يبدو أن الدولة العراقية عقدت العزم بشكل نهائي على الاتجاه نحو الطاقة المتجددة والنظيفة لإنتاج الطاقة الكهربائية الإضافية الجديدة لدعم القطاع بعد أعوام من إنفاق أكثر من 50 مليار دولار عليه، لم تكُن لها ثمة نتائج ملموسة في إنهاء معاناة الشعب من هذه الأزمة المستمرة.
ويطمح العراق الى إنتاج 12 غيغاواط عبر خطة تمتد لأعوام وإنجاز محطات الطاقة الشمسية عبر سلسة عقود وقّعها أو سيوقّعها مع شركات عالمية بهذا الخصوص خلال الأسابيع المقبلة ليدخل بجدية في هذا المجال، متأخراً لعقود عن ركب عدد من دول العالم، خصوصاً دول الجوار العراقي.
عقود أولية
أبرم العراق خلال الأشهر الماضية عقوداً لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية مع شركات عدة، بينها “باور شاينا” (Power China) الصينية، وشركة “توتال” (Total) الفرنسية، لتزويد الشبكة الوطنية بنحو 2000 ميغاوات، وشركة “مصدر” الإماراتية لتزويد 4 محافظات عراقية بألف ميغاوات كمرحلة أولية.
ويأتي توجه البلاد نحو زيادة إنتاجها من الطاقة النظيفة بسبب التزاماتها الدولية حماية البيئة بعد دخولها “نادي باريس للمناخ” وكُلف الغاز المستورد لمحطات الكهرباء، الذي أرهق الدولة العراقية مالياً.
12 غيغاواط
يقول مستشار وزير النفط لشؤون الطاقة عبد الباقي خلف، لوكالة الأنباء العراقية إن “خطط المجلس الوزاري تتمثل بإضافة طاقة نظيفة ومتجددة بمقدار 12 غيغاواط من الطاقة الشمسية. وباشرت أربع شركات عالمية بالتنسيق مع وزارة الكهرباء في إعداد مذكرات شراء الطاقة والربط الفني للشبكة الكهربائية والدراسة الميدانية والمسوحات للمواقع لإنشاء المشاريع”، مؤكداً أن “العمل جارٍ بمشاريع الطاقة المتجددة”.
ولفت إلى أن “العراق تعاقد فعلياً مع شركات توتال إنيرجي الفرنسية ومصدر وباور شاينا ضمن مشروع 2000 ميغاواط، كما أن هناك مشاريع ستكون عبر هيئة الاستثمار لإنتاج الطاقة النظيفة مثل التعاقد مع شركة اسكاتك النرويجية، فضلاً عن وجود أكثر من عقد ومشروع تحت الخطة ومشاريع أخرى تحت النقاش”. وأشار إلى أن “المشاريع عند اكتمالها سوف تضيف 7 آلاف ميغاواط إلى الشبكة الكهربائية بحدود عام 2026 في حال جرت الخطة كما خُطط لها”.
الطاقة الكهرومائية
لم تقتصر مشاريع إنتاج الطاقة المتجددة على الطاقة الشمسية، فهناك خطط مستقبلية طويلة الأمد لإنتاج الطاقة الكهربائية عن طريق المياه، وأكد وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني “وجود دراسات سابقة لإنتاج الطاقة الكهربائية من المياه”، لافتاً إلى “أن أهم مخرجات الدراسة التي تخص الطاقة الكهرومائية تهدف إلى تعزيز مساهمة الوزارة في إنتاج الطاقة”. ووفق الحمداني، “فإن خريطة الطريق في هذا الشأن تمتد إلى عام 2035”.
تكلفة الوقود باهظة
ولعل صرف مبالغ طائلة على إنتاج الطاقة الكهربائية هو الذي دفع العراق إلى التفكير جدياً في إيجاد بدائل تقلل من المبالغ الطائلة التي ينفقها على شراء الوقود.
اقرأ المزيد
اقتصاد العراق يترقب حصاد سداد “تعويضات الكويت”
هل العراق بحاجة الى ثورة تشريعات تواكب مرحلة ما بعد 2003؟
وبحسب وزير المالية علي علاوي، “فإن العراق يستورد غازاً من إيران بقيمة 8.5 تريليون دينار عراقي سنوياً (5.8 مليار دولار)”، مشيراً إلى “وجود خطط عالمية للاعتماد على الطاقة النظيفة في جميع دول العالم والاعتماد على السيارات الكهربائية”. من جانبه، أكد وزير النفط العراقي أن “ملف الطاقة من أكثر الملفات إرهاقاً للموازنة”، مشيراً إلى أن “العراق سيحتاج إلى 60 غيغابايت بحلول عام 2035”.
استثمارات الطاقة النظيفة
ويبدو أن حاجة البلاد المستقبلية للطاقة الكهربائية يتطلب إنشاء كثير من المشاريع الكهربائية سواء التي تعتمد على الطاقة المتجددة أو النظيفة كالغاز، الأمر الذي جعل الاهتمام العراقي بتوسيع نطاق الاستثمارات في تطوير حقوله الغازية خلال العامين الماضيين، لاعتماد غالبية محطات إنتاج الكهرباء العراقية على الغاز بالتزامن مع تذبذب صادرات الغاز الإيرانية إلى العراق، التي أثرت كثيراً في واقع الطاقة المجهزة بالبلاد.
يقول الخبير في مجال النفط والطاقة كوفند شيرواني إن “توجّه العالم نحو الطاقة المتجددة شجع العراق على توقيع عقود استثمارية في هذا المجال لتوليد الطاقة”، وأضاف أن “العالم يستغني اعتباراً من 2040 عن السيارات التي تعمل بالبنزين ويستبدلها بتلك التي تعمل بالطاقة الكهربائية”، لافتاً إلى أن “كثيراً من الدول تخطط لإيجاد بديل للوقود الأحفوري الذي يتمثل بالنفط والفحم الطبيعي والغاز الحر”.
عجز الإنتاج
وأضاف أن “العراق يعاني عجزاً في إنتاج الطاقة الكهربائية تجاوز 10 آلاف ميغاواط، وأن وزارة النفط تسعى إلى زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي وافتتحت محطات عدة لعزل الغاز في الحقول النفطية من أجل الاستفادة منه لتشغيل المحطات الكهربائية التي تعمل به”.
وحاولت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط نظام صدام حسين إيجاد حلول لهذه المعضلة عبر سلسلة من المشاريع لتشييد محطات إنتاج جديدة في مناطق مختلفة من البلاد لتصل بالإنتاج إلى نحو 20 ألف ميغاواط حالياً، إلا أنها لم تعُد كافية لتجهيز المواطنين بالطاقة على طوال اليوم بسبب التجاوزات الكبيرة على الشبكة وتأخر صيانة المحطات ونقص الوقود، مما جعل الاعتماد على أصحاب محطات إنتاج الكهرباء الأهلية ذات القدرات المحدودة في الإنتاج هو الأساس في الحياة اليومية”.
17 مليار متر مكعب من المحروقات
وأكد شيرواني أن “العراق يحرق سنوياً 17 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب، في وقت هناك إمكانية لاستثماره بدل حرقه لتشغيل المحطات الحالية بالغاز الطبيعي”، لافتاً إلى أن “وزارة النفط وقّعت عقوداً مع شركات إماراتية لتشغيل خمس محطات تعمل بالطاقة الشمسية وهي مستدامة ونظيفة، بخاصة أن المنطقة العربية غنية بالأيام المشمسة”.
مشكلة النقل والتوزيع
وتابع أن “المشكلة ليست في بناء المحطات الشمسية التي لا تستغرق وقتاً طويلاً، بل في نقل الطاقة المنتجة لوجود مشكلات في الشبكة العراقية”، مشيراً إلى أن “الطاقة النظيفة رخيصة والعراق يُعتبر متأخراً في هذا القطاع”، وشكك في إمكانية إنتاج البلاد للطاقة من السدود بعد انخفاض منسوب نهرَي الفرات ودجلة وعدم عمل هذه السدود على النهرين بطاقتها القصوى، مرجحاً حاجة البلاد لفترة طويلة لإنتاج الطاقة النظيفة من المياه.
الوضع خطير
بدوره قال أستاذ قسم هندسة البيئة في جامعة بغداد حيدر محمد إن “الوضع البيئي أصبح خطيراً،” مشدداً على “ضرورة العمل وفق المعايير الدولية في هذا الاتجاه”. وأضاف أن “العراق انضم الى اتفاق باريس للمناخ وهو ملتزم جميع فقراته”.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح وقّع في يناير (كانون الثاني) الماضي على انضمام بلاده إلى “اتفاق باريس للمناخ” الذي أُعلن عام 2015 بهدف التقليل من الانبعاثات حول العالم. ويتضمن الاتفاق توفير مزيد من الموارد المالية للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتطوير القدرة على التكيف مع التغيّر المناخي.
اندبندت عربي