في 29 تشرين الثاني (نوفمبر)، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً مع أمير توماج وسنام وكيل. وتوماج هو باحث مستقل في شؤون إيران، وأحد مؤسسي منظمة “مراقبة محور المقاومة” Resistance Axis Monitor، ومؤلف المذكرة السياسية الجديدة للمعهد بعنوان: “التصورات الإيرانية لتهديد القوة الناعمة الأميركية”. ووكيل هي نائبة مدير “برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في “تشاتام هاوس”، ومؤلفة كتاب “المرأة والسياسة في جمهورية إيران الإسلامية: الفعل ورد الفعل” (بلومزبري، 2013). وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما.
* * *
أمير توماج
يعتقد مركزا القوة في إيران -المرشد الأعلى علي خامنئي في المقام الأول، والحرس الثوري الإسلامي الإيراني- أنهما يخوضان حرباً ناعمة تقودها الولايات المتحدة ضد إيران، والتي تهدف إلى تقويض الدعم الشعبي للنظام والإطاحة به في نهاية المطاف. ومن وجهة نظرهما، تستخدم الولايات المتحدة العقوبات والمنتجات الثقافية الغربية، كالموسيقا والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لتحييد قيم الشعب عن التقاليد الإيرانية وعن الإسلام. ولديهما وجهات نظر متشابهة حول أي محاولات أميركية لدعم المعتدلين الإيرانيين الذين لا يلتزمون بشكل متشدد بإيديولوجيا النظام الإسلامية.
وتُعزى عدائية طهران هذه جزئياً إلى السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، غير أن الكراهية تذهب أبعد من ذلك. ففي النهاية، لا تكنّ إيران هذا القدر من العدائية لدول أخرى ترى أن سياستها الخارجية مرفوضة. ولنأخذ روسيا على سبيل المثال، التي تدخلت في سياسة إيران وضمّت أجزاء من البلاد إليها وغزت أفغانستان المجاورة. ولكن، على الرغم من هذه التجاوزات، لا يشعر القادة في إيران بأي تهديد من احتمال حدوث أي غزو ثقافي من روسيا، ولكنهم أمضوا عقوداً في محاولة إحباط التأثير الثقافي الأميركي من خلال تدخل الدولة في وسائل الإعلام والتعليم وقوانين الأخلاق العامة.
وللمثال الروسي بعدٌ توجيهي آخر -يعد قادة إيران انهيار الاتحاد السوفياتي مثالاً تاريخياً يجب ألا يتكرر. وبرأيهم، أقنعت الولايات المتحدة شخصيات معتدلة على غرار ميخائيل غورباتشوف بحلّ النظام السوفييتي فعلياً بدلاً من قمع الاحتجاجات الشعبية المتزايدة. ويعتبر خامنئي أن المعتدلين والإصلاحيين الإيرانيين قد تأثروا بهذه العبرة في مرحلة مبكرة، وأن شكوكه حول الحرب الناعمة لم تزد سوى بعد “الحركة الخضراء” التي نشأت في العام 2009، عندما اعتقد البعض أن النظام ضعيف وقابل للاختراق. وفي الآونة الأخيرة، اندلعت الاحتجاجات في مدن الطبقة العاملة الصغيرة التي دعمت سابقاً القيادة المتشددة. ورداً على ذلك، استخدمت طهران الحرب الناعمة الأميركية المتصورة كذريعة لشن حملة صارمة. وعلى الرغم من أن هذه السيطرة الشديدة تجعل تغيير النظام أمراً غير مرجح، إلا أن الاحتجاجات ستستمر نظراً لعدم استعداد القيادة لتلبية احتياجات الشعب.
ومن جهتهم، يعتقد العديد من صناع السياسة الأميركيين أنه لا بدّ من معالجة الجذور التاريخية للعداء مع إيران قبل التوصل إلى أي اتفاقات. ولا يمكن لمساعي التواصل هذه أن تذهب أبعد من ذلك بسبب عجز واشنطن عن تغيير منظور طهران للغزو الثقافي الأميركي. ومع ذلك، على الحكومتين أن تُظهرا أنهما ما تزالان قادرتين على التوصل إلى اتفاقات -على سبيل المثال، وافقت إيران على “خطة العمل الشاملة المشتركة” في العام 2015، على الرغم من مزاعم خامنئي أن واشنطن كانت تسعى إلى تقويض إيديولوجيا النظام على المدى الطويل. واليوم، يسعى المرشد الأعلى إلى إزالة العقوبات النفطية والمصرفية، ولذلك قد يكون هناك مجال لتعاون محدود بشأن كبح البرنامج النووي الإيراني.
ولكن عموماً، يتوجب على واشنطن أن تفترض أن النظام الإيراني العدائي باقٍ ولن يتزحزح. ويتجلى نفوذ إيران الضار في أرجاء المنطقة: في حرب سورية، وفي الفساد وعدم الاستقرار في لبنان، وما إلى ذلك. وفضلاً عن ذلك، لا يمكن تجاهل عدائية وكلاء إيران لإسرائيل -على الرغم من أنه يجب فصلها عن محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة. وعلى الرغم من هذه التصرفات الإيرانية المقلقة، تتردد الولايات المتحدة في استخدام القوة في المنطقة. وهذا ما يجعل من المهم جداً لواشنطن أن تعقد اتفاقات محدودة ومفيدة مع النظام عندما تسنح لها الفرصة.
* * *
سنام وكيل
إن الخوف المحافظ القائم منذ فترة طويلة من أن أميركا تسعى إلى إضفاء الطابع الغربي على المجتمع الإيراني أو “التغريب” متجذر في العديد من التطورات التاريخية، بما في ذلك النفوذ الأميركي خلال عهد بهلوي، وانهيار الاتحاد السوفياتي، والثورات الملونة في أوروبا الشرقية. وبغض النظر عن الخطاب المليء بنظريات المؤامرة، قد يكون خامنئي محقاً في خوفه من النفوذ الغربي لأن الطبقة الوسطى والشباب في إيران يرغبون حقاً في الاطلاع بشكل أكبر على الثقافة الخارجية.
ويمكن فهم النظام الإيراني بشكل أفضل من خلال التركيز على الدولة العميقة (الشخصيات التي تتحكم في خفايا السياسات -تلك الشبكة المعقدة من المسؤولين الاقتصاديين والسياسيين والاستخباراتيين التي تتخطى المرشد الأعلى والحرس الثوري الإسلامي. ويتمثل الهدف الرئيسي للذين في السلطة في حماية رؤية الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي ينطوي على مقاومة التأثيرات الخارجية مثل الحرب الأميركية الناعمة. وتمتلك هذه الشخصيات (الدولة العميقة) القوة وتكبح المعارضة من خلال السيطرة على المؤسسات السياسية والموارد الاقتصادية في إيران.
لذلك، حين تستخدم واشنطن عبارات مثل “كل الخيارات ما تزال مطروحة على الطاولة”، فإن الشخصيات الإيرانية المتحكمة بزمام الأمور تعتبرها دليلاً على أن الولايات المتحدة ترغب بتقويض النظام، سواء من خلال القوة العسكرية أو مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، أو بوسائل أخرى. وقد ازدادت هذه الشكوك عندما وصف الرئيس أوباما الخطة على أنها تحويلية، وليست قائمة على التعاملات.
وهكذا، لم يكن مفاجئاً أن يؤكد المفاوض النووي الإيراني علي باقري كني مؤخراً أن الجولة الجديدة من المحادثات في فيينا ستكون قائمة على التعاملات فقط. فقد راقب النظام سعي واشنطن إلى تطبيق حملة “الضغط الأقصى” ضد إيران، ودعمها لجماعات المعارضة المحلية، وإحاطة البلاد بعمليات انتشار عسكرية مختلفة. وعزّزت هذه التصرفات جنون ارتياب طهران بأن الحرب الناعمة حقيقية، وجعلت القادة الإيرانيين حذرين إزاء المشاركة والمفاوضات.
إلا أن ذلك لا يعني أن الاتفاقات القائمة على التعاملات بين البلدين غير مطروحة. ويجب أن تكون هذه الاتفاقات محدودة، ويُعزى السبب جزئياً إلى أن بناء الثقة يشكل عقبة صعبة لكلا الطرفين. وعلى المدى القصير، من شأن علاقة قائمة على التعاملات أن تعني التركيز على المسألة النووية فقط. ومع ذلك، في حين أن الاتفاق قد يكون مفيداً لخامنئي من حيث تخفيف العقوبات، إلا أنه مرتاب إلى حدّ كبير تجاه واشنطن بعد سلسلة طويلة من الانتهاكات الأميركية المتصوّرة، بدءًا من ضم إيران إلى “محور الشر” في العام 2002، وإلى الانسحاب من “خطة العمل الشاملة المشتركة” في العام 2018.
لا يتطلب السعي إلى سياسات قائمة على التعاملات الخضوع للنظرة العالمية للنظام الإيراني، ولكنه يتطلب الإقرار بحدود ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لإصلاح النظام. ومن أجل تطوير علاقة قائمة على التعاملات، على صناع السياسة الغربيين التخلي عن أي توقعات بأنهم قادرون على تحويل الجمهورية الإسلامية من الخارج. وسيكون السبيل الوحيد لمثل هذا التغيير هو من الداخل، ويمكن أن يكون للضغط الخارجي تأثير غير مقصود يعرقل هذا المسار. إن منح مجال وفرصة للشعب الإيراني يخوّله للدفع نحو التغيير من وجهة نظر محلية وليس دولية.
الغد