حشود روسيا على الحدود مع أوكرانيا.. أوروبا تستعد للأسوأ وعينها على التسوية

حشود روسيا على الحدود مع أوكرانيا.. أوروبا تستعد للأسوأ وعينها على التسوية

يبدو أن تزايد نبرة التصريحات الغربية حيال الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا وردود موسكو عليها، ليست بعيدة عن محاولة الوصول إلى أقصى ما يمكن في كواليس البحث عن تسويات. فأوكرانيا كانت على طاولة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أمس الاثنين، وهي كذلك يوم غد الأربعاء في اجتماع “الشراكة” مع شرق أوروبا، بمشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، وستكون حاضرة بعد غد الخميس في قمة الاتحاد الأوروبي ببروكسل.

يتعزز منسوب القلق الأوروبي على خلفية التقارير الاستخباراتية عن الحشود الروسية

في هذا الصدد، نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر من الحكومة الألمانية اليوم قوله إن الاتحاد الأوروبي يجري محادثات مع الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن إمكانية فرض عقوبات مالية على روسيا في حالة شنها هجوما على أوكرانيا.

وذكر المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن القمة ستبعث رسالة تضامن قوية مع أوكرانيا وتحذيراً لروسيا أيضا بسبب تعزيزاتها العسكرية على الحدود.

موسكو، المتهمة بتصعيد الموقف العسكري، لم تأبه كثيرا لتزايد نبرة الوعيد والقلق الأوروبي-الأميركي، فدفعت في الأيام الماضية بمناورات عسكرية إلى منطقة روستوف على حدود أوكرانيا. وعين الكرملين تركّز بشكل رئيس على عدم تطبيق وعود حلف شمال الأطلسي في 2008 حول عضوية أوكرانيا.

في الأثناء، ذكر بيان للكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي، اليوم الثلاثاء، إن موسكو تريد إجراء محادثات فورية مع الدول الغربية لمنع زيادة توسع حلف شمال الأطلسي شرقا.

وأضاف البيان: “أكد الرئيس الروسي أهمية البدء فورا في مفاوضات دولية لوضع ضمانات قانونية تمنع أي توسع جديد لحلف شمال الأطلسي شرقا، ونشر أسلحة تهدد روسيا في بلدان مجاورة، أوكرانيا بشكل أساسي”.

وعلى ما يبدو، فإن دول الحلف الغربي ترفض منح موسكو “فيتو” على توسيع عضويته ليصل إلى جورجيا، بعد أوكرانيا، وأبعد منهما، في ما يشبه “الحقبة السوفييتية”. ولا يوجد توافق تام في صفوف الحلف حول عضوية أوكرانيا فيه، فرغم تراجع بريطانيا ودعمها حاليا العضوية، لا تزال دول أخرى وازنة، بينها ألمانيا وفرنسا، أكثر ترددا، آخذةً بالاعتبار علاقاتها بروسيا.

وعليه، يعبر الأوروبيون عن ضرورة “الاستعداد للأسوأ”، بحسب تصريحات مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل في أعقاب اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين أمس الاثنين.

وعلى طاولة الأوروبيين، يتعزز منسوب “القلق” على خلفية التقارير الاستخباراتية عن الحشود الروسية. فتصريحات بوريل أكدت وقوف أوروبا مع سيادة ووحدة أوكرانيا، وأن الأوروبيين “مجمعون على أن أي هجوم على أوكرانيا ستكون له عواقب سياسية وتكاليف اقتصادية عالية لروسيا”. وفي الوقت نفسه، لم يخف بوريل رغبته في تبريد الأجواء المشحونة “كي لا يُستفز الروس” من جانب أوكرانيا.

واتهم الرئيس الأوكراني، اليوم الثلاثاء، ألمانيا بمنع تسليم أسلحة دفاعية إلى كييف.

وقال زيلينسكي في مقابلة مع صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية: “منعتنا ألمانيا مؤخراً من الحصول على شحنات بنادق مضادة للطائرات المسيرة وأنظمة مضادة للقنص في إطار (التعاون مع) حلف شمال الأطلسي، وهي أسلحة دفاعية بحتة”.

وأضاف، وفق ما أوردته “فرانس برس”، أن “أي دولة ديمقراطية تحمي نفسها من العدوان يجب أن يكون لها الحق في الحصول على هذا النوع من الأدوات الدفاعية. ولكن الخوف هو الذي يهيمن دائماً في عواصم معينة”.

كواليس “التكاليف الباهظة”
الخطوات الأوروبية بإرسال إشارة من خلال التصميم على فرض عقوبات اقتصادية على مرتزقة “فاغنر” الروسية، ليست بمعزل عن”الاستعداد للأسوأ”، والتي عبر عنها بوريل في معرض تحذيره الجانب الروسي، واعتبر أنه يخوض عبر المرتزقة “حربا هجينة” يمكن أن تشعل الوضع في أوكرانيا. وذلك يعني التركيز على سياسات عقوبات أوروبية متواصلة منذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014.

ونددت روسيا، اليوم الثلاثاء، بالعقوبات ضد “فاغنر”، ووصفتها في بيان للخارجية بأنها نوع من “الهستيريا التي انتشرت في الغرب حول هذا الموضوع”، مشيرة إلى أن “روسيا تحتفظ بحق الرد على الأعمال العدائية من جانب الاتحاد الأوروبي”.

وحتى على ضوء التقارير المحذرة من إمكانية تكرار “غزو سريع” لأراض أوكرانية، ما زال الجانب الأوروبي مترددا في استعراض العسكرة بوجه موسكو. وخلال الأيام القليلة الماضية، تزايد استخدام تعبير “العواقب الوخيمة” في التصريحات الغربية، إذ لم يقتصر الأمر على الجانب السياسي الأوروبي، بل عسكريا، حين ذهب أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إلى اللغة ذاتها في تحذير روسيا. وهو ما ينسحب على واشنطن، كما رشح بعد لقاء بوتين-بايدن الافتراضي أن الحلفاء “سيردون بإجراءات اقتصادية قوية، وغيرها”.
ولغة “التكاليف الباهظة”، التي صدرت الأحد الماضي عن مجموعة الدول السبع (الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان وكندا)، لا تلغي احتمال أن الكواليس تشهد حراكا آخر غير قرع طبول الحرب.

فالجانب الغربي يسعى، تزامنا مع لغة الوعيد “الاقتصادي”، إلى نوع من “تبريد” الجانب الأوكراني، بحجة “عدم استفزاز روسيا” ومنحها ذريعة، بحسب بوريل.

وليام بيرنز: كل المناورات الروسية لتحقيق الضمانات لا تعني الاستهانة برغبة بوتين بالمخاطرة بمواجهة مسلحة عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا

عموما، يبدو أن الكرملين يقرأ جيدا القلق الغربي. فمن ناحية، لا يبدو أن واشنطن، ولا حتى “الناتو”، مستعدة لخوض حرب مباشرة مع روسيا في أوكرانيا، ومن ناحية أخرى، تساهم إشارات موسكو في تشويش المواقف الغربية وتقسيمها. وكان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، بحسب ما نقلت عنه “بي بي سي”، قد دعا جميع الأطراف إلى تبريد الدماء بماء بارد، حتى لا ينتهي الأمر بتكرار “أزمة الصواريخ الروسية في كوبا” عام 1962، التي جعلت الطرفين الروسي والأميركي على حافة حرب نووية.

أحلام بوتين في أوكرانيا ترتطم بمخاوف الحظر (Getty)
اقتصاد دولي
هل تصبح أوكرانيا شركاً لاصطياد الاقتصاد الروسي الهش؟

تصعيد البحث عن تسويات
التصعيد في اللهجة على جانبي الأزمة يشي بالاستعداد لممارسة أقصى الضغوط من أجل تحقيق تسوية ما، تأخذ بالاعتبار بواعث قلق الكرملين من علاقة أوكرانيا وجورجيا بحلف شمال الأطلسي، وعدم نشر سلاح الحلف فيهما على وجه الخصوص.

ورغم أن القوى الغربية ترفض علنا ضمانات لا تضم أو توثق تعاونا مع كييف وتبيليسي مستقبلا، تواصل موسكو من ناحيتها أقصى درجات الضغط لخلق ردع ذاتي لدى الدولتين بعدم طلب الانضمام إلى حلف الأطلسي. وتشكل أوكرانيا تحديدا موقعا مهما للدفاع عن موسكو بوجه الصواريخ الغربية، وأهم بكثير من موقع دول البلطيق التي أصبحت عضوا في النادي الدفاعي الغربي. ويحاول الروس إقناع الغرب بأن أوكرانيا بالنسبة لأمنهم هي مثل كوبا لأميركا قبل 60 سنة، بعد نشر الصواريخ السوفييتية فيها.

لغة “التكاليف الباهظة”، والتي صدرت الأحد الماضي عن مجموعة الدول السبع، لا تلغي احتمال أن الكواليس تشهد حراكاً آخر غير قرع طبول الحرب.

في كل الأحوال، روسيا تعرف أيضا أن التهديد الاقتصادي الغربي ليس أمرا هينا إن اضطرت إليه أوروبا، فتطبيق تجميد تدفق غاز “سيل الشمال 2” (نوردستريم 2) يعني عمليا ضياع نحو 11 مليار دولار من كلفة الخط إذا ما طبقت العقوبات الاقتصادية.

ورغم ما ستدفعه أيضا أوروبا من ثمن “حرب الغاز” إذا ما لجأت إليها موسكو، فإن الأمر لن يكون بمستوى الضرر ذاته الذي سيصيب مشاريع روسيا التي تعاني من عقوبات غربية.

مع ذلك، يبقى سيناريو خروج الأمر عن السيطرة قائما. إذ بالنسبة لمدير الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز، فإن كل المناورات الروسية لتحقيق الضمانات “لا تعني الاستهانة برغبة الرئيس بوتين بالمخاطرة (بمواجهة مسلحة) عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا”، بحسب ما نقلت عنه “وول ستريت جورنال” قبل أيام من قمة الأوروبيين الخميس المقبل.

العربي الجديد