لا تولي الولايات المتحدةُ، المنشغلة بالملف النووي الإيراني والنفوذيْن الروسي والصيني المتصاعديْن، الأزمةَ السوريةَ اهتمامًا كبيرا رغم أن الوضع الراهن في دمشق صار منفتحا أكثر على تسويات ممكنة للحرب المستمرة منذ عشر سنوات.
واجتذبت الحرب السورية الجيوش الأميركية والإسرائيلية والتركية، ولا يزال خطر وقوع اشتباكات بينها وبين القوات الإيرانية والروسية المتحالفة مع النظام السوري محدقا، بينما تفوت واشنطن فرصا كثيرة للتهدئة وعقد اتفاقات تسوية سلمية.
ويقول جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سوريا، في تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” إنه في الوقت الذي يركز فيه الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه على الملف النووي الإيراني، لا تزال الحرب في سوريا تمثل جرحا مفتوحا في قلب الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الإدارة الحالية لم تخرج بشكل ملحوظ عن نهج الإدارات السابقة، إلا أن قرارها نزع صفة الأولوية عن الصراع يأتي في وقت سيء للغاية.
ويرى أن الفرص المتاحة لإيجاد حل للأزمة السورية بدأت تظهر الآن، وينبغي للولايات المتحدة أن تكرس الطاقة الدبلوماسية اللازمة لاغتنام هذه الفرص. ولا تشمل مفاتيح النجاح بعد سنوات من الفشل المشاركة رفيعة المستوى فحسب، بل تشمل أيضا تقييما واقعيا لما يمكن تحقيقه في أي اتفاق.
جيمس جيفري: على واشنطن اغتنام الفرص المتاحة لحل الأزمة السورية
ويضيف أن “هناك مخاطر جسيمة تترتب على عدم إيلاء سوريا اهتمامًا. ويمثل الصراع بالفعل تحديات جمّة؛ فقد تسبب في تهديدات جيوسياسية، بدءا من صعود تنظيم داعش ومرورا بنشر صواريخ إيرانية دقيقة تستهدف إسرائيل ووصولا إلى تدفقات اللاجئين الهائلة التي تهدد بزعزعة استقرار الدول المجاورة وأوروبا”.
وأسفرت الحرب الأهلية السورية التي دامت عقدا عن خسائر فادحة في الأرواح، وشردت نصف السكان من ديارهم، وتركت معظم السوريين فقراء. ويشدد جيفري على أن ترك هذه الديناميات دون معالجة يهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط.
ويقول جيفري الذي يشغل خطة المبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش ويعمل حاليا مديرا لبرنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون إن “انتهاك الرئيس بشار الأسد في يوليو اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب الغربي الذي تم التفاوض عليه بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2017، وهجوم شنه مقاتلون مدعومون من إيران في أكتوبر ضد القوات الأميركية في قاعدة التنف في جنوب سوريا، دون رد أميركي ملحوظ، يمكن أن يشجعا الأسد أو الإيرانيين على التصعيد في المناطق التي تقوم القوات التركية أو الأميركية بدوريات فيها”.
وأشار مسؤولون كبار في إدارة بايدن مرارا إلى أنهم غير مهتمين ببذل جهد كبير لحل النزاع السوري. ومع تغير الحالة وتبلور حل وسط محتمل، ينبغي لهم أن يعيدوا تقييم ذلك القرار.
وعلى الرغم من أن اهتمام الولايات المتحدة بإيران تهيمن عليه مفاوضات البرنامج النووي الحاسمة بدلا من الإجراءات الإقليمية التي تتخذها طهران، فإنه بمجرد أن يكون لدى الإدارة الأميركية المزيد من الوضوح حول الاتجاه الذي ستؤول إليه الأمور بشأن تلك المحادثات، يجب عليها أن تشارك بجدية في سوريا.
ويرى المبعوث الأميركي أن هناك مخاطر قد تترتب على تجاهل الصراع ومن ثم لا ينبغي تفويت فرصة الفوائد المحتملة للتوصل إلى اتفاق.
ويقول “على الولايات المتحدة أن تقود أي جهد دبلوماسي متجدد للتوصل إلى حل للصراع السوري”.
Thumbnail
وعلى الرغم من أن أي اتفاق يجب أن يكون متسقا مع الدور الرسمي للأمم المتحدة فإن واشنطن وحدها هي التي يمكنها التنسيق بين العديد من أعضاء التحالف المناهض للأسد.
والطرف الوحيد الذي يمكن للولايات المتحدة التحدث إليه في هذه المفاوضات هو روسيا. أما أولئك الذين حاولوا إبرام صفقات مباشرة مع الأسد منذ عام 2011 فقد خاب أملهم، وترفض إيران عادة مناقشة تصرفاتها في الدول المجاورة مع دول من خارج المنطقة.
ولا تسيطر موسكو بالكامل على الرئيس الأسد بل تتنافس على النفوذ مع إيران، لكنها لا تزال الشريك الأكبر في التحالف الروسي – السوري – الإيراني. كما أن طموحات موسكو محدودة أكثر من دمشق أو طهران، مما يجعلها أكثر قابلية لحل الصراع حلا تفاوضيا.
بناء على ذلك يشير جيفري إلى أنه ينبغي لإدارة بايدن أن تسعى لخفض التصعيد خطوة بخطوة من قبل الجانبين. وهذا يشبه الاستراتيجية التي اعتمدتها الإدارتان الأميركيتان السابقتان، لكن القضايا المحددة التي يجب تحديد أولوياتها ستعتمد على تفضيلات إدارة بايدن وتفضيلات شركائها والجانب الآخر.
وفي المقابل من المرجح أن تضغط روسيا من أجل انسحاب الجيوش الأميركية والإسرائيلية والتركية من سوريا. ومن المرجح أيضا أن تطالب موسكو بتعاون الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في سوريا ضد تنظيم داعش الذي يبدو الأسد غير قادر على هزْمه، إلى جانب تخفيف العقوبات وعودة اللاجئين من تركيا والأردن ولبنان إلى بلداتهم ومدنهم الأصلية.
وقد تأمل روسيا، ربما بشكل غير واقعي، أن تطلق هذه الخطوات العنان للاستثمار الأجنبي في سوريا، وبالتالي تمكين موسكو من دعم اقتصاد البلاد المنهار.
ويقول جيفري إنه يتعين أن يكون إبرام أي اتفاق رسمي ضمن قرار جديد لمجلس الأمن الدولي وإرساء الرقابة على التزامات كل طرف. والنتيجة النهائية ستكون عودة سوريا كدولة “طبيعية” وعضو كامل العضوية في جامعة الدول العربية.
صحيفة العرب