على الرغم من مضي قرابة الشهرين من إجراء الانتخابات التشريعية المبكّرة في العراق، إلا أن جدل النتائج التي ظهرت يؤخّر اعتمادها، في ظل تصاعد اعتراضات ما بات يعرف باسم الإطار التنسيقي، الذي يضم عدة قوى شيعية خاسرة في الانتخابات، والتي على الرغم من كل ما قامت به من اعتراضات ورفض لتلك النتائج، إلا أن مسار العملية الانتخابية ونتائجها لا يبدو أنه سيشهد تغييرا كبيرا عن تلك النتائج الأولية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات في الأسبوع الأول عقب اقتراع العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأظهرت فوزا لكتلة التيار الصدري بقرابة 73 مقعدا، وأفرزت تقدّما واضحا للقوى السنية والكردية التي شاركت في تلك الانتخابات، ممثلة بتحالف “تقدّم” بزعامة الرئيس السابق للبرلمان، محمد الحلبوسي، والذي حصد نحو 37 مقعدا، وتحالف “عزم” بزعامة خميس الخنجر، والذي حصل على 14 مقعدا، بالإضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني الذي حصل على 33 مقعدا.
وإذا كانت القوى الشيعية لم تحسم أمرها بعد في ما يتعلق بكيفية تشكيل الحكومة بين من يطالب بأن تكون توافقية وضمان مكاسب للقوى الخاسرة ومن يريدها حكومة أغلبية سياسية بعيدا عن حكومات التوافق، كما يطالب بذلك مقتدى الصدر، فإن القوى الكردية والسنية على ما يبدو غير متعجلةٍ من أمرها في اختيار شريكها المقبل، قبل أن يحسم الشيعة جدل الانتخابات ونتائجها.
وهنا تبرز عدة مقاربات، تجعل من القوى الكردية والسنية، إذا ما أحسنت التعامل مع نتائج الانتخابات وقراءة مستقبل العملية السياسية برمتها، بيضة قبّان مؤثرة في هذه العملية السياسية التي تعاني من شبه انسداد بعد نحو 18 عاما من غزو العراق وما تبعه من تداعيات، كان منها هذه العملية السياسية التي لا يبدو أنها باتت قادرة على أن تشكل طريقا لخلاص العراق مما يعانيه من تراكماتٍ لعقود خلت.
النفوذ الإيراني على القرار العراقي معروف، وهو قد يتعدّى القوى الشيعية، ليصل حتى إلى القوى السنية والكردية المشاركة في العملية السياسية
يمتلك اليوم السنة والأكراد أكثر من مائة مقعد في البرلمان المقبل، ناهيك عن المستقلين والقوى الصغيرة الأخرى، وهو عدد كبير ومهم، إذا ما علمنا أن لدى هذه القوى إمكانات كبيرة لا تتعلق فقط بعدد نوابها في البرلمان، وإنما أيضا بما لديها من تفاهماتٍ بدأت ملامحها تبرز خلال الفترة الماضية، سواء من خلال لقاءات تنسيقية أو علاقات طيبة تربط بينهما، صقلتها عدة تجارب في عراق ما بعد 2003، فكلاهما شعر، في لحظة معينة، أن القوى السياسية الشيعية التي هيمنت على القرار العراق عقدا ونصف العقد، عملت على إقصائهما، السنة والأكراد، ما جعل إمكانية التحالف بينهما أمرا حتميا، وليس مجرد تكتيك سياسي مرحلي، ما يعني أن التفاوض على شكل الحكومة القادمة سيتجاوز موضوع توزيع المناصب وفقا للاستحقاق الانتخابي وإنما ايضا يتعداه إلى كيفية المشاركة الفعلية في إدارة شؤون الدولة.
المشاركة في إدارة شؤون الدولة مختلف القوى السياسية العراقية ستضمن، ولو بقدر معين، توزيع المهام والأدوار، ويُخرج حتى القوى الشيعية من دائرة الاتهام التي باتت تطاولهم مع كل أزمةٍ من أنهم فشلوا في إدارة مقدّرات البلاد، وهو ما تحتاجه القوى السياسية الشيعية اليوم أكثر من أي وقت مضى.
النفوذ الإيراني على القرار العراقي معروف، وهو قد يتعدّى القوى الشيعية، ليصل حتى إلى القوى السنية والكردية المشاركة في العملية السياسية ولو بقدرٍ أقل، ما يعني السماح لتلك القوى بالمشاركة الفعلية في إدارة شؤون الدولة، الالتفاف على هذا النفوذ الإيراني وإيجاد مساحة للمراوغة، يمكن أن تُفلح في أخذ العراق ولو على مراحل، من حاضنته الإيرانية التي باتت معضلة كبيرة تواجه أي حكومة تتشكل.
على أي تحالف شيعي سيتقدّم لتسمية رئيس الحكومة المقبل أن يفهم أنه هو، وليس السُنة والأكراد، بحاجةٍ إلى أن تكون الحكومة المقبلة حكومة شراكة وطنية
من هنا، سيكون لزاما على الفاعلين السياسيين، السني والكردي، فهم تلك المعادلة واستغلال طبيعة المرحلة التي تشهد، بطريقة أو بأخرى، انكفاءً ملحوظا للنفوذ الإيراني الذي بات مشغولا أكثر بسياقات التفاوض مع الغرب والولايات المتحدة، من أجل رفع العقوبات الاقتصادية مقابل عودته إلى الاتفاق النووي الموقع في العام 2015.
بداية، على الزعيمين السُنيين، محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، الوصول إلى آلياتٍ للتفاهم بينهما، وتوحيد صفوفهما، ومن ثم التوجّه إلى الأكراد، وتحديدا إلى مسعود البارزاني، من أجل التوافق على آلياتٍ للتفاهم تسمح لتكتل يجمع بينهما من أن يكون فاعلا، ليس في توزيع المناصب تبعا للاستحقاق الانتخابي، وإنما أن يكون لهذا التكتل حضور فاعل في صنع القرار السياسي والأمني في العراق، لتصل رسالة واضحة إلى طهران تحديدا، مفادها بأن الانتخابات فرضت واقعا سياسيا جديدا في العراق وعلى إيران أن تحترمه.
وهنا لا بد أن يشار إلى أن على أي تحالف شيعي سيتقدّم لتسمية رئيس الحكومة المقبل، سواء تكتل الصدر أو تكتل قوى الإطار التنسيقي، أن يفهم أنه هو، وليس السُنة والأكراد، بحاجةٍ إلى أن تكون الحكومة المقبلة حكومة شراكة وطنية، وأن يُنهي فعليا حكومة الاستفراد الشيعي بالقرار، لأن الوضع في العراق لم يعد يحتمل مزيدا من التسلّط، وتظاهرات تشرين التي انطلقت في مدن الجنوب عام 2019، يمكن لها أن تملأ الشوارع والساحات من جديد، إذا ما فشلت أي حكومة جديدة في تحسين الوضع العام في العراق.
إياد الدليمي
العربي الجديد