عادت المسيّرات التركية المعروفة باسم “بيرقدار تي بي 2” إلى واجهة الأحداث مرة أخرى في الأيام الأخيرة، من بوابة انزعاج روسي وأميركي.
وجاء هذا من خلال تصعيد إعلامي روسي ضدها، بتصريحات وصور نشرتها لإسقاط إحدى المسيّرات، وعبر إقرار الكونغرس، في قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي لعام 2022، بنداً يدعو لمراقبة المسيّرات التركية.
هذا الأمر يطرح تساؤلات عن أسباب الانزعاج هذه. وهل يمكن أن تتطور إلى محولات للتأثير على تركيا في مشروع إنتاجها وتصديرها، وكيف يمكن لأنقرة أن تتصدى لأي ضغوط في هذا السياق؟
شكّلت المسيّرات قوة ضاربة لأنقرة في عدد من الجبهات
وقال مصدران، لوكالة “رويترز” أمس الأربعاء، إن هناك خلافات بين السلطات الأميركية وتركيا بشأن مبيعات أنقرة من الطائرات المسيرة المسلحة إلى إثيوبيا. وأضافا أن هناك أدلة متزايدة على أن الحكومة الإثيوبية استخدمت الأسلحة ضد المقاتلين المتمردين. وقال مسؤول غربي كبير إن لدى واشنطن “مخاوف إنسانية بالغة” بشأن هذه المبيعات التي قد تتعارض مع القيود الأميركية على صادرات الأسلحة إلى أديس أبابا.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان “أثار تقارير عن استخدام طائرات بدون طيار مسلحة في إثيوبيا وما يصاحب ذلك من خطر إلحاق الأذى بالمدنيين” خلال زيارة قام بها إلى تركيا الأسبوع الماضي.
وأكد مسؤول تركي رفيع المستوى أن واشنطن أعربت عن انزعاجها في عدد قليل من الاجتماعات، لكنه أضاف أن أنقرة “ستواصل تطبيق السياسات التي وضعتها في هذا المجال”.
ووافق الكونغرس، قبل أيام، على مشروع الدفاع الوطني الأميركي، المعروف باسم”NDAA”، متضمناً البند الذي قدمه عضو الكونغرس الأميركي الديمقراطي بوب مينينديز، ضمن مشروع قانون ملحق، يطالب بمراقبة المسيّرات التركية عن قرب.
أميركا تراقب برنامج المسيرات التركية
ومشروع الدفاع الوطني الأميركي المتعلق بالمسيّرات التركية تضمّن أن “المسيّرات التركية بيرقدار تي بي 2” كان لها دور حاسم في الحرب، التي حصلت العام الماضي، بين أذربيجان وأرمينيا. وبعدها اشترت دول، مثل بولندا والمغرب وأوكرانيا، هذه المسيّرات، فيما أبدت دول، مثل أنغولا وإثيوبيا والنيجر ونيجيريا ورواندا، اهتماماً بها.
كما جاء في المشروع أن “وزارتي الخارجية والدفاع تراقبان برنامج المسيّرات التركية منذ عام 2018، وتعدان تقارير سنوية إن كانت تتضمن تلك المسيّرات تقنيات مصنوعة في أميركا، والمطالبة بتحويل تلك التقارير إلى تقارير ملزمة”.
كما اشترط المشروع أن “يتم تثبت إن كانت الصادرات العسكرية التركية تتماشى مع القوانين التي تراقب تلك الصادرات، وإن كانت تخل بالعقوبات الأميركية”. كما وصف المشروع الطائرات المسيّرة التركية بأنها “خطيرة، وتشكل عدم الاستقرار وتهدد السلام وحقوق الإنسان”.
روسيا تروج لسهولة استهداف المسيرات التركية
من جهتها، عملت روسيا، عبر وسائل إعلامها، على الحديث عن أن المسيّرات التركية أهداف سهلة. ونشرت صوراً ادعت أنها لواحدة من هذه المسيّرات أسقطتها منظومة “بانتسير” الروسية في سورية عبر قوات النظام.
صبحي توفيق: روسيا وأميركا ترغبان في الحفاظ على احتكارهما لإنتاج السلاح المتقدم تكنولوجياً
ونقلت قناة “روسيا اليوم”، الأحد الماضي، عن نائب قائد قوات الدفاع الجوي في القوات الجوفضائية الروسية، يوري مورافكين، تأكيده أن طائرات “بيرقدار” التركية المسيّرة هدف سهل إسقاطه بصواريخ “بانتسير”، ويمكن لمنظومة الدفاع الجوي متابعته من لحظة الإقلاع وحتى الهبوط، نظراً لحجمها وسرعتها، إذ تشكل هدفاً سهلاً، حتى إذا كان مستوى تدريب طاقم “بانتسير” عند درجة المقبول. فيما بث التلفزيون مشاهد تظهر حطام “بيرقدار”، تم إسقاطها من قبل قوات النظام فوق محافظة إدلب بواسطة “بانتسير”.
كذلك أعربت روسيا غير مرة عن انزعاجها من انتشار “بيرقدار” التركية، التي اشترتها أوكرانيا، على حدودها، في ظل تصاعد الأزمة بين روسيا والغرب على الساحة الأوكرانية، والخشية من استخدامها في حال توترت الأجواء على الجبهة.
وهذا ربما يفسر سبب التصعيد الإعلامي ضد المسيّرات التي كان لها دور حاسم قبل أكثر من عام في المعركة بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورني كاراباخ، حسمته أذربيجان باستعادة السيطرة على الإقليم، باتفاق رعته موسكو وأنقرة. وبرز في تلك المعركة دور المسيّرات التركية باستهداف قوات الجيش الأرمني.
وشكّلت هذه المسيّرات في السنوات الأخيرة قوة ضاربة لأنقرة في عدد من الجبهات، أهمها في دعم حكومة الوفاق الوطني بليبيا، واستهداف الوحدات الكردية في سورية، وحزب العمال الكردستاني في العراق، وقوات النظام في إدلب، فضلاً عن دورها بمعركة ناغورني كاراباخ.
ونتيجة للدور المؤثر لتلك المسيّرات، اشترت كل من أوكرانيا وبولندا وأذربيجان وقطر والمغرب وكازاخستان المسيّرات التركية، فيما أبدت عدة دول اهتمامها بها. في حين تكشف تركيا بين فترة وأخرى عن تطوير سلاح المسيّرات، مع إدخال المسيّرة الهجومية “أكنجي تيها” إلى الخدمة قبل أشهر.
وتطرح المواقف الأميركية والروسية تساؤلات عن إمكان توجّه الدولتين لإعاقة برنامج المسيّرات التركية والتأثير عليه، والسبل التي يمكن اللجوء لها في هذا الإطار، والخيارات التركية للتصدي لها.
روسيا وأميركا لا تريدان منافسة في سوق المسيرات
وتعليقاً على ذلك، قال العميد الركن المتقاعد الخبير العسكري صبحي ناظم توفيق، لـ”العربي الجديد”، إن “الانزعاج الروسي الأميركي غير مستغرب لعدة أسباب، أبرزها أن هاتين الدولتين ترغبان في الحفاظ على احتكارهما لإنتاج السلاح المتقدم تكنولوجياً، كما دأبتا على هذا النهج منذ عقود. وهما لا ترغبان بأن تدخل دول أخرى مضمار الأسلحة المتقدمة، وأن ينافسهما أحد في هذا الخط المربح مادياً”.
وأضاف أن “المواقف المحتملة للدولتين ضد المسيّرات تكمن في عدة نقاط، منها الضرب بأكثر من وسيلة، لإرغام أو ترغيب الدول التي تتعامل معهما بالسلاح، بعدم التقرب مع تركيا”.
مراد أصلان: كل القرارات الأميركية بخصوص توريد القطع لا تؤثر على أنقرة
واعتبر أنه “يمكن لواشنطن وموسكو محاولة الإساءة إعلامياً لسمعة المسيّرات التركية، بالقول إنها ليست سوى سلاح بسيط مقارنة بما لديهما من مسيّرات متطورة، ومحاولة إسقاط بعض المسيّرات التي اقتنتها بعض الدول، لتظهر ضعفها أمام المنظومات الروسية والأميركية المجهزة بها هذه الدول”.
وأضاف “كما يمكن لهما تسليط الأضواء على أن المسيّرات التركية أثبتت كفاءتها بمعركة غير متكافئة ومحدودة جرت بين أذربيجان، القوية المدعومة تركيا، مقابل أرمينيا الضعيفة نسبياً، وكذلك استخدام تركيا المسيّرات في سورية وليبيا مقابل لا شيء. وهذا ما لا ينطبق على معارك قد تجرى بين دول أخرى ذات قدرات أوسع”.
وأوضح توفيق أنه يمكن لأميركا وروسيا “محاولة كشف تكنولوجيا المسيّرات التركية بهدف التشويش عليها وإسقاطها، ما يسيء لسمعتها وقدراتها المعروفة. إضافة إلى تهديد الدول التي تتعامل معهما بالتوقف عن تسليحها في حال تعاونها مع أنقرة”. وأشار أيضاً إلى أن باستطاعة الدولتين فرض عقوبات عسكرية واقتصادية على تركيا والدول التي تقتني هذه المسيّرات.
خيارات تركيا بمواجهة روسيا وأميركا
وعن الخيارات التركية للتعامل مع الأمر، قال توفيق “يمكن أن تُصر على مواقفها، وعدم التراجع عن بيع الدول الراغبة بشراء المسيّرات، ورفض الرضوخ للضغوط الروسية الأميركية، مع تحمل نتائج ذلك، والإبقاء على أسعارها المنخفضة مقارنة بمثيلاتها الأميركية والروسية، وتلك التي تنتجها بريطانيا والصين وفرنسا وغيرها”.
وتابع: “كما يمكنها الاستمرار بتطوير مسيّرات، كما دأبت عليه بالسنوات الأخيرة. وبالأخص التركيز على المقذوفات الذكية دقيقة الاستهداف، وتكنولوجيات الاستهداف والتشويش الإلكتروني والتشويش الإلكتروني المقابل، وإنتاج مسيّرات مقاتلة لأغراض الاشتباك، سواء مع مسيّرات أو طائرات مأهولة، وتأمين حياة العلماء والخبراء وحماية المصانع”.
وتابع “كما يمكنها التركيز على تطوير المسيّرات للإقلاع والهبوط بشكل عمودي، لكي لا تستخدم من مناطق، كمطارات مكشوفة، وتمكينها من الانطلاق من السفن والزوارق البحرية إقلاعاً وهبوطاً، أي في بقعة محدودة”.
لا يحق لأحد التدخل بموضوع المسيرات التركية
من جهته، قال الباحث بمركز “سيتا” للدراسات الاستراتيجية مراد أصلان، لـ”العربي الجديد”، إن “الانزعاج يكون عادة من دول تصدر الأسلحة”. وأضاف “لكن لأن تركيا هي التي تنتج السلاح بنفسها، فإنه لا يمكن لأي أحد وفق القوانين أن يتدخل، خصوصاً أن هناك دولاً تبيع الأسلحة، بل تمنحها لمنظمات إرهابية على شكل هبات، من دون تدخل أي طرف. وبالتالي هذا الانزعاج غير مفهوم من قبل هاتين الدولتين، ولا يمكن تبريره”.
وتابع: “كانت هناك محاولات من بعض النواب الأميركيين لمنع بيع تركيا بعض القطع المتعلقة بالمسيّرات، ولكن أكثر القطع تُنتج في تركيا، والقطع الأخرى التي تحتاجها متوفرة في الأسواق العالمية. وبالتالي كل القرارات الأميركية بخصوص توريد القطع لا تؤثر على أنقرة”.
وبالنسبة لروسيا، أشار أصلان إلى أنه “لا يوجد أي إعاقة، لأن تركيا لا تأخذ أي قطعة منها لاختلافات في الأنظمة، فيما سعت موسكو، خلال الأيام الأخيرة، عبر دعاية إعلامية، وتصريحات غير منطقية للتأثير على المسيّرات”، وفق قوله.
واعتبر أن “تركيا لا تحتاج للتصرف أمام هذا الانزعاج بأي شيء، لأنها تقوم بعملها. وكل دولة تنتج أنظمتها الدفاعية بشكل حر، وتعمل على نماذج لتصديرها. فرنسا وإنكلترا وأميركا تصدّر من دون أن يتدخل أحد، ولتركيا أيضاً هذا الحق”.
العربي الجديد