كشف حزب الأمة السوداني بعد مشاورات مع قيادات أحزاب سياسية عن مبادرة لحلّ الأزمة الراهنة وتجنيب السودان الانزلاق نحو العنف والفوضى، وبينما يرى محللون في هذه المبادرة مؤشرا على اقتراب حصول توافق بين الفرقاء السودانيين من شأنه إعادة البلاد إلى المسار الدستوري وبلوغ الاستحقاق الانتخابي بأقل الخسائر، يرى آخرون أن التوافق بين الفرقاء غير كاف لحلّ الأزمة العميقة التي تستوجب لحلّها أيضا تدخلات دول خارجية تقرب وجهات النظر وتدعم استقرار البلاد.
الخرطوم – قدم حزب الأمة القومي الثلاثاء مبادرة جديدة لحلحلة الجمود الحالي في السودان منذ التوقيع على الاتفاق السياسي الشهر الماضي، تضمنت التوافق حول العودة الكاملة إلى الوثيقة الدستورية، والالتزام باتفاق سلام جوبا، ووضع خارطة طريق لاستكمال هياكل الفترة الانتقالية الأيام المقبلة.
وتهدف المبادرة الجديدة إلى إقناع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بعدم تقديم استقالته، وتعد فرصة أخيرة لمنع انزلاق البلاد إلى مربع الفوضى مع تباعد وجهات النظر بين أطراف سياسية مختلفة فشلت في تهدئة غضب الشارع، والوصول إلى رؤية واضحة تحقق أهداف الثورة على نظام الرئيس السابق عمر البشير.
إمام الحلو: الأحزاب اقتربت من التوافق على خارطة طريق لإدارة الأزمة
وحددت المبادرة خطوات العودة إلى المسار الدستوري من خلال الحوار بين كافة أطراف المرحلة الانتقالية بإشراف إقليمي ودولي، وعمل ميثاق شرف ملزم يوقع عليه جميع الشركاء، وإعادة بناء تحالف الحرية والتغيير وفق نظام سياسي يحفظ التوازن، وعقد مؤتمر تأسيسي لإجازة خطة استئناف الشرعية واستكمال مهام المرحلة الانتقالية، وتكوين لجنة قانونية لتطوير الوثيقة الدستورية.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن الأيام الماضية شهدت لقاءات عديدة بين قيادات حزب الأمة وقادة أحزاب قوى الحرية والتغيير بمكونيها المجلس المركزي والميثاق الوطني، ولقاءات مع الأحزاب الثورية الخارجة عن التحالف الحكومي وعلى رأسها الحزب الشيوعي، وانتهت إلى طرح المبادرة ومنح فرصة جديدة للتوافق حولها.
ولفتت المصادر إلى أنه جرى التوافق مع الحركات المسلحة على أن تتنازل عن التمثيل المباشر لقياداتها في الحكومة المقبلة، وتتولى ترشيح شخصيات ذات كفاءة للمناصب المخصصة لها وفقا لاتفاق جوبا، كذلك الأمر بالنسبة لتحالف الحرية والتغيير، وهناك محاولة لإقناع لجان المقاومة بأن تكون ممثلة في هياكل الفترة الانتقالية.
وتوالت المبادرات لإيجاد حل بعد أن فشل حمدوك في الوصول إلى توافق يقود إلى تشكيل حكومة جديدة، غير أن حالة انعدام الثقة ظلت حاضرة بين الأطراف المختلفة، في وقت استمرت فيه ضغوط الشارع لفض الشراكة بين المدنيين والعسكريين، وهو أمر يحظى برفض قوى ترى أن وجود المكون العسكري ضمانة لتماسك الدولة السودانية.
وتقود استقالة رئيس الوزراء التي ترددت معلومات بشأنها إلى المزيد من التعقيدات السياسية والأمنية، والحل يكمن في إقناع الشارع بأهمية الحلول السياسية بدلا من الاستمرار في رفع شعارات ثورية غير قابلة للتطبيق.
ويشكل قيام حزب الأمة بالوساطة الحالية عاملا إيجابيا لأطراف مختلفة تقف على أرضية مشتركة مع الحزب نحو خطوات استكمال المرحلة المقبلة، على رأسها حمدوك الذي يدرك بأنه بحاجة إلى ظهير شعبي يدعم تحركاته المقبلة، في حال استمر في منصبه، بجانب المكون العسكري الذي يجد في مواقف الحزب من قضايا مختلفة صيغة مقبولة لاستمرار حضوره في السلطة إلى حين إجراء الانتخابات.
ألتوم هجو: الرغبة في التوافق مع غياب رؤية مشتركة لا تكفي لحل الأزمة
وقال القيادي بحزب الأمة إمام الحلو لـ”العرب” إن الأحزاب السياسية اقتربت من الوصول إلى توافق على خارطة طريق لإدارة الأزمة، وهناك رغبة بين أطراف كثيرة في التفاف القوى السياسية حول القضايا الرئيسية التي تهم المرحلة الانتقالية بالتفاهم مع المكون العسكري، والابتعاد عن المشكلات التي تعوق التوافق ولا تخدم الصالح العام.
وأضاف أن مبادرة حزب الأمة تضمنت كافة الاقتراحات التي جرى الإعلان عنها مؤخرا، وأن اليومين المقبلين سيشهدان اجتماعات فاعلة على مستوى حزب الأمة مع الحزب الشيوعي ولجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين، وهناك تعويل على إقناع تلك القوى بشأن أهمية الالتفاف حول المبادرة ارتكانا إلى ثقل الحزب وعلاقاته المتنوعة بين أطراف في يمين المشهد وأخرى في أقصى اليسار.
وأشار الحلو لـ”العرب” إلى أن فلسفة المبادرة تقوم على تحويل الذهنية السائدة في الساحة السياسية من التناقض والصراع إلى أخرى تتسم بالتناغم، والانتقال إلى مربع جديد يتجاوز انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وما سبقه من خلافات عميقة بين قوى الثورة، على أن يكون هناك تركيز على القضايا الأساسية التي تضمن استعادة الوثيقة الدستورية كاملة واستكمال المؤسسات.
وتصطدم مساعي حزب الأمة بمعوقات عدة، إذ إن اللاءات الثلاثة التي يرفعها الشارع “لا شراكة، لا تفاوض، لا مساومة” بحاجة إلى تقديم المكون العسكري للمزيد من التنازلات، لكشف غموض جملة من الأحداث التي وقعت منذ الإطاحة بنظام البشير.
وقد تحقق المبادرة هدفا على مستوى توحيد القوى السياسية، لكن لن تحقق الهدف الأبرز المتعلق بقبول بعض القوى الجلوس على طاولة واحدة مع المكون العسكري.
ويتفق متابعون على أن الأوضاع الراهنة بحاجة إلى تدخلات خارجية أكثر فاعلية لتقريب وجهات النظر بين القوى الفاعلة في الشارع والمكون العسكري، وأن دخول أطراف عديدة لحث لجان المقاومة على الانخراط في العمل السياسي يشكل أحد أوجه تلك التدخلات التي تقوم بها أطراف محلية، بتنسيق مباشر مع قوى خارجية لديها مصلحة مباشرة في ضرورة استقرار أوضاع السودان.
وقال القيادي في قوى التوافق الوطني ألتوم هجو لـ”العرب” إن المكونات السياسية والعسكرية مقتنعة بأهمية الوصول إلى توافق لمنع الانزلاق إلى الفوضى، وإن ذلك هو ما قاد مجلس السيادة إلى الإعلان عن بدء أول خطوات إجراء الانتخابات أخيرا، لإثبات نواياه الحسنة نحو الالتزام بالمرحلة الانتقالية وتسليم السلطة في الموعد المحدد.
الأوضاع الراهنة في حاجة إلى تدخلات خارجية أكثر فاعلية لتقريب وجهات النظر بين القوى الفاعلة في الشارع والمكون العسكري
ووجه مجلس السيادة مساء الاثنين بالشروع في الإجراءات العملية للانتخابات في يونيو 2023، وأنه يسعى لعملية انتخابية تفضي إلى ترسيخ الانتقال الديمقراطي وضمان مشاركة المواطنين في اختيار حكومة منتخبة عبر صناديق الاقتراع، وأوصى بالبدء في التوعية الانتخابية عبر وسائل الإعلام وتوفير المتطلبات اللوجستية.
وأوضح ألتوم هجو أن تحقيق خطوات إيجابية على مستوى الفترة الانتقالية يرتبط بمدى قدرة رئيس الوزراء على تشكيل حكومة كفاءات بالتوافق بين كافة المكونات، وفي حالة التعثر للخروج إلى النور فإن المجتمع الدولي سيكون أكثر قناعة بأنه لا أمل في الوصول إلى حكم ديمقراطي عبر بوابة المدنيين.
وذكر لـ”العرب” أن الرغبة في التوافق لا تكفي لحل الخلافات العميقة الراهنة، ولا توجد رؤية مشتركة يتفق عليها الجميع، وداخل كل طرح سياسي للحل توجد نقاط خلافية يصعب حلها، وبالتالي فالحل الأسلم يتمثل في بدء الترتيب للانتخابات المقبلة، والاكتفاء بالتوافق حول عودة النازحين والاستفتاء على توزيع الدوائر الانتخابية، مع إرجاء القضايا أخرى، مثل الترتيبات الأمنية، إلى ما بعد انتخاب حكومة جديدة.
العرب