أعلنت بعض وسائل إعلام عراقية، خاصة قنوات “دجلة” و”الشرقية” و”الرافدين” الفضائية، عن وصول قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، إلى العاصمة بغداد في 7 نوفمبر الجاري في زيارة غير معلنة، حيث التقي قاآني قادة الفصائل الشيعية المسلحة، كما اجتمع قاآني أيضاً مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والرئيس العراقي برهم صالح، حيث أكد رفضه الكامل لمحاولة الاغتيال التي تعرض لها الأخير، وذلك في إطار سعي إيران لضبط سلوك الميليشيات المسلحة الموالية لها، مقابل إشراك الأحزاب الممثلة لها في الحكومة العراقية القادمة.
توقيت الزيارة
جاءت زيارة إسماعيل قاآني للعراق في ظل تصاعد التوتر بين الكاظمي وفصائل الحشد الشعبي، وهو ما يمكن توضيحه في التالي:
1- محاولة تصفية الكاظمي الفاشلة: جاءت زيارة قآاني لبغداد بعد ساعات من فشل محاولة تصفية رئيس الوزراء العراقي في 7 نوفمبر الماضي بثلاث طائرات مسيرة، وهي المحاولة التي تتهم فيها ميليشيات إيران بتنفيذها، خاصة كتائب حزب الله العراقي، وعصائب أهل الحق، خاصة مع إطلاق تهديدات من قيس الخزعلي، زعيم العصائب، بتصفية الكاظمي على خلفية مقتل محتجين تابعين لهذه الميليشيات عند تجمهرهم أمام المنطقة الخضراء في 5 نوفمبر الجاري.
2- استباق نتائج الانتخابات النهائية: تقترب المفوضية العليا للانتخابات في العراق من عملية العد والفرز اليدويين للمحطات الانتخابية التي اعترضت عليها بعض القوى المعترضة على نتائج انتخابات العراق في أكتوبر 2021، فضلاً عن رفع الطعون إلى الهيئة القضائية للبت فيها، والتي سوف يعقبها إصدار النتائج النهائية.
ولا توجد مؤشرات، حتى الآن، توحي بأنه سوف يحدث تحوّل كبير في النتائج النهائية مقارنة بالنتائج الأولية، خاصة إذا ما استمرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية في مقاومة الضغوط التي مورست عليها من قبل ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران لتغيير النتائج، والتي كان آخرها تهديدها بتأليب الوضع العام في العراق في حال جرت المصادقة على نتائج الاقتراع بشكلها النهائي عند أرقامها المعلنة.
أهداف زيارة قآاني:
هدف قآاني من زيارته للعراق وعقده لقاءات مع العديد من القوى السياسية العراقية إلى تحقيق التالية:
1- استيعاب غضب الكاظمي: أعلن الكاظمي في أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة، أن الجهات المنفذة “معلومة ومعروفة”، وسيصل إليها القضاء، في إشارة إلى إدراكه بأن الميليشيات الولائية الموالية لطهران هي المتورطة في محاولة تصفيته.
واجتمع مجلس الأمن الوطني، أعلى مؤسسة أمنية في البلاد، برئاسة الكاظمي وبعضوية وزيري الدفاع جمعة عناد، والداخلية عثمان الغانمي، ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، ورئيس أركان الجيش عبد الأمير يار الله، وعدد من القادة الأمنيين في البلاد، وأصدر بيان أكد فيه ملاحقة “الجماعات المجرمة”، كما أكد البيان “أنه لا أحد أعلى من الدولة”، وهو ما يشير إلى عزم الكاظمي ملاحقة هذه القوى، وإدانتها، وتسليمها للقضاء.
كما أكد مسؤولون أمنيون عراقيون أن الطائرات مشابهة لطائرات نفذت هجمات على معسكرات أمريكية في أوقات متفرقة من العام الحالي، والتي سبق وأعلنت بعض الفصائل المسلحة تبنيها تلك الهجمات، وهو ما يحصر التحقيقات في جهتين فقط، وهما كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، على اعتبار أن الفصيلين يمتلكان الطائرات المسيرة المفخخة، إيرانية الصنع.
ويبدو أن الحسابات الإيرانية انصرفت إلى أن اتجاه الكاظمي لإدانة هذه الميليشيات سوف يضعف من شعبيتها، ويعزز من رصيد الكاظمي في الشارع العراقي، كما أنه سوف يستقطب إدانة المجتمع الدولي لطهران وميليشياتها، على نحو قد يعرض النفوذ الإيراني للانكشاف، أو لضغوط في الوقت الحالي، وهو أمر لا ترغب إيران في حدوثه.
2- تبرئة إيران من محاولة الاغتيال: من المستبعد أن تكون الميليشيات الولائية سعت لتصفية الكاظمي من دون تنسيق مع إيران، ولذلك سعى قآاني للالتقاء بالكاظمي في محاولة لدرء الاتهام عن إيران، ومحاولة تصوير محاولة الاغتيال باعتبارها تمت من قبل ميليشيات منفلته دون توجيه منها، ولذلك سرب قآاني أن اللقاء بينه وبين قيادات الميليشيات شهد نوعاً من الحدية بين الطرفين، الأمر الذي دعاه إلى عدم إطالة الاجتماع.
3- استيعاب الضغوط الأمريكية: تتخوف طهران من أن تؤدي محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء الكاظمي إلى فتح المجال أمام الولايات المتحدة للتدخل في التحقيقات العراقية بهدف الوقوف على الفاعل، في ظل إصدار الرئيس الأمريكي بايدن تعليمات إلى فريق الأمن القومي لمساعدة قوات الأمن العراقية على معرفة هوية مرتكبي تلك المحاولة، وهو ما سيؤثر بدوره بشكل سلبي على الدور والنفوذ الإيراني في العراق، خاصة إذا ما سعت الولايات المتحدة إلى إدانة إيران في المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة.
4- بحث ترتيبات تشكيل الحكومة الجديدة: تضمن جدول لقاءات قآاني في العراق زيارة السليمانية والنجف، وهو ما يؤشر على سعيه التأثير على محاولات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. وتسعى إيران إلى التوصل لتسوية قبل إعلان النتائج النهائية، تضمن من خلالها مشاركة الفصائل السياسية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي في الحكومة العراقية القادمة مقابل عدم اعتراضهم على نتائج الانتخابات، أو تصعيد من نشاطها المسلح ضد الحكومة العراقية اعتراضاً على نتائجها.
ويتمثل أحد العوامل التي قد تساعد قآاني على تحقيق أهدافه في مواجهة مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، والحاصل على المرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة، الصعوبات التي واجهها في تشكيل حكومة أغلبية، إذ تحفظ الحزب الديمقراطي الكردستاني وتقدم السنية على هذا الطرح، خوفاً من أن يؤدي استبعاد “الإطار التنسيقي”، إلى تدهور أمني حاد ينذر بحدوث اقتتال أهلي في العراق خلال الفترة القادمة.
ولكن على الجانب الآخر، تدرك إيران أن محاولة تشكيل حكومة عراقية جديدة تستوعب الأحزاب الشيعية الخاسرة لن يكون أمراً سهلاً، خاصة أن التيار الصدري، حتى في حالة موافقته على إشراك هذه القوى، فإنه سوف يسعى إلى الهيمنة على الوزارات السيادية، أو على الأقل الحصول على عدد من الوزارات يوازي عدد المقاعد التي نجح في الحصول عليها في الانتخابات العراقية الأخيرة، وهو ما يعني تقليص عدد الوزراء التي سيحصل عليها الإطار التنسيقي.
ومن جهة أخرى، فإن الكاظمي والصدر قد يسعيان إلى مناقشة وضع سلاح الميليشيات المنفلت للقوى التابعة لإيران وهي كلها سوف تكون مفاوضات معقدة، وتمثل ضغطاً حقيقياً على النفوذ الإيراني في العراق.
وفي التقدير، فإن زيارة قآاني تستهدف توظيف محاولة الاغتيال الفاشلة وإمكانية تورط الميليشيات الولائية التابعة لها في أعمال عنف خلال الفترة المقبلة كأوراق ضغط على التيار الصدري والكاظمي في محاولة لفرض القوى الشيعية التابعة لها على الحكومة العراقية الجديدة، وتقديم نفسها باعتبارها طرفاً يسعى إلى تجنيب العراق مخاطر الانقسام الداخلي، على الرغم من كونها من القوى التي تهدد أمن واستقلال العراق.
المستقبل للدراسات