عودة الاحتجاجات في العراق رسالة إلى القوى السياسية: الأمر لم ينته بمجرد إجراء انتخابات تشريعية

عودة الاحتجاجات في العراق رسالة إلى القوى السياسية: الأمر لم ينته بمجرد إجراء انتخابات تشريعية

تشكل الاحتجاجات التي يشهدها عدد من المحافظات العراقية رسالة مبطنة إلى القوى السياسية بأن الأمر لم ينته بمجرد إجراء انتخابات تشريعية.

وتعيش محافظتا النجف في وسط العراق وذي قار جنوب البلاد منذ أيام على وقع تحركات احتجاجية بعد هدنة لأشهر. وحمل المحتجون مطالب من قبيل محاربة الفساد، ومحاسبة المسؤولين المتورطين، وإطلاق سراح نشطاء جرى اعتقالهم في حراك 2019، إلى جانب تشغيل العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا.

وشهدت التحركات تصعيدا الأربعاء لاسيما في مدينة الناصرية من محافظة ذي قار سقط خلاله جرحى إثر احتكاكات بين المحتجين والقوى الأمنية، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى التحرك وإعفاء المحافظ.

وذكرت وكالة الأنباء العراقية نقلاً عن المكتب الإعلامي للمحافظ أحمد غني الخفاجي الخميس أن الأخير قدّم استقالته من منصبه “حرصاً منه على المصلحة العامة، وتقديماً للأمن والاستقرار وحفظ مصالح مواطني هذه المحافظة”.

وكان بيان صدر عن خلية الإعلام الأمني التابعة لرئاسة الوزراء ذكر أن الكاظمي تابع بـ”اهتمام كبير حادث إصابة ثلاثة من المتظاهرين في مركز مدينة الناصرية”، ووجه بـ”اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ومحاسبة من تسبب في هذا الحادث وفتح تحقيق عاجل من قبل القوات الأمنية”.

وشكّلت مدينة الناصرية، ذات الغالبية الشيعية والواقعة على بعد 350 كلم عن العاصمة بغداد، معقلاً أساسياً للحركة الاحتجاجية التي انطلقت في أكتوبر 2019، حيث تعاني المدينة من الفقر الشديد وتدهور البنى التحتية والبطالة بين الشباب، على الرغم من أنها تسبح فوق ثروة نفطية.

وتأتي هذه الاحتجاجات على وقع أزمة سياسية خانقة خلفتها نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي، والتي لم تصادق عليها المحكمة الاتحادية العليا بعد.

وتقول أوساط سياسية عراقية إن عودة الاحتجاجات من شأنها أن تشكل عامل ضغط إضافيًّا على القوى السياسية التي تتسابق فيما بينها لعقد صفقات تؤهلها لإدارة المرحلة المقبلة.

وتشير هذه الأوساط إلى أنه رغم طغيان الجانب المطلبي على التحركات الأخيرة فإنها لا تخلو من رسائل سياسية، لعل أبرزها أن الحراك لن يهدأ طالما استمرت المنظومة القائمة التي يتهمها جزء كبير من الشعب العراقي بشرعنة الفساد.

أحمد الكناني: الأمور تسير باتجاه توافق سياسي لاختيار رئيس الوزراء المقبل
وتدفع قوى خاسرة في الانتخابات، ولاسيما تلك الموالية لإيران، باتجاه تشكيل حكومة توافق تسمح باستمرار هيمنتها على الحياة السياسية. في المقابل يتمسك التيار الصدري الفائز بالاستحقاق بحكومة أغلبية متذرّعا بالاستجابة لمطالب الشارع.

وجرت الانتخابات التشريعية قبل أشهر من موعدها المحدد، على خلفية الحراك الشعبي الذي تفجر في أكتوبر 2019 بمدينة الناصرية قبل أن يتمدد إلى باقي المحافظات الجنوبية والعاصمة بغداد، وهو ما أثار مخاوف المنظومة السياسية التي حكمت العراق منذ عام 2005.

وكانت الانتخابات المبكرة محاولة من القوى السياسية لاحتواء الحراك، والإيحاء بتوجه نحو إحداث تغيير حقيقي يتوافق مع تطلعات الشارع العراقي، لكن مراقبين يرون أن استمرار القوى السياسية ذاتها في تسيد المشهد لن يفضي إلى أي تغيير حقيقي، سواء بحكومة أغلبية أو باستمرار حكومة التوافق.

ويرى المراقبون أن الإشكال في العراق يتجاوز شكل الحكومة وطبيعتها إلى مسألة نظام برمته أرسى دعائمه الاحتلال الأميركي ويقوم في جوهره على المحاصصة الطائفية، وقد شكل هذا النظام أرضية مثلى لقوى إقليمية مثل إيران لتعزيز نفوذها بهذا البلد.

وسبق أن دعا الرئيس العراقي الحالي برهم صالح إلى عقد سياسي واجتماعي جديد، وإجراء تعديلات دستورية، حيث أن النظام الراهن لم يعد قابلا للاستمرارية.

ويستبعد المراقبون أن تصغي القوى السياسية لاسيما تلك الموالية لإيران إلى نبض الشارع، وتحاول أن تتّخذ مسافة من السلطة لصالح حكومة أغلبية يريدها الصدر، على الرغم من الشكوك الكثيرة التي تحوم حول تلك الحكومة بشأن قدرتها على إنجاز الهدف المعلن وهو تصويب الأوضاع وإصلاح ما تم إفساده.

ويشير المراقبون إلى أن القوى الولائية كما معظم القوى السياسية تنظر إلى السلطة في العراق من زاوية الغنيمة، وهي لن تتوانى عن الدفع قدما باتجاه تشكيل حكومة توافقية جديدة، بغض النظر عن موقف الشارع منها.

وكثف الإطار التنسيقي الذي يضم القوى المتحفظة على نتائج الانتخابات، ومن ضمنها الميليشيات المسلحة، تحركاته لدى القوى السنية والكردية على أمل إقناعها بالانخراط معه في تحالف يرجح كفته.

وأكد عضو مجلس النواب السابق أحمد الكناني أن الإطار التنسيقي يعتزم عقد اجتماعات مع أطراف سياسية مختلفة في إطار السعي للتوصل إلى تفاهمات بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، مشيرا إلى أن جميع الكتل السياسية تنتظر مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات.

وأوضح الكناني لشبكة “رووداو” الكردية الخميس أن “التفاهمات جارية على قدم وساق بين الإطار التنسيقي وبقية الأطراف السياسية، وبعد أيام قلائل ستكون هنالك زيارات أخرى بين الأطراف، لذا بالمحصلة الأمور تسير باتجاه توافق سياسي لاختيار رئيس الوزراء المقبل”.

ورجح النائب عن تحالف الفتح انعقاد اجتماع جديد بين قيادات الإطار وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مستدركا أن هذا الأمر “يحتاج إلى وقت”.

وكان وفد من الإطار التنسيقي بقيادة رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي قام في وقت سابق من الأسبوع الجاري بزيارة إلى أربيل حيث التقى برئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.

الاحتجاجات تأتي على وقع أزمة سياسية خانقة خلفتها نتائج الانتخابات التشريعية والتي لم تصادق عليها المحكمة الاتحادية العليا بعد

ووفق بيان صادر عن الحزب الديمقراطي فقد اتفق مسعود بارزاني ونوري المالكي والأطراف المشاركة في الاجتماع على ضرورة مراجعة إدارة الحكم في العراق والاستفادة من التجارب السابقة والنظر في مبادئ الشراكة والتسوية والتوازن، مؤكدين على استمرار الجهود لتقريب وجهات النظر وإيجاد حل مناسب للمرحلة المقبلة والتغلب على التحديات التي تقف في وجه تشكيل حكومة عراقية جديدة.

وتتعامل القوى الكردية والسنية الفائزة في الانتخابات بحذر في إبداء أي موقف حيال الأطراف الشيعية التي من الممكن التحالف معها، حيث يخشى السنة والأكراد أن يجدوا أنفسهم وسط معركة شيعية – شيعية قد تنعكس عليهم سلبا.

ورغم أن القوى السنية والكردية تميل إلى اتخاذ مسافة من طرفي النزاع الشيعي – الشيعي الحالي فإنها في الآن ذاته لا تنفك تمارس خلف الكواليس نوعا من المقايضات والمساومات مع كلا الطرفين لتحصيل مكاسب.

وفي غمرة ما يحدث من مقايضات وعمليات شد الحبال بين القوى السياسية في العراق، يبدو الشارع متحفزا أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى الشارع، وما التحركات التي تشهدها النجف وذي قار إلا عينة مما يمكن أن تشهده البلاد بعد أن يهدأ غبار المفاوضات الجارية.

صحيفة العرب