“أردوغان يسرع وتيرة سياسته الواقعية للخروج من العزلة”، هكذا عنونت صحيفة ”لوفيغارو” في مقال بعددها الصادر اليوم الجمعة، والذي تحدثت فيه عن تغيير جذري في المسار بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
فبعد سنوات من الاحتكاك مع معظم جيرانه، يكثف الرئيس أردوغان الاتصالات مع أعداء أمس في جميع الاتجاهات، تقول ”لوفيغارو”، مشيرة إلى أن أحدث مثال على ذلك هو التقارب الذي تأكد الأسبوع الماضي مع أرمينيا، حيث اتفق البلدان – اللذان أغلقت حدودهما المشتركة منذ عام 1993 – على تعيين مبعوثين للتفاوض بشأن تطبيع العلاقات بينهما. فقد قال وزير الخارجية التركي يوم الخميس إن استئناف الرحلات الجوية بين إسطنبول ويريفان مطروح بالفعل على جدول الأعمال.
وكدليل على أجندة مصالحة مزدحمة، كان مولود جاويش أوغلو يتحدث من أبو ظبي، العاصمة الأخرى التي تعمل أنقرة معها على استئناف لغة الدبلوماسية. لكن شروط هذا التقارب التركي- الإماراتي كانت مغرية للغاية، بحيث لا يمكن تجاهلها. فخلال زيارته الرسمية لأنقرة يوم 24 نوفمبر الماضي، لم يأت ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد خالي الوفاض، إذ أعلن عن استثمارات تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار، وهي نعمة للاقتصاد التركي، الذي يمر بركود عميق منذ بداية العام، توضح “لوفيغارو”.
في المقابل، ورد أن أردوغان وافق على ”تخفيض رأسه” للمنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين الذين فروا إلى تركيا، وكذلك وسائل الإعلام المصرية المقربة من المعارضة والمتمركزة في إسطنبول. وأكد مولود جاويش أوغلو يوم الخميس بعد لقائه مع نظيره الإماراتي قائلا: “سنعزز علاقاتنا الاقتصادية والتجارية مع الإمارات العربية المتحدة”.
ونقلت “لوفيغارو” عن الخبير الاقتصادي إيرينش يلدان، الذي يدرس في جامعة قادر هاس، قوله: “لا يمكنك فصل السياسة الخارجية التركية عن السياق الاقتصادي. ففي أوقات الركود هذه، كانت هناك حاجة ملحة لإخراج البلاد من العزلة. ولم يعد اندفاع المستثمرين الأجانب إلى تركيا أمرا سائدا اليوم. والنمو عند 7.4% في الربع الثالث من عام 2021 ليس وهما: فالحكومة التركية تكافح لإخفاء التضخم الجامح الذي أدى إلى انخفاض القوة الشرائية بشكل كبير”.
ويضيف الخبير الاقتصادي القول: “لحفظ ماء الوجه مع اقتراب انتخابات عام 2023، وهو ما يبدو سيئا بالنسبة للرئيس أردوغان، اتهمت الصحافة الموالية للحكومة مرارا وتكرارا العواصم الغربية بإيذاء تركيا. وبحكم التمويه السياسي بإلقاء اللوم على الغرب في الأزمة الاقتصادية، ماذا بقي لأردوغان؟ دول الجوار وخاصة الدول العربية الإسلامية!”.
لذلك – تتابع “لوفيغارو” – أصبح الوصول إلى دول المنطقة خيارا افتراضيا، خاصة وأن فك الارتباط الأمريكي، الذي أشارت إليه إدارة جو بايدن، يجبر الآن تركيا وجيرانها الخليجيين على الدفاع عن أنفسهم. ومن هنا يأتي الانفراج المستمر في العلاقة مع السعودية – الذي لم يكن من الممكن تخيله قبل عام واحد فقط، على خلفية الخلاف المستمر حول اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في عام 2018، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، في جريمة ألقي باللوم فيها على النظام السعودي. وقال أردوغان في أوائل فبراير شباط في مقابلة مع محطة تي.آر.تي 1 الحكومية “سنعمل على نقل العلاقات مع السعودية إلى مستوى أعلى”.
“لوفيغارو” اعتبرت أن هذا التمرين الجديد في السياسة الواقعية، والذي بدأ يظهر في أوائل عام 2021 كتهدئة مع مصر، ينطبق أيضا مؤخرا على العلاقات مع إسرائيل، حيث إن التوتر الذي تصاعد منذ أن تولى أردوغان منصبه كرئيس للوزراء في عام 2003 بلغ ذروته في عام 2010 بعد أن هاجمت القوات الخاصة الإسرائيلية السفينة التركية مرمرة التي كانت تهدف إلى كسر الحظر المفروض على غزة وتقديم المساعدة للفلسطينيين.
وقالت الصحيفة الفرنسية إن انتهازية أردوغان والبراغماتية تدفعانه اليوم إلى إعادة النظر في مواقفه. ففي منتصف شهر نوفمبر الماضي تحدث مع نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ثم مع رئيس الوزراء نفتالي بينيت. وهي لعبة توازن دقيقة سمح بها الرئيس التركي لنفسه، لكن خياراته قد تؤدي إلى إحباط قاعدته المحافظة داخليا.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه على الرغم من أن المصالحات الجارية قد أدت إلى إسكات الخلاف المتعلق بتقاسم الموارد في شرق البحر الأبيض المتوسط، إلا أن هذا الخلاف ما يزال بعيدا عن الحل ويمكن أن يستيقظ في أي وقت، تقول “لوفيغارو”.