إثيوبيا مجال مفتوح لتنافس تركي – إيراني على النفوذ في أفريقيا

إثيوبيا مجال مفتوح لتنافس تركي – إيراني على النفوذ في أفريقيا

القاهرة – أفسحت أوضاع الحرب المستمرة في إقليم تيغراي المجال لتحويل إثيوبيا إلى ساحة مفتوحة للصراع على التمدد بين تركيا وإيران اللتين تنخرطان بلا تنسيق في تقديم الدعم العسكري إلى القوات الحكومية؛ وذلك في محاولة للاستفادة من تراجع الدعم الأميركي والإقليمي الذي فقده آبي أحمد رئيس الحكومة الإثيوبية منذ أن اختار التحالف مع إريتريا وتورط في جرائم حرب في إقليم تيغراي.

ويبدو الاعتماد على سلاح الطائرات المسيرة أحد العوامل الفاعلة التي تدعم حظوظ إيران وتركيا، نظرا لحاجة آبي أحمد إلى سلاح يمكّنه من إلحاق هزائم سريعة بجبهة تحرير تيغراي.

ولدى كل من أنقرة وطهران خبرات في تصنيع أنواع متطورة من الأسلحة وتصديرها إلى دول وميليشيات مختلفة في أفريقيا، حيث تتميز تلك الأسلحة بفاعليتها وكلفتها المنخفضة مقارنة بأسلحة شركات عسكرية غربية قد تتطلب ميزانيات باهظة.

محمد محسن أبوالنور: الطائرات المسيرة أكثر فاعلية لترسيخ نفوذ إيران في إثيوبيا

وكانت إثيوبيا أحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى سن عقوبات على إيرانيين يعملون في برنامج الطائرات دون طيار وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجمعة، وطالت سعيد آغاجاني قائد قيادة الطائرات دون طيار التي تتبع القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني.

وقال بيان لوزارة الخزانة الأميركية إن فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني “استخدم الطائرات دون طيار القاتلة وانتشر استخدامها من قبل الجماعات المدعومة من إيران، بمن في ذلك حزب الله وحماس وكتائب حزب الله والحوثيون، وإثيوبيا، حيث تهدد الأزمة المتصاعدة بزعزعة استقرار المنطقة الأوسع”.

وأمدت إيران آبي أحمد بطائرات دون طيار تعمل في مجالي التجسس والضربات الهجومية ومنها طائرة “مهاجر 6″، وجرى رصد طائرة نقل “إليوشن Il-76TD إيرانية” (روسية الصنع) في الفترة ما بين يونيو وأغسطس الماضيين محملة بالأسلحة واللوجستيات في مطار هارد ميديا الإثيوبي الذي تهتم به إيران لأسباب استراتيجية.

ووقعت تركيا اتفاقية دفاع عسكري مشترك مع آبي أحمد الذي زار أنقرة في أغسطس الماضي، بهدف جعل “أنقرة شريكًا إقليميًا بديلاً يتحدى القوى التقليدية”، فيما يستهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحفاظ على مصالحه الاقتصادية في قارة أفريقيا وسط تصاعد الأزمات الداخلية التي تشكل تهديدا مباشرا للأصول والاستثمارات.

وتعد تركيا ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا بعد الصين، حيث تصل استثماراتها إلى حوالي 2.5 مليار دولار، وهناك حوالي 200 شركة تركية في إثيوبيا معظمها تعمل في قطاع المنسوجات، وتسهم في خلق فرص عمل لحوالي 30 ألف مواطن، في حين بلغ حجم التجارة بين البلدين 650 مليون دولار العام الماضي.

ويشير تنقل إثيوبيا بين الداعمين لها عسكريًا، خاصة إيران وتركيا، إلى تصميمها على عدم التراجع في حرب تيغراي. ورغم الهزائم التي تعرضت لها القوات الحكومية فإن آبي أحمد يبدو مُصرا على أن يكون الحل العسكري الأنسب له مهْمَا كانت التكلفة، ما يأتي على هوى كل من تركيا وإيران للتأكيد على قدرتهما على تعويض الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في الوقت الذي يتراجع فيه الدعم الإسرائيلي لأديس أبابا.

ويرى مراقبون أن أنقرة استطاعت أن ترسخ تحالفها مع حكومة آبي أحمد انطلاقًا من التعاون الاقتصادي، ودشنت تقاربها على الأزمات التي تسبب فيها الغزو الصيني للأسواق الأفريقية بعد أن أضحت الكثير من دول القارة بحاجة إلى تسديد ديون طائلة لبكين، بينما لم تستطع إيران تحقيق اختراق بحجم تركيا على المستوى الاقتصادي.

ولدى طهران جملة من المحفزات التي تدفعها إلى الانخراط في دعم الحكومة الإثيوبية لأن قدرة آبي أحمد على تجاوز قومية تيغراي تجعله أكثر قربًا من تحقيق نجاحات مماثلة على الحدود السودانية في منطقة الفشقة وستكون على مقربة من سواحل البحر الأحمر السودانية (في إقليم شرق السودان) التي تشهد صراعًا محتدمًا على النفوذ من المتوقع أن يغذيه استمرار الاضطراب السياسي في السودان.

وتتعامل طهران مع البحر الأحمر كمنطقة نفوذ مهمة لها تستهدف من ورائها الهيمنة في إطار الصراع مع قوى إقليمية ودولية متعددة، وتعظيم تموضعها في حال جلست على طاولة مفاوضات مباشرة مع السعودية، وتدرك أن الموقع الجيوستراتيجي الذي تتمتع به إثيوبيا في شرق القارة يهم الرياض وحلفاءها.

وقال رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية في القاهرة محمد محسن أبوالنور إن إيران تريد الاستفادة من اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع الصين، إدراكا منها أن بكين تعمل بطاقتها الكاملة في تلك المنطقة، وتريد طهران أن تحصل على نصيب من الكعكة الاقتصادية لشعوب شرق أفريقيا.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “السباق بين تركيا وإيران يرتكز بالأساس على توظيف طاقتهما الإنتاجية -في مجالات الغذاء والملابس القطنية والمحاصيل الزراعية- للتصدير إلى أسواق دول القارة التي تحتاج إلى بضائع قريبة وليست بعيدة”.

وأوضح أن إيران تستطيع أن تكسب هذا الصراع لصالحها، فلديها حضور فاعل في إريتريا التي دشنت فيها طهران قاعدة بحرية عسكرية عام 2008، إلى جانب أن لديها منصات انطلاق عديدة نحو أفريقيا وإيران واليمن، وصولاً إلى أديس أبابا، كما أنها توظف القراصنة التابعين لها وقطعها البحرية لحماية رحلاتها التجارية.

وبحسب أبوالنور فإن الطائرات المسيرة أكثر فاعلية لترسيخ نفوذ إيران في إثيوبيا لأن تكلفتها الإنتاجية زهيدة للغاية، وأثبتت طائرة “مهاجر 6” كفاءة مقارنة بالطائرات التركية والصينية الأخرى، كما أن إثيوبيا تعد مسرحا مهيأ لتجربة السلاح دون خسائر لطهران في الصراع القائم الآن داخل تيغراي، ويمكن أن يعزز نجاح السلاح الإيراني، في حين أن آبي أحمد سيتحمل وحده نتيجة الجرائم التي ترتكب.

وأشار المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الإثيوبي اللواء تمسجن طرونه إلى أن الجيش الإثيوبي يبني قاعدة عسكرية للطائرات المسيرة على بعد حوالي عشرة كيلومترات من وسط أديس أبابا، مُخصصة للمراقبة والاستخدام التكتيكي، في مركز تدريب واستخبارات تابع للوكالة التي يعد آبي أحمد أحد مؤسسيها.

وتحدثت تقارير غربية عن تسليم تركيا طائرات “بيرقدار تي بي 2″ و”أنكا – أس” المسيّرة للحكومة الإثيوبية، وتلعب هذه الطائرات دورا في إحداث توازن في ميزان القوى بين الجيش الفيدرالي وقوات جبهة تحرير تيغراي.

يصعب الفصل بين انخراط كل من تركيا وإيران في إثيوبيا وبين رغبة الطرفين في الاستئثار وحدهما بتحقيق نفوذ متصاعد داخل مناطق الاضطرابات الإقليمية، استمرارا لتزايد نفوذهما في العقد الأخير، على حساب مصر كقوة إقليمية كبيرة تقف ضد تركيا في ليبيا وشرق البحر المتوسط، وتقف ضد إيران في البحر الأحمر.

وقالت أستاذة العلوم السياسية بمركز الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة هبة البشبيشي “في إطار التنافس التركي – الإيراني على النفوذ يبعث الطرفان إلى القاهرة إشارات عديدة، مفادها أنه لن يكون مقبولاً تمددها في شرق أفريقيا بعد أن شكلت حائط صد مع الجيش السوداني لتأمين الحدود مع إثيوبيا، وحصنت قدراته العسكرية حتى تمكنت من استرداد منطقة الفشقة من القوات الإثيوبية”.

لعل ذلك كان سببًا في مطالبة القاهرة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية بالعمل على تجميد صفقة تقوم بموجبها تركيا ببيع طائرات مسيرة لإثيوبيا، واعتبرت أن أي شحنات من هذه الطائرات تهدد بإذكاء الخلاف في العلاقات بين تركيا ومصر التي تختلف مع أديس أبابا بشأن سد النهضة الذي تشيده إثيوبيا على النيل الأزرق.

العرب