قالت مصادر عراقية مطلعة إن لقاء الرئيس برهم صالح بعدد من النواب المستقلين الفائزين في الانتخابات يهدف إلى تشجيعهم على تكوين كتلة متماسكة، وألا يحسوا بالضعف ويتسربوا إلى الكتل التابعة للأحزاب ويصبحوا أداة من أدواتها في تحقيق مكاسب لها ولأطراف خارجية تعمل لحسابها.
وأشارت هذه المصادر إلى أن برهم صالح يسعى لأن يشكل المستقلون كتلة غير معلنة لإسناد ما أسماه “حكومة فاعلة”، ولأن يكونوا رقما مهمّا في دعم حكومة وطنية لا تخضع لإرادة الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، معتبرة أن فرصة المستقلين في لعب هذا الدور باتت واردة جدا بعد فشل لقاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بقيادات الإطار التنسيقي للأحزاب الشيعية.
وجدد الصدر بعد الاجتماع الدعوة إلى حكومة أغلبية وطنية. وقال في تغريدة على تويتر:
واعتبرت المصادر ذاتها أن فشل الحوار بين الصدر والإطار التنسيقي يعطي برهم صالح وحليفه رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي فرصة أن يقولا للصدر “هذه كتلتنا غير المعلنة التي أكلت الكثير من حصة منافسيك في حزب الدعوة وتحالف الفتح، وإنه يمكنك الانفتاح عليها في مسعى تشكيل حكومة متحررة من ضغوط الأحزاب التي حكمت العراق لسنوات طويلة دون أن تحقق شيئا عدا الفساد والفوضى الأمنية وتثبيت دعائم نفوذ إيران في العراق”.
وقال مصدر عراقي مطلع “سمّها كتلة الاحتجاجات أو كتلة انتفاضة تشرين، لكنها رسالة العراقيين ضد الأحزاب الشيعية والحشد. إذا كان الإطار التنسيقي يتحرك ويستعرض قوته، فهذه الكتلة هي الرد الديمقراطي غير الطائفي على الإطار”.
وأضاف “الصدر يتحدث عن حكومة أغلبية وطنية. هذه الكتلة الصامتة هي الفائز الثاني في الانتخابات والأحق من غيرها في أن تكون في الحكومة”.
وحسابيًّا تأتي كتلة المستقلين التي تضم 43 مقعدا في المرتبة الثانية بعد كتلة الصدر بـ73 مقعدا، يليها تحالف “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي (سُني) بـ37 مقعدا، ثم ائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (شيعي) برصيد 33 مقعدًا، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني (كردي) بـ31 مقعدًا. وهو ما يجعلها كتلة مؤثرة في مسار تشكيل الحكومة لو توحد كل الفائزين فيها، ويمكن أن تَرْجَح الكفة لفائدة تحالف حكومي مدعوم من الصدر وبرهم صالح والكاظمي.
اقرأ أيضا: “سقيفة إيرانية” في بيت العامري تشترط على الصدر عدم التجديد للرئاسات الثلاث
وكشف مصدر مطلع أن الاجتماع الذي عقد في منزل هادي العامري والتقى فيه الصدر بقادة الإطار التنسيقي، وعلى رأسهم رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ركز على عدم التجديد لرئيسَيْ الجمهورية والحكومة وكذلك رئيس البرلمان.
وقال المصدر في تصريح لمراسل “العرب” في بغداد إن “قادة الإطار التنسيقي يريدون، من خلال مطالبتهم بإزاحة رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، التخلص من شخصيات تحظى بدعم شعبي وتقف أمام هيمنة الميليشيات على الدولة العراقية”.
ويدعم أي تحالف مع الصدر والكاظمي حظوظ برهم صالح في الحصول على دورة رئاسية جديدة بصرف النظر عما إذا كانت الأحزاب الكردية ستستمر في دعمه أم ستبحث عن مرشح آخر.
ولم يخف صالح هذه الرغبة وذلك في تصريحات له قبل إجراء الانتخابات أكد فيها أن “مهمتي الأولى إجراء الانتخابات بسلام، وأتطلع إلى الحصول على ولاية ثانية، فلدي الكثير لأقدمه في هذا المنصب”.
ويمثل بقاء صالح في منصبه علامة من علامات الاستمرارية والتواصل في قمة السلطة في بلد مضطرب، فضلا عن قدرته الشخصية على الانفتاح على مختلف مكونات المشهد العراقي وإدارة الخلافات بينها، ما يجعله عنصر توازن رئيسيّا. كما أن له علاقات خارجية جيدة خاصة في المحيط الإقليمي، وهو الشخصية التي ينظر إليها عراقيًّا على أنها الأقدر على تبديد الخلافات مع المحيط العربي وإزالة الشكوك التي خلقها النفوذ الإيراني في البلاد.
وأكّد صالح الخميس خلال لقائه بالنواب المستقلين أن البرلمان العراقي الجديد يكتسب أهمية بالغة واستثنائية لكونه جاء بعد انتخابات مبكرة استجابةً لرأي عام وطني واسع يطالب بالإصلاح وتحسين الأوضاع العامة في البلاد، داعيا القوى السياسية إلى التكاتف من أجل تشكيل حكومة فاعلة في الفترة المقبلة.
وقالت رئاسة الجمهورية في بيان لها “جرى خلال اللقاء بحث الأوضاع العامة في البلاد والاستحقاقات الوطنية المقبلة”.
وأضافت أنه “تمّ التأكيد على أن استقرار البلد وحماية أمن المواطنين أولوية قصوى، والشروع في عملية إصلاحات واستكمال الملفات المتعلقة بالأوضاع المعيشية والخدمية المرتبطة بشكل وثيق مع احتياجات المواطنين”.
ويعتقد مراقبون أن فشل الأحزاب المختلفة في تغيير خارطة المقاعد بعد المطالبات بالفرز اليدوي سيدفع إلى نوع من التهدئة بينها، وأن هذا سينعكس على وضع رئيس الجمهورية كما على رئيس الحكومة في ظل عدم ميل من الصدر إلى تحمل مسؤولية قيادة الحكومة بشكل مباشر من قيادي من التيار الصدري وتحمله نتائج ذلك في المستقبل.
ومنذ منتصف أكتوبر الماضي يتظاهر أنصار القوى الخاسرة وسط العاصمة بغداد، في ظل أجواء سياسية مشحونة تخللتها محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في السابع من نوفمبر الماضي.
صحيفة العرب