمة إيران أكثر وأكثر.
1.4. التناسب الطردي بين العنف في مياه الخليج وزيادة الضغط على طهران
يبدو أن هناك تناسبًا طرديًّا بين تشديد الضغط على طهران وحرب الناقلات في مياه الخليج خلال الفترة الممتدة بين إعلان البيان المشترك للدول المشاركة في المفاوضات حول الاتفاق النووي في مدينة لوزان بتاريخ 2 أبريل/نيسان 2015 ولغاية 12 مايو/أيار 2019؛ حيث لم تشهد مياه الخليج أية عمليات عسكرية ضد ناقلات النفط أو السفن التجارية خلال هذه الفترة(38). المعضلة بدأت مع انسحاب الرئيس الأميركي، ترامب، من الاتفاق النووي بتاريخ 8 مايو/أيار 2018. ومن ثم فرض الولايات المتحدة عقوبات قاسية على إيران. لم يوضح الرئيس ترامب وإدارته الأسباب القانونية لهذا الانسحاب واكتفى بإطلاق أوصاف عامة “ليس لها أثر قانوني”، على الاتفاق واصفًا إياه بأنه أسوأ صفقة وقَّعتها بلاده. من الناحية القانونية، أشارت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لالتزام إيران بمفاد خطة العمل الشاملة دون خرقها إلى تاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2019(39)، أي ما يقارب 18 شهرًا منذ انسحاب الولايات المتحدة.
في الجدول التالي تاريخ مختصر لحرب السفن في مياه الخليج العربي منذ العام 2002 إلى الآن.
التاريخ
الحادثة
4 يناير/كانون الثاني 2002
اعترضت قوات الدفاع الإسرائيلية السفينة كارين إيه المتجهة إلى السلطة الفلسطينية وكانت محمَّلة بخمسين طنًّا من الأسلحة الهجومية(40).
3 نوفمبر/تشرين الثاني 2009
قال مسؤولون إسرائيليون، يوم الأربعاء: إن قوات كوماندوز تابعة للبحرية الإسرائيلية احتجزت سفينة تحمل مئات الأطنان من الأسلحة التي زودتها إيران، بما في ذلك صواريخ يمكن أن تضرب مدنًا إسرائيلية، بحوزة جماعة حزب الله اللبنانية(41).
5 مارس/آذار 2014
البحرية الإسرائيلية اعترضت صباح الأربعاء في البحر الأحمر سفينة تحمل “شحنة إيرانية من الأسلحة المتطورة” كانت متجهة إلى قطاع غزة(42).
12 مايو/أيار 2019
تعرضت ناقلتا نفط سعوديتان وثالثة نرويجية وأخرى إمارتية لاستهداف قبالة سواحل الفجيرة في الإمارات.
13 يونيو/حزيران 2019
تعرضت ناقلتا نفط إحداهما يابانية لهجوم في خليج عُمان. تزامنت هذه الهجمات مع زيارة رئيس الوزراء الياباني السابق، شينزو آبي، إلى طهران حاملًا معه مشروع تهدئة بين واشنطن وطهران.
20 يونيو/حزيران 2019
إيران تستهدف طائرة أميركية مسيَّرة من طراز “آركيو-4 غلوبال هوك” بحجة انتهاك المجال الجوي الإيراني.
4 يوليو/تموز 2019
تقوم القوات البريطانية باحتجاز ناقلة نفط إيرانية، بحجة انتهاكها للعقوبات المفروضة على سوريا.
18 يوليو/تموز 2019
ادَّعى ترامب إسقاط مسيَّرة إيرانية فوق مضيق هرمز ولكن السلطات الإيرانية نفت هذه الحادثة.
19 يوليو/تموز 2019
احتجزت طهران ناقلة نفط بريطانية أثناء عبورها مضيق هرمز، جاء هذا الاحتجاز بعد ساعات على قرار سلطات جبل طارق تمديد احتجاز السفينة الإيرانية(43).
16 سبتمبر/أيلول 2019
الحرس الثوري يحتجز سفينة مع أفراد طاقمها كانت متجهة إلى الإمارات بحجة تهريب أكثر من 250 ألف لتر من الديزل.
11 أكتوبر/تشرين الأول 2019
أعلنت طهران تعرض إحدى ناقلات النفط التابعة لها لهجوم قبالة السواحل السعودية.
9 مايو/أيار 2020
أدى هجوم إلكتروني إلى تعطيل أجهزة الكمبيوتر الخاصة بمراقبة الحركة البحرية في مجمع ميناء رجائي في بندر عباس، كما أدى إلى تعطيل الأنشطة في محطة الميناء بشدة(44).
24 فبراير/شباط 2021
تعرضت سفينة “إم في هيليوس راي” (MV Helios Ray) الإسرائيلية للاستهداف بصاروخين في خليج عدن، عندما كانت في طريقها إلى سنغافورة من الدمام السعودية، مما أدى لحدوث انفجار فيها، لكن طهران نفت مسؤوليتها.
10 مارس/آذار 2021
أكدت شركة الملاحة البحرية الإيرانية أن سفينة الحاويات “شهركرد” تعرضت لأضرار في هجوم بالبحر المتوسط، تمثَّل بشحنة متفجرة تسببت في حريق صغير، دون أن يُصَاب أحد على متنها.
25 مارس/آذار 2021
أعلنت تل أبيب أن سفينة شحن مملوكة لشركة إسرائيلية أُصيبت بصاروخ في بحر العرب أحدث بها أضرارًا، فيما يُشتبه أنه هجوم إيراني، وكانت في طريقها من تنزانيا إلى الهند.
6 أبريل/نيسان 2021
تعرضت سفينة “إيران ساويز” لاستهداف بألغام لاصقة في البحر الأحمر أسفر عن أضرار طفيفة، وهي تتولى مهمة إسناد قوات الكوماندوز الإيرانية العاملة في حماية السفن التجارية.
13 أبريل/نيسان 2021
تعرضت سفينة إسرائيلية لهجوم بصاروخ قبالة سواحل الإمارات بالخليج العربي، أُطلق من سفينة أو طائرة مسيرة.
24 أبريل/نيسان 2021
تعرضت ناقلة نفط تابعة لإيران قرب ميناء بانياس في طرطوس السورية لهجوم أدى لاندلاع حريق في أحد خزاناتها مما تسبب في مقتل 3 أشخاص.
2 يونيو/حزيران 2021
أعلنت البحرية الإيرانية غرق سفينة حربية قرب ميناء جاسك المطل على خليج عُمان جنوبي البلاد جرَّاء حريق لم تُعرف أسبابه.
29 يوليو/تموز 2021
تعرضت الناقلة ميرسر ستريت -التي تشغِّلها شركة “زودياك ماريتايم” (ZODIAC MARITIME) المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي- لهجوم قبالة سواحل عُمان، مما أدى لمقتل اثنين من طاقمها، روماني وبريطاني، وفق بيان الشركة.
3 أغسطس/آب 2021
نقلت وسائل إعلام غربية عن مصادر أمنية أنها تعتقد أن قوات مدعومة من إيران استولت على سفينة قبالة ساحل الإمارات في خليج عُمان. أُفرِج عن هذه السفينة مباشرة بعد الحادثة(45).
ما تظهره البيانات الواردة في الجدول أعلاه هو أن مرحلة الالتزام بالاتفاق النووي شهدت هدوءًا تامًّا في مياه الخليج. إذا ما قمنا باستثناء عملية احتجاز قاربين أميركيين نفذتها القوات العسكرية الإيرانية (واللذان أُطلق سراحهما خلال أقل من 24 ساعة)، فإن المنطقة لم تشهد أي هجوم ضد ناقلات النفط أو السفن التجارية. بعد فرض العقوبات بالحد الأقصى، شهدت مياه الخليج هجمات عديدة ضد ناقلات النفط كما تحولت هذه المنطقة إلى ساحةِ حربِ ظلٍّ ساخنة بين إسرائيل وإيران. تعمَّد الطرفان في حروب الظل هذه، إصابة السفن دون إغراقها كما تعمَّدا عدم استهداف الطواقم البشرية. جرت أغلب العمليات عن طريق زرع ألغام على جوانب السفن أو من خلال صواريخ موجهة. إلا أن الهجوم الأخير على سفينة “ميرسر ستريت” الإسرائيلية اختلف، من حيث الشدة حيث سعى إلى إزهاق أرواح، كما اختلف كذلك من حيث الوسيلة؛ حيث يجري الحديث هذه المرة عن طائرة مسيرة إيرانية الصنع، قامت بتنفيذ عملية انتحارية ضد السفينة التجارية. وهذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها القوات الإيرانية هذا النوع من الوسائل. وهذا إن دلَّ على شيء فهو يدل على أن الطائرات الإيرانية المسيَّرة دخلت وبقوة في المنظومة العسكرية الإيرانية(46). كخلاصة، نلاحظ تناسبًا طرديًّا بين تشديد العقوبات والهجمات ضد السفن في المياه الدولية والخليجية، حتى خلال الفترة الممتدة بين عامي 2002 و2014 لم تشهد المنطقة سوى ثلاث حالات أغلبها كان اعتراض إسرائيل لسفن إيرانية محملة بالسلاح (أي لم تكن هناك هجمات متبادلة)، ولكن كلما اشتدت العقوبات على طهران اشتدت الهجمات العسكرية ضد السفن التجارية وناقلات النفط.
أما تزايد العنف في الداخل، فقد انعكس تأثير العقوبات الأميركية على موارد الدخل للحكومة الإيرانية، ومع تراجع عائدات النفط الإيرانية، اتجهت حكومة روحاني إلى بدائل أخرى تركز معظمها حول الضرائب ورفع أسعار البنزين. أدى اتخاذ الحكومة رفع أسعار البنزين إلى ثلاثة أضعاف إلى نزول المتظاهرين من الطبقة الفقيرة إلى الشوارع للاحتجاج. ما يميز هذه الاحتجاجات هو العنف المتبادل بين المتظاهرين وقوات الشرطة. لا توجد إحصائية واحدة معتمدة عن عدد الضحايا من قوات الشرطة ومن المتظاهرين أو حتى عن الأملاك العامة والخاصة التي جرى تخريبها خلال هذه المظاهرات. ولكن الشيء المؤكد هو ارتفاع نسبة العنف بشكل كبير للغاية خلال هذه المظاهرات بحيث وصفها المدير المسؤول عن صحيفة جوان الأصولية، المقربة من الحرس الثوري، بأنها الأعنف منذ انتصار الثورة، ويقول عبد الله غنجي: إن عدد القتلى هو أكثر بالتأكيد من عدد قتلى أحداث الحركة الخضراء في العام 2009(47).
2. نقاط الخلاف من منظور إيراني
بعد أن رفضت طهران طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية نصْبَ كاميرات في موقع كرج، تبين أن أي اتفاقات جرى التوصل إليها بين الوكالة وطهران هي اتفاقات سياسية مرحلية خارج إطار خطة العمل المشتركة وهي تندرج ضمن مساعي طهران للحيلولة دون صدور قرار ضدها في مجلس محافظي الوكالة.
11مؤتمر صحفي لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي في العاصمة الإيرانية طهران(المصدر: وكالة الأناضول)
مع قدوم إدارة بايدن توقع البعض عودة سلسة إلى الاتفاق النووي، إلا أن مسألة من سيُقدم على الخطوة الأولى من جهة، والمفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وطهران في فيينا وتعليق المفاوضات لحين استقرار الحكومة الإيرانية الجديدة من جهة أخرى، جعلت الملف النووي الإيراني معلَّقًا في الهواء.
على الرغم من أن إدارة بايدن تدَّعي أنها تمتلك استراتيجية للتعامل مع ملف طهران النووي إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك تمامًا. فالإدارة كانت مترددة للغاية في مسألة إظهار حُسن النية بعد الانسحاب الأحادي الذي أقدم عليه ترامب. لم تتخذ الإدارة خطوات عملية في سبيل تلطيف الأجواء مع إيران خصوصًا في مسألة إعطاء الضوء الأخضر لكل من اليابان وكوريا الجنوبية والعراق لدفع ديونها المستحقة لإيران والتي تبلغ تقريبًا 10 مليارات دولار، طالب بها فيما بعد وزير الخارجية الإيراني، عبد اللهيان، كبادرة حسن نية من الولايات المتحدة. ولم تتحرك الإدارة في الملف الإنساني لرفع بعض العقوبات المتعلقة بالقطاع الصحي أو السماح لطهران باستيراد معدات طبية خارج إطار العقوبات أو من خلال الأموال الإيرانية المجمدة. ويبدو أن الإدارة مستمرة بسياسة الضغط بالحد الأقصى (التي انتقدت مفعولها في السابق)؛ إذ نشرت رويترز تقريرًا حول طلب أميركي من الصين بتخفيض واردات النفط الإيراني لإجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات(48).
تحدث ولي نصر وسيد حسين موسويان، عن أن فصل ملف تدخل إيران الإقليمي عن الملف النووي الإيراني قد يساعد في دفع المفاوضات بين طهران والقوى الأخرى إلى الأمام ومن الممكن أن يسهم في إعادة إحياء خطة العمل المشتركة(49). ولكن هذا الطرح لا يقدم صورة كاملة للوضع الراهن؛ حيث نرى أن ملف تدخل إيران الإقليمي ليس من الأسباب الرئيسية في تباعد وجهات النظر بين القوى المتفاوضة. إذ إن موضوع التدخل الإقليمي جرى التغاضي عنه منذ بدايات توقيع الاتفاق النووي (بحسب نصر نفسه)، وذلك لأن إدارة أوباما وفريقه التفاوضي (الذي يوجد أغلبه اليوم في فريق بايدن التفاوضي) كانوا يعتقدون بأن إنجاز الصفقة النووية قد يفتح آفاق التوصل لاتفاق ثان وثالث حول الدور الإقليمي والبرنامج الصاروخي الإيراني.
أخذت طهران وقتها بعد استقرار حكومة رئيسي لبحث جميع الملفات والمفاوضات السابقة إلا أن تعلُّلها بالعودة إلى طاولة المفاوضات يرجع إلى مجموعة من الأسباب نبحثها تباعًا.
2.1. ضمانات عدم الانسحاب مرة أخرى
إن أحد المواضيع المحورية التي جعلت المفاوضات تمتد إلى ست جولات، ومن ثم جعلت الإيرانيين يماطلون في العودة إلى فيينا، هي المادة 37 من الاتفاق النووي؛ حيث إن الاتفاق النووي بوصفه عقدًا قانونيًّا أو اتفاقية بين أطراف متعددة تضمَّن في بنوده آلية لحل النزاع بين الأطراف المتعاقدة في حال شعر أحد الأطراف بأن الطرف المتعاقد الآخر قد أخلَّ بالتزامه. لم تخرج آلية فض النزاع في الاتفاق النووي عمَّا هو مألوف في قسمها الأول. فهي تتضمن مراجع للتقاضي وطرح الشكاوى (اللجنة المشتركة والمجلس الاستشاري ومجلس الأمن) وتتضمن مددًا زمنية محددة كي يصل الأطراف إلى حقوقهم المشروعة خلال مدة زمنية معقولة. المعضلة تبدأ في القسم الأخير من آلية فض النزاع والتي تقرر أنه إذا لم تتفق الأطراف المتنازعة فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يصوِّت وفقًا لإجراءاته، على قرار بمواصلة رفع العقوبات. وهذا ما سُمِّي بآلية الزناد؛ إذ يكفي لأي عضو مشارك في الاتفاق النووي التصويت بلا، كي يعاد فرض كافة العقوبات الأممية على إيران.
22حكومة روحاني بقيت تفاوض حتى أيامها الأخيرة (المصدر: غيتي)
هذه الآلية جرت المطالبة بتنفيذها من قبل إدارة ترامب، إلا أن مجلس الأمن لم يصوِّت على مواصلة رفع العقوبات لأن الولايات المتحدة لم تكن عضوًا مشاركًا في الاتفاق النووي آنذاك. بعد هذه المقدمة الطويلة يجب القول بأن أول ما تخشاه إيران ويدفعها إلى التردد في العودة إلى المفاوضات هو أن تعود الولايات المتحدة لتصبح عضوًا في الاتفاق النووي من جديد وبالتالي يحق لها تفعيل آلية الزناد دون الحاجة لإبداء أي أسباب مشروعة لنقض الاتفاق، وذلك أن بنود آلية فضِّ النزاع تسمح بطريقة تكنيكية للطرف المشتكي، تجاهل أي قرارات صادرة عن المجلس الاستشاري أو اللجنة المشتركة بعد انقضاء المهل المحددة والتوجه إلى مجلس الأمن وطرح السؤال المعكوس حول الاستمرار برفع العقوبات على إيران(50).
لم تكن هذه الآلية محل نزاع في الداخل الإيراني بسبب تسليط الضوء في إيران على النقاط الإيجابية للاتفاق النووي واعتباره القاعدة الأساس في رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران؛ مما أسهم بشكل رئيسي في إعادة انتخاب حسن روحاني مرة أخرى في العام 2017. وتشير نقاشات خامنئي ورفسنجاني التي سُربت أخيرًا، إلى العمل الإعلامي والحكومي من قبل حكومة روحاني على تسليط الضوء على الجانب الإيجابي وإهمال التنازلات التي قدمتها حكومة روحاني وفريقه التفاوضي خلال عملية التفاوض.
2.2. الخلاف حول مفهوم إلغاء العقوبات والتحقق من ذلك
الموضوع الخلافي الآخر هو الخلاف حول مفهوم “إلغاء كافة العقوبات”. ما تطالب به طهران هو إلغاء أي عقوبات فُرضت بعد توقيع الاتفاق النووي، وقد جاءت هذه المطالبات على لسان المرشد، علي خامنئي، ووزير الخارجية السابق، جواد ظريف، ووزير الخارجية الحالي، أمير عبد اللهيان، والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي. وهذا يعني إلغاء العقوبات المتعلقة بحظر الأسلحة المفروض على إيران من قبل الولايات المتحدة بشكل أحادي الجانب، وإلغاء العقوبات المتعلقة بملف حقوق الإنسان، وإلغاء العقوبات الفردية المفروضة على أعضاء في الحرس الثوري الإيراني وشخصيات سياسية وعسكرية إيرانية من ضمنها المرشد علي خامنئي نفسه، وإلغاء تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية بالإضافة إلى إلغاء كافة العقوبات المتعلقة بالملف النووي. وتنظر طهران بحسب مركز دراسات مجلس الشورى الإسلامي إلى إبقاء العقوبات غير المرتبطة بالملف النووي على أنها عامل ضغط ضد إيران للانخراط في مفاوضات مستقبلية تشمل البرنامج الصاروخي ودور إيران الإقليمي، بينما تنظر إدارة بايدن إلى هذا الإلغاء على أنه يشمل فقط العقوبات المتعلقة بالأنشطة النووية الإيرانية وجاء ذلك بحسب روبرت مالي في مقابلة أجراها مع جودي وودروف في أبريل/نيسان 2021(51)؛ إذ أنه لا توجد ماهية مشتركة لهذه العقوبات تجمعها ببعضها البعض كي تُلغى دفعة واحدة، ناهيك عن الصعوبات التشريعية التي ستواجهها الإدارة أمام الكونغرس لأن بعض العقوبات أُقرَّت تحت قبة الكونغرس الأميركي.
2.3. آلية التحقق العملي من رفع العقوبات
بالإضافة إلى كل هذا هناك شرط التحقق من رفع العقوبات، وهي آلية أضافها خامنئي إلى شروط إعادة التفاوض مع الولايات المتحدة والقوى الغربية، وأكدها مجلس الشورى الإسلامي في المادة 7 من قانون العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية، وتعني هذه الآلية أن طهران لن تعود إلى تطبيق الاتفاق النووي بشكل كامل إلا بعد رفع كامل للعقوبات بالإضافة إلى مدة زمنية معينة (ثلاثة أشهر على الأغلب) للتحقق من واقعية هذا الرفع بشكل عملي.
مؤخرًا، نشر مركز الدراسات التابع لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني تقريرًا وضَّح فيه آلية التحقق من فاعلية رفع العقوبات ومحاورها الأساسية بالإضافة إلى الأبعاد التنفيذية لهذه الآلية. ويؤكد مركز الدراسات على أن رفع العقوبات يجب أن يكون أحد المطالب الرئيسية والحتمية لجهاز السياسة الخارجية للبلاد في أية عملية تفاوض مستقبلية. بعبارة أخرى، فإن رفع العقوبات عن إيران، بغضِّ النظر عن البُعد القانوني (رفع العقوبات على الورق)، يجب أن يتطلب فائدة حقيقية للاقتصاد الإيراني من حيث رفع العقوبات. التحقق هو نشاط مستمر تقوم فيه هيئة تنظيمية بتقييم التزام الطرف الآخر بأحكام الاتفاقية بناءً على مؤشرات ومعايير موضوعية تتعلق بنوع الالتزامات.
هيئة التحقق يمكن أن تكون هيئة متعددة الأوجه مثل المجلس الأعلى للأمن القومي أو هيئة الرقابة العليا أو حتى هيئة جديدة ذات خبرة قوية وأمانة عامة دائمة. ويلقي مركز المجلس على عاتق هذه الهيئة ثلاث مهام رئيسية، هي: 1) رصد وتحليل مستوى استفادة الاقتصاد الإيراني من حيث رفع العقوبات. 2) تمكين تلقي شكاوى من أي مواطن أو مؤسسة إيرانية (خاصة أولئك الأفراد والمؤسسات الذين أُخرجوا من قائمة العقوبات) حول مواضيع “انتهاك بنود الاتفاق النووي أو عدم القدرة على الاستفادة من رفع العقوبات”. 3) وضع لائحة لتقليل الالتزامات بالاتفاق النووي وتنفيذ أحكامه بما يتناسب مع عدم امتثال الجانب الآخر من خلال صياغة لائحة للتوقف أو تعليق أو تخفيض الالتزامات النووية(52).
ويقسم مركز دراسات المجلس لائحة التحقق من رفع العقوبات إلى قسمين:
مكونات الرفع الفعلي للعقوبات: بما في ذلك تحقيق الحد الأدنى لمبيعات النفط والمعاملات مع بنك EIH الألماني والبنك التجاري في باريس، وإلغاء الأوامر التنفيذية الرئاسية الأميركية، ومراجعة الأسئلة الشائعة لموقع OFAC، وعدم إصدار إشعارات التحذير، وإصدار الإعفاءات العامة والخاصة لصالح الأفراد والكيانات الاعتبارية الأجنبية التي ترغب في التفاعل مع الاقتصاد الإيراني.
مكونات الحد من مخاطر التفاعل مع الاقتصاد الإيراني: مؤشرات هذا المحور هي قبول الالتزام القانوني واعتماد تدابير عملية من قبل قادة دول مجموعة 5+1 بشأن تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران(53).
قائمة التحقق من الاستمرارية لرفع العقوبات وإصدار التراخيص الدورية من أجل مواصلة تنفيذ الإجراءات الإيرانية في الاتفاق النووي (عمليات التحقق الدورية): لمواصلة التحقق، يُوصَى بأن يستفيد الاقتصاد الإيراني من رفع العقوبات بشكل مستمر. اختبار ونشر تقارير كل ثلاثة أشهر. 2.5 مليون برميل يوميًّا من صادرات النفط، على الأقل 4.2 مليارات دولار شهريًّا في المعاملات لصالح الأفراد والكيانات الإيرانية في بنك EIH الألماني و1.5 مليار دولار على الأقل في البنك التجاري في باريس هي عتبات المحور الأول للتحقق المستمر(54).
هذه العملية من المحتمل أن تستغرق أشهرًا وهي عملية معقدة للغاية؛ إذ إن أثر رفع العقوبات يظهر في رغبة وعودة الشركات العالمية الخاصة للاستثمار في إيران، هذه الشركات التي تحتاج أولًا إلى بيئة آمنة ومستقرة ومن ثم تحتاج إلى ضمانات غربية أميركية بعدم المساس بمصالحها أو فرض عقوبات مستقبلية عليها في حال تعاونت مع طهران. كما لا تملك الدول الغربية ولا الولايات المتحدة الوسائل اللازمة لممارسة الضغط على هذه الشركات المستقلة للدخول إلى السوق الإيرانية.
3. رسم سياسة إيران النووية
منذ تشغيل المفاعلات النووية الإيرانية واتجاه طهران نحو تخصيب اليورانيوم ودخول الأطراف الغربية على خط منع طهران من الوصول إلى سلاح نووي، ظهرت ثلاث نظريات إيرانية داخلية لكيفية التعامل مع الملف النووي.
تبادلت كل من رؤية التخصيب المرتفع؛ والتعامل على مبدأ ربح-ربح، الأدوار خلال السنوات الماضية، ولم تجد نظرية الردع الفعال (امتلاك سلاح نووي أولًا ومن ثم التفاوض) طريقها إلى الواقع العملي، واقتصر وجودها على التنظير الأكاديمي وبعض التصريحات من بعض المسؤولين الإيرانيين، وذلك نظرًا للرفض القاطع من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي لامتلاك سلاح نووي وفتاواه المتكررة حول أن امتلاك سلاح نووي حرامٌ من الناحية الشرعية(55).
3.1. نظرية التخصيب المرتفع مقابل امتيازات أكثر
يقف على رأس هذا الفريق، سعيد جليلي، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام. جليلي يعتبر من أركان دولة الظل في إيران. يشبِّه جليلي الدبلوماسية الإيرانية بالسجاد الإيراني حيث يعتقد: “بأن عمل الدبلوماسية أشبه بالسجاد الإيراني؛ يتحرك للأمام مليمترًا، بشكل دقيق ومنظم، لكن في النهاية إن شاء الله سيكون جميلًا ودائمًا”(56). كان هذا ردَّ جليلي على سؤال حول سبب طول المدة الزمنية التي استغرقتها المفاوضات مع القوى الكبرى في العام 2008. ويعزِّز جليلي من رؤيته للمفاوضات الماراثونية بالقول بأن المفاوضات الطويلة الأمد ليست خطأ؛ حيث تجري حاليًّا محادثات بين الولايات المتحدة وبعض الدول استمرت أكثر من 20 عامًا(57).
تولَّى جليلي منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في أكتوبر/تشرين الأول 2007، بعد استقالة علي لاريجاني. منذ أن تولى أحمدي نجاد منصبه في الحكومة التاسعة، ازدادت التوترات بشأن برنامج إيران النووي. في مارس 2005، أحيلت قضية إيران من مجلس المحافظين إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. بحلول الوقت الذي تولى فيه جليلي رئاسة المحادثات، أصدرت الصين وروسيا، إلى جانب ثلاث دول غربية، ثلاثة قرارات لمجلس الأمن ضد إيران، وبدأت العقوبات الدولية على الأنشطة النووية رسميًّا، لكن العقوبات استهدفت في الغالب الأنشطة النووية والأسلحة.
استأنف جليلي المحادثات النووية مع خافيير سولانا، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي. واجهت المفاوضات تأخيرات طويلة في عهد جليلي. لكن هذه الانقطاعات في المحادثات لم تمنع مجلس الأمن من فرض عقوبات على إيران. تمت الموافقة على القرار 1803 بتصويت 14 دولة عضوًا في مارس/آذار 2007. القرار بفرض العقوبات تجاوز الأنشطة النووية، واستهدف التجارة مع إيران وشكَّل خطرًا تجاريًّا كبيرًا على إيران آنذاك(58).
في سبتمبر/أيلول 2009، عُقدت جولة أخرى من المحادثات في جنيف، حضر فيها ويليام بيرنز عن الولايات المتحدة. وأكدت الخارجية الأميركية أن وليام بيرنز التقى سعيد جليلي على هامش قمة جنيف. كانت هذه أول محادثات رسمية ومباشرة بين مسؤول إيراني رفيع المستوى ومسؤول أميركي منذ 30 عامًا. عُقد الاجتماع عندما أصبح باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة(59).
يؤمن جليلي بأن زيادة تخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة ستقوِّي من موقف إيران في المفاوضات وسوف تدفع الطرف الأميركي إلى رفع العقوبات بشكل كامل. وقد قوبلت هذه العقيدة بانتقادات لاذعة حتى من أقصى اليمين الأصولي في إيران. علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد علي خامنئي، تحدَّى بشدة سعيد جليلي خلال مناظرات انتخابات 2013؛ حيث قال: “الدبلوماسية لا تتعلق بإلقاء الخطب في البلدان الأخرى وإعادة تكرار البيانات الصحفية أمامنا هنا. في محادثات “آلماتي”(60) الأخيرة قُدمت اقتراحات يمكن اتباعها، لكن السيد جليلي لم يقبلها. لقد قالوا في محادثات ألماتي إنه إذا أُبطئ التخصيب ومفاعل فوردو، فسنرفع ثلاث عقوبات من العقوبات الأممية. لكنك قلت إنه يجب رفع الحظر بأكمله، مما يدل على أنك لا تريد المضي قدمًا. الدبلوماسية لا تعني في الداخل أننا أصوليون وليس لدينا المرونة. الدبلوماسية لا تُظهر العنف والعناد. الدبلوماسية هي التفاعل والمقايضة. لا يمكن لهم أن يعطوا ما نريد ولا نفعل شيئًا بالمقابل! الدبلوماسية ليست بيانًا من وراء المنصة!”(61).
إقالة عراقجي من رئاسة وفد التفاوض والمجيء بباقري كني تأتي في سياق غلبة رؤية هذا الفريق. شغل باقري كني منصب مساعد جليلي في المجلس الأعلى للأمن القومي بالإضافة إلى كونه عضوًا في المفاوضات النووية في عهد جليلي كما قاد حملة جليلي الرئاسية في انتخابات 2013.
يقول باقري كني خلال لقاء مع برنامج “دست خط”: “إن وضع الأوروبيين واضح للعيان، لكني فوجئت ببعض الأشخاص في الداخل الذين يريدون بالفعل تبييض وجه الأوروبيين طوال الوقت. الأوروبيون هم امتداد للأميركيين في فرض العقوبات”. وعبر كني غير ذات مرة عن عقيدته الشخصية بأن الاتفاق النووي لم يكن قرار النظام أبدًا؛ حيث قال لوكالة تسنيم الإخبارية: “أنا الآن أعبِّر عن رأيي الشخصي، إذا كنَّا نقصد بالنظام، المرشد الأعلى، فإن المرشد فرض 11 شرطًا خلال فترة المفاوضات التي دارت منذ تولي حكومة روحاني وحتى التوصل إلى الاتفاق. كان لدى المرشد سلسلة من الخطوط الحمراء، الخطوط الأساسية التي ترسم حدودًا واضحة لأطر المفاوضات. لم يتم التقيد بأغلبية هذه الشروط. المرشد قال بأنه لا يجب على الوفد المفاوض التنازل عن حقوق الأمة الإيرانية وعلى الأخص الحقوق النووية، ولكن تم تضييع أكثر من 100 حالة من حقوق الأمة الإيرانية في الاتفاق النووي”. يروج باقري كني لنظرية أنه عندما تعمل أجهزة الطرد المركزي سيعمل الاقتصاد كذلك(62).
اقتصاد نيوز الإيرانية حلَّلت المشهد الحالي في تعثر المفاوضات؛ حيث كتبت في تحليلها: إن حكومة إبراهيم رئيسي لا تؤمن بالتأثير السلبي لمرور الوقت على الاتفاق، بل على العكس تعتقد أن مرور الوقت يقوي يد إيران في المفاوضات. كأن الحكومة الرئاسية عادت هي الأخرى إلى تكتيكات سعيد جليلي خلال المحادثات النووية في حكومة أحمدي نجاد.
في ذلك الوقت، مع بدء التخصيب بنسبة 20٪، اعتقدت إيران أنه سيكون لها نفوذ في المفاوضات، لكن الحقيقة هي أن هذا النفوذ (أي التخصيب بنسبة 20٪) لم يكن أبدًا لصالح إيران خلال مفاوضات سعيد جليلي. وحتى الآن، يبدو أن حكومة إبراهيم رئيسي تنوي الضغط على الولايات المتحدة من خلال زيادة احتياطياتها من اليورانيوم بنسبة 20٪ و60٪، فضلًا عن تقييد عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن على الحكومة أن تكون حذرة، لأن هذا النهج يمكن أن يعمل أيضًا كسيف ذي حدين؛ بهذه الطريقة، ستتاح للولايات المتحدة الفرصة لتصبح أكثر تنسيقًا مع حلفائها الأوروبيين وممارسة ضغط أكثر تنسيقًا على إيران(63).
3.2. نظرية مفاوضات ربح-ربح
بعد فشل رجل التفاوض من أجل التفاوض، سعيد جليلي (كما وصفته اقتصاد نيوز)، في وقف العقوبات، ظهر صوت مختلف في ملف التعامل مع الولايات المتحدة. يقود هذا الفريق الرئيس السابق، حسن روحاني. فعلى الرغم من أن روحاني يوصف بأنه من تيار الاعتدال إلا أن الحقيقة هي أن روحاني جاء من قلب اليمين وغيَّر من مواقفه بالاستناد إلى حاجات النظام. كان روحاني عضوًا في جمعية رجال الدين المبارزين المنتمية إلى اليمين الإيراني في العام 1987، ولكن في عام 1999، قبل الانتخابات البرلمانية السادسة، شكَّل حزبًا إصلاحيًّا يسمى الوسطية والتنمية وتولى بنفسه قيادة الحزب.
تقوم رؤية هذا الفريق على أهمية التعامل الواقعي مع الملف النووي وضرورة الانخراط المباشر بالمفاوضات بين إيران والقوى العظمى. عُيِّن حسن روحاني ممثلًا للمرشد الأعلى في المجلس الأعلى للأمن القومي، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1989. منذ عام 1989، كان مسؤولًا عن أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 16 عامًا، المنصب الذي تسلَّمه في حكومة هاشمي رفسنجاني واستمر فيه إلى رئاسة السيد محمد خاتمي. صُقلت رؤية هذا الفريق بقيادة روحاني من خلال عمله على الملف النووي في العام 2004، حيث أصبح مسؤولًا عن الملف الفني والحقوقي للبرنامج النووي الإيراني بعد أن أصدرت منظمة الطاقة الذرية بيانًا شديد اللهجة ضد إيران تبعها قرار آخر من مجلس المحافظين التابع للوكالة.
يؤمن حسن روحاني بحكومة تنموية. حكومة تسعى إلى التنمية السياسية والاقتصادية من خلال تطوير علاقات بنَّاءة مع العالم. إن تصور حسن روحاني للوضع العالمي هو أنه يعتبر التعاون على الساحة العالمية أمرًا معقولًا على الرغم من كل المشاكل التي تواجهه. نظرة حسن روحاني للعالم وإدراكه هي أكثر من مجرد مثالية قائمة على الواقعية. يعتقد روحاني أن نظرتنا إلى العالم وقضاياه يجب أن تتسم بالوسطية والاعتدال، وقال: “الاعتدال لا يعني الاستسلام أو التهدئة أو السلبية أو المواجهة، لكن حلَّ المشاكل غير ممكن من خلال العزلة. نهجنا هو التفاعل البنَّاء. نسعى لبناء الثقة والشفافية. تركيزنا على التعايش السلمي والتعاون”(64).
تقوم رؤية فريق روحاني المؤلَّف من وزير الخارجية السابق، جواد ظريف، ومساعده، عباس عراقجي، على ثلاثة أهداف هي كالتالي:
1- التوصل إلى اتفاق بين إيران والقوى العظمى يقوم على مبدأ ربح-ربح يحقق من خلاله الأطراف الأهداف المرجوة من خلال تقديم التنازلات والحصول على الامتيازات.
2- تطوير البرنامج النووي الإيراني وتحويله إلى برنامج شرعي من وجهة نظر مجلس الأمن وإيجاد رؤية اقتصادية في البرنامج النووي، تُحقَّق هذه الأهداف في غضون 10 أو 15 عامًا.
3- رفع العقوبات المفروضة على إيران في مقابل التخصيب المشروع(65).
3.3. نظرية الردع الفعَّال
يعتبر عسگرخانی مؤسس هذه النظرية والتي تعتبر من أكثر النظريات راديكالية في الأوساط الإيرانية. تتمحور نظرية عسگرخانی على نظرية الردع الفعال. فالردع بحسب عسگرخانی مفهوم عسكري، ويتبادر إلى الذهن استخدام التهديد العسكري لإقناع الخصم بعدم الهجوم، وبالتالي إذا تركزت القوة، فإنها تؤدي إلى الاستقرار وانهيار القوة يؤدي إلى عدم استقرار منهجي(66). جذب هذا المفهوم انتباه الاستراتيجيين العسكريين بشكل أساسي بعد اختراع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في أواخر الأربعينات من قبل القوتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي)(67).
يدَّعي عسگرخانی أنه على العكس من الأهداف التي روجت لها معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، فإن أثر هذه المعاهدات بدا محدودًا في بعض الموارد الخاصة التي جرت الاستفادة منها سياسيًّا. فعلى العكس، لم يتوقف انتشار الأسلحة النووية ولم تُوقفْ تجاربها(68).
يعتقد البعض بأن نزع الأسلحة النووية والمعاهدات المرتبطة به هي أمر مرغوب فيه إذا ما جرى تطبيقه على الكافة. إذا حدث تفكيك الترسانات النووية في جميع أنحاء العالم دون تمييز، وجرى إيقاف سباقات التسلح، وإذا تمكنت الأنظمة من إزالة عناصر الخوف والأنانية والمصلحة الذاتية والاستفادة من طبيعة البشر والدول والحكومات، عندئذ يمكن القول بأنه لا داعي لذلك التسلح(69). لكن على الرغم من معاهدات نزع السلاح، فقد انتشرت الأسلحة النووية وحصلت الآن حكومات أخرى غير دول مجلس الأمن الخمسة على أسلحة نووية، وهذا يحدث عادةً بناءً على رغبة خاصة وتغاض في بعض الأحيان من قبل القوى العظمى التي تنادي بنزع السلاح النووي. وهذا ما دفع العديد من البلدان لمحاولة الاتكاء على نفسها في المجال العسكري، لأنها وجدت أنه فقط بعد التسلح يمكن للمرء أن يتحدث عن ضبط النفس ويتوقع من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه، بدلًا من نزع سلاحهم في مواجهة المنافسين المحتملين والفعليين. وعندئذ فقط لا تنتظر هذه الدول من الآخرين ألا يستخدموا ما لديهم من أسلحة فتاكة من خلال نصائح أخلاقية. قد يؤدي الاستحواذ على قوة عظمى إلى تحفيز الحكومات على خوض الحرب(70).
يعرِّف هذا الفريق القوة العسكرية الإيرانية على أنها تقوم على أساس دفاعي وليس هجومي؛ إذ إن استراتيجية الأمن والأسلحة لكل دولة هي استجابة لتهديدات البيئة الأمنية وأهدافها الأساسية. خلقت الأزمات والتهديدات الإقليمية صراعات جيوسياسية جديدة. استند هدف سياسة إيران الخارجية واستراتيجية التسلح على هدفين رئيسيين: “تحقيق الأمن (الوطني والإقليمي)” و”التنمية والتقدم”. من ناحية أخرى، تأثر تنظيم السياسة الخارجية والاستراتيجية الإقليمية لجمهورية إيران الإسلامية دائمًا بعاملين: الحقائق الجيوسياسية والتوجهات الأيديولوجية. لطالما أثَّر العنصر الجيوسياسي على العنصر الأيديولوجي في اتجاه سياسة إيران الأمنية والعسكرية في المنطقة. في أعقاب حظر الأسلحة واستمرار الجهود الأميركية لعزل إيران، حوَّلت إيران توجهها نحو الاكتفاء الذاتي وزيادة المعدات العسكرية بما يتماشى مع الأغراض الدفاعية بدلًا من الأغراض الهجومية. لطالما أدت التهديدات الإقليمية وعبر الإقليمية المباشرة إلى زيادة المخاطر الأمنية في إيران وتقليل الفوائد الإقليمية. ومع ذلك، فإن “عقيدة” الدفاع عن البلاد تقوم على أساس الدفاع غير الهجومي(71).
ينتقد عسگرخانی سياسة النظام بالجملة فيما يتعلق بالملف النووي فهو ينتقد تعلُّل أحمدي نجاد في مسألة السلاح النووي ويدعو إلى إجراء تجربة نووية علانية في أسرع وقت ممكن، بحيث يجري تسجيل وجود إيران في نادي الحكومات النووية، مثل الهند وباكستان. وعن تكلفة هذا الخيار يقول بأن التكاليف ستكون بالتأكيد باهظة، لكن ضمان بقاء ووحدة أراضي إيران يستحق التكلفة. في الواقع، إلى جانب المعاناة المؤقتة للإيرانيين في هذا المنعطف التاريخي، فهو يتصور مستقبلًا يعتقد فيه أن القنبلة الذرية يمكن أن تضمن أمن إيران وهويتها في مواجهة الأخطار الخارجية(72).
أخيرًا، يُلقي عسگرخانی باللوم على جميع الحكومات وفرق التفاوض الإيرانية في الموضوع النووي، ويقول: “لقد ألقت اتفاقية (جنيف) بعبء أكبر بكثير على عاتق الشعب الإيراني من مفاوضات جليلي. لقد ألقت مفاوضات جليلي عبئًا على الشعب الإيراني أكبر بكثير مما حمله السيد لاريجاني. وبالمثل، فرض السيد لاريجاني عبئًا أثقل بكثير على البلاد من روحاني. وروحاني بدوره ألقى بعبء أثقل بكثير من عبء معاهدة عدم الانتشار ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية على كاهل الشعب الإيراني. وهذا يعني أن هذه العملية هي سلسلة من الأخطاء المترابطة. لا يزال هذا الاتجاه يتصاعد، والتفاوض، بدلًا من أن يساعدنا فهو يغرقنا في المزيد من الدوامات(73).
3.4. النظرية التي يتبناها النظام اليوم
لم يصل النظام في إيران بعد إلى اختيار نظرية الردع الفعال أو امتلاك السلاح النووي للردع، إلا أن المؤشرات الواقعية تشير إلى أن النظام اختار رفع سقف التخصيب للحصول على امتيازات أكثر أو على الأقل تغيير البنود المجحفة من وجهة نظره. اختار النظام نظرية جليلي في شقّها المتعلق برفع التخصيب للحصول على امتيازات أكثر ولكنه لم يأخذ بشقها الثاني الذي يدعو للمماطلة والتفاوض لمجرد التفاوض، بل أضاف النظام عنصر العملية إلى خطابه السياسي وهذا يعني أنه على عجلة من أمره وهو مستعد للتفاوض إذا كانت هذه المفاوضات سوف تؤتي ثمارها.
إن عدم التصريح بتبني نظرية عسگرخانی الردعية من قبل المسؤولين السياسيين في إيران لا يعني أبدًا أنها لا تجد الرواج في إيران؛ إذ لابد من القول بأنه لا تخلو دراسة أكاديمية إيرانية في المجال الدفاعي أو الأمني من اسم عسگرخانی ونظرية الردع الفعال التي أرسى قواعدها. وأما عن الأوساط السياسية فقد أشارت زلَّة اللسان (عن عمد أو غير عمد) من قبل وزير الاستخبارات الإيرانية في عهد روحاني، السيد “محمد علوي”، إلى وجود مثل هذا الخيار في المخيلة السياسية الإيرانية؛ حيث قال علوي في مقابلة مع القناة الثانية الإيرانية: إن “المرشد الأعلى صرَّح في فتواه بأن إنتاج الأسلحة النووية مخالف للشريعة وأن الجمهورية الإسلامية لا تتماشى مع ذلك وتعتبره ممنوعًا، ولكن إذا أُلقيت قطة في زاوية، فقد تتصرف بطريقة لا تتصرف بها القطة الحرة”(74).
ويبدو أن المفاوضات إذا ما وصلت إلى طريق مسدود سوف يتجه النظام إلى آخر الحلول التي لم تُجرَّب من قبل، وه تصنيع السلاح النووي لتحقيق عملية الردع.
خلاصات
من السذاجة بمكان القول بأن عقوبات الحد الأقصى التي فرضها ترامب على إيران لإجبارها على التفاوض على اتفاق جديد لم تؤثر في إيران؛ إذ إن هذه العقوبات أثَّرت بشكل واضح وخطير على الوضع الاقتصادي للمواطن الإيراني. ولكن لم تصل هذه العقوبات إلى الهدف المرجو منها وهو الضغط على الشعب لإسقاط النظام. ما فعلته هذه العقوبات هو تشويه الطبقة المتوسطة التي لعبت قدرتها الاجتماعية والاقتصادية دورًا مهمًّا في دفع طهران لتوقيع الاتفاق النووي أول مرة. كما أنتجت هذه العقوبات طبقة واسعة من الفقراء والتي تتمحور جهودها حول تأمين قوتها وتقتصر اعتراضاتها على المطالبة بتحقيق الرفاه والمطالبة بالعدالة الاجتماعية. وهذا ما يفسر إلى حدٍّ كبير (وليس بشكل كامل) قلَّة الإقبال على الانتخابات التشريعية والرئاسية في إيران. كما أظهرت العقوبات نتائج عكسية بالنسبة إلى مستوى العنف في مياه الخليج؛ إذ تُظهر البيانات أن الفترة الممتدة بين توقيع الاتفاق والانسحاب الأميركي لم تشهد أية عمليات تُذكر ضد ناقلات النفط أو السفن التجارية. ولكن العنف ازداد بشكل مطَّرد وملحوظ بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. تشير البيانات إلى أن العقوبات لم تُثنِ إيران عن السلوك العدواني بل ارتفعت شدة هذه الهجمات بوتيرة أكبر من الفترة التي سبقت التوقيع على الاتفاق النووي. من ناحية أخرى، فإلى جانب ضعف حكومة روحاني وانفكاك الإصلاحيين عن قواعدهم الانتخابية والإقصاء الذي مارسه مجلس صيانة الدستور ضدهم، ظهر أثر العقوبات على التركيبة السياسية في إيران؛ إذ يسيطر الأصوليون اليوم على جميع مفاصل الحكم من مجلس الشورى ومجالس المدن والرئاسة والسلطة القضائية إلى بلدية طهران وغيرها من المؤسسات الحكومية.
تُظهر استطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسات في الداخل والخارج الإيراني أن أغلبية الشعب الإيراني لم تعد تعول على رفع العقوبات كسبيل لتحقيق الازدهار الاقتصادي. وهذا ما دفع الحكومة الإيرانية نحو مفاهيم جديدة مثل الاقتصاد المقاوِم أو المقاومة بالحد الأكثر. كما تظهر هذه الاستطلاعات فقدان الثقة بالولايات المتحدة بعد فرض العقوبات بالحد الأقصى واتجاه هذه الثقة نحو حكومة رئيسي الأصولية والتي نجحت إلى حدٍّ ما في امتحان كورونا ويُنتظر منها أن تنجح في ملفات أخرى. إن الاستراتيجية الجديدة الإيرانية تبدو ناجعة في شقها الإقليمي؛ إذ تدعو هذه الاستراتيجية إلى تحسين العلاقات مع دول الجوار ورفع التوتر وهذا سيقود إلى تقوية العلاقات الاقتصادية كذلك. إلا أن الاستراتيجية الدولية قد تواجه بعض المعضلات إذا ما قررت الحكومة الجديدة الاكتفاء بالشرق كشريك أساسي في العملية الاقتصادية والتنمية؛ إذ إن هذا التوجه سوف يُوقِع الحكومة الحالية بما وقع فيه حسن روحاني من قبل وهو الاعتماد على قطب أحادي. إن الموازنة بين الشرق والغرب هي ما يجب أن تسعى إليها طهران. علينا ألا ننسى أبدًا أن الصين سحبت شركاتها من القطاع النفطي وقطاع المواصلات وغيرها بعد أن فرضت إدارة ترامب العقوبات بالحد الأقصى. إن مقاومة الصين للعقوبات الأميركية تظهر فقط في قطاع استيراد النفط نظرًا لأنها تحصل على تخفيضات من الجانب الإيراني بالإضافة إلى قدرة كل من الصين وإيران على الالتفاف على العقوبات الأميركية في هذا المجال. من الناحية التقييمية، يبدو أن حكومة رئيسي باتخاذها القرار بالعودة القريبة إلى مفاوضات فيينا تتجه نحو هذا المسار.
يجب القول بأن الطرفين أمام مرحلة مفصلية يجب عليهما فيها أن يتخذا قرارات جريئة للعودة إلى السكة الصحيحة. بالطبع، يجب عدم طرح ملفات أخرى على طاولة المفاوضات؛ وذلك لأن ذلك مرفوض من قبل طهران وسوف يُعقِّد مشهد المفاوضات. إن فشل المفاوضات مع إيران يعني اختبار طهران لنظرية الردع الفعال وهي النظرية التي وُضعت على الرَّفِّ لمدة أكثر من 20 عامًا. جعل النظام في إيران خياراته النووية محدودة بنظرية جليلي القائمة على أن التخصيب الأكثر سيوفر تنازلات أكثر، وبنظرية روحاني التي تتمحور حول التفاوض ضمن إطار ربح-ربح وتعني تقديم التنازلات بشكل سريع للحصول على امتيازات اقتصادية.
يجب على الولايات المتحدة أن ترتب أولوياتها بالحيلولة دون وصول إيران إلى السلاح النووي أولًا، ومن ثم تعمل على ربط طهران بالاقتصاد العالمي لتستطيع أن تفتح آفاق التفاوض المستقبلي حول تمديد الاتفاق الحالي لعشر سنوات إضافية؛ إذ إن سياسة “العصا” لم تنتج عنها النتائج المرجوة. ويبدو أن سياسة الجزرة (إذا ما طُبِّقت بشكل كامل) ستكون قادرة على إقناع طهران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى. لا يمكن إقناع طهران بالتفاوض على ملفات أخرى دون أن تلمس بشكل عملي أثر “سياسة الجزرة” وقدرتها على تحقيق الرفاه والاستقرار الاقتصادي وإعادة ترميم الطبقة المتوسطة. وهذا يتطلب دمج طهران بالاقتصاد العالمي بشكل شبكي على المدى المتوسط، يصبح بعدها التهديد بفرض عقوبات على طهران أمرًا ممكنًا؛ إذ إن طهران سوف تسعى إلى تجنب العقوبات نظرًا للفوائد الاقتصادية التي حققتها.
يُظهر الإيرانيون مرونة عالية في عمليات التفاوض وذلك لغلبة النظرية النفعية (البراغماتية) لدى أعلى هرم السلطة. فعلى عكس ما يُروَّج له في الأوساط الغربية من أن خامنئي رجل متعصب ولا يقدم تنازلات، يبدو أن 30 عامًا في السلطة أكسبت خامنئي خبرة واسعة في تطوير النظرية النفعية الإيرانية، وتجنب إعلان الحرب على الولايات المتحدة في أعقاب اغتيال الرجل الثاني في إيران “قاسم سليماني”، يظهر مدى غلبة هذه النظرية في السياسة الإيرانية، خصوصًا بأنهم قاموا بترجيح تحقق الهدف الاستراتيجي الأبعد “خروج الولايات المتحدة من المنطقة” على الهدف الأقرب وهو “الانتقام”. الغرب عليه استغلال هذه الفترة للتوصل إلى تفاهمات طويلة الأجل مع إيران؛ إذ إن عدم وجود خامنئي على رأس السلطة في إيران يعني قدوم نوع جديد من القيادات حديثة العهد بالسياسة وتتصف بالراديكالية المفرطة (كأحمد خاتمي أو أحمد علم الهدى وغيرهم من الوجوه المرشحة لخلافة خامنئي).
بعد الانسحاب غير المبرر من طرف ترامب، تطالب طهران إدارة بايدن بتقديم ضمانات قوية بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي. عمليًّا وقانونيًّا، لا تستطيع إدارة بايدن تقديم مثل هذه الضمانات، فالاتفاق النووي لا يتعدى كونه توافق متعدد الأطراف ولم يجرِ تحويله إلى قانون أو معاهدة ملزمة في الكونغرس الأميركي. ولردم هذه الهوة بين الطرفين يبدو أن الحل الوحيد هو تعديل البند 37 من الاتفاق النووي ليعود إلى صيغته الإيجابية وهي إذا وصل الخلاف إلى مجلس الأمن فإن مجلس الأمن يصوِّت على عودة العقوبات الأممية المفروضة قبل عام 2015 على طهران. وأما عن الخلاف حول العقوبات التي ينبغي رفعها، فعلى طهران أن تكون مرنة وتقبل برفع مبدئي للعقوبات المتعلقة بالملف النووي وبعض العقوبات التي جرى فرضها على الأفراد؛ إذ إن هذه العقوبات تعتبر العقوبات الأكثر إضرارًا بالاقتصاد الإيراني لأنها تستهدف قطاع النفط في المقام الأول. كما يجب على طهران أن تُظهر مرونة في موضوع التحقق من الأثر العملي لرفع العقوبات إذ إن هذه العملية هي عملية معقدة للغاية وتتطلب تنسيقًا مشتركًا بين الأطراف.
الجزيرة