على مدى أشهر، وعدت “المقاومة” قاعدة دعمها بتوجيه ضربات شديدة ضد الوجود العسكري الأميركي في العراق إذا لا يحدث انسحاب واسع النطاق للقوات الأميركية بحلول 31 كانون الأول (ديسمبر) 2021. وكان من المحتمل أن يشعر قادة “المقاومة” باستياء متنامٍ في صفوف القواعد المتشددة لمناصريهم بسبب فائض الوعود التي قطعوها لها ولم يفوا بها فيما يتعلق بالمقاومة الفعلية للولايات المتحدة منذ اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في الثالث من كانون الثاني (يناير) 2020. والآن، أصبح لقاعدة الميليشيات سبب للشك في قدرة قيادتها وفي دعم إيران لـ”المقاومة” العراقية، وذلك بعد أن فقدت “المقاومة” تمثيلها البرلماني في انتخابات 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، والفشل الجماعي لـ”المقاومة” وإيران في قلب النتائج أو تعديلها.
في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، اعتبرت “الأضواء الكاشفة للميليشيات” أن محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، على يد عناصر من “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله”، شكّلت مؤشراً خطيراً بالنسبة لـ”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، على أن “المقاومة” أصبحت غير نظامية وغير منضبطة. وعليه، كان من المهم لقادة “المقاومة” ولفيلق القدس الإيراني تنفيذ حملة واضحة تنطوي على خطوات من أعمال المقاومة الموحدة وذات المصداقية بعد الموعد النهائي للانسحاب الأميركي في 31 كانون الأول (ديسمبر).
المرحلة الأولى: “حركة النجباء” تبدأ بحملة النيران غير المباشرة بين 27 كانون الأول (ديسمبر) و3 كانون الثاني (يناير)، 2021.
تقدّر “الأضواء الكاشفة للميليشيات” أن “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإسلامي صعّد أعماله في 9 كانون الأول (ديسمبر)، مستخدماً خطاباً مدعوماً من إيران من أجل إظهار أكرم الكعبي، مؤسس “حركة حزب الله النجباء”، ليكون المتحدث الأكثر موثوقية باسم قوات “المقاومة” في العراق. وخلف الكواليس، ترى “الأضواء الكاشفة للميليشيات” أن القواعد الأساسية لهذا التصعيد في بداية العام قد تم وضعها من قبل “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري و”حركة النجباء”. ولغاية اكتمال مراسم إحياء ذكرى سليماني والمهندس في الثالث من كانون الثاني (يناير)، والتي شارك فيها شخصياً الكثير من قادة الميليشيات، يشير ميزان الأدلة المتاحة إلى أن “حركة النجباء” وحدها كانت المخوّلة في بادئ الأمر بشنّ هجمات غير مباشرة محدودة ومنخفضة المخاطر (بالصواريخ أو مدافع الهاون أو الطائرات المسيرة). ولكن، تم بدلاً من ذلك تشجيع “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” بالتريث في البداية عن إطلاق النيران غير المباشرة والاستعاضة عنها بشنّ مجموعة من الهجمات على القوافل باستخدام تسميات “قاصم الجبارين” و”أصحاب الكهف”، حيث كان احتمال قتل أميركيين منعدماً بسبب عدم وجودهم في مثل هذه القوافل). وشملت أهداف النيران غير المباشرة ما يلي:
• هجمات بالصواريخ على القاعدة التركية في زيلكان، “إقليم كردستان العراق”. جرى شن هجومين بالصواريخ الثقيلة في 27 كانون الأول (ديسمبر) و3 كانون الثاني (يناير)، تم تقدير أنهما من عمليات “حركة النجباء”.
• هجمات بالصواريخ ومدافع الهاون على قواعد أميركية في شرق سورية. نُفذت ثلاث هجمات شملت استخدام نحو 16 ذخيرة حربية في 31 كانون الأول (ديسمبر) و1 و2 كانون الثاني (يناير)، وقُدرت بأنها من عمليات “حركة النجباء”. وردّت القوات الأميركية على الخلايا الصاروخية بنيران مضادة للبطاريات في 2 كانون الثاني (يناير).
• ضربة بطائرة مسيّرة ضدموقع دبلوماسي أميركي في بغداد. في 2 كانون الثاني (يناير)، تمّ استهداف طائرتين من دون طيار في “مركز بغداد للدعم الدبلوماسي” في “مطار بغداد الدولي” (وتطلق الميليشيات على “المركز” تسمية “فيكتوري” أو “فكتوريا” بصورة خاطئة). وتمّ اعتراض كلتا الطائرتين المسيرتين. واستُخدمت في هذا الهجوم، المنسوب إلى “حركة النجباء”، طائرات من دون طيار مشابهة لتلك التي استخدمت في الهجوم بالطائرات المسيرة في 26 حزيران (يونيو) 2021 على مواقع القيادة في “إقليم كردستان”.
المرحلة الثانية: ضمّ “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” إلى الحملة اعتباراً من 4 كانون الثاني (يناير).
اعتباراً من الرابع من كانون الثاني (يناير)، ومع عودة قادة “المقاومة” العراقية إلى بلادهم واختتام الاحتفالات التذكارية في إيران، سُمح لفصيلَي “المقاومة” المشاغبَين “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” بالانضمام إلى حملة الهجمات غير المباشرة إلى جانب الفصيل الناضج “حركة النجباء”. وتركّزت مناطق العمليات المسموح بها لهذين الفصيلين بتنفيذ هجمات غرب نهر دجلة على: “مركز بغداد للدعم الدبلوماسي”، و”قاعدة الأسد الجوية” في الأنبار، وقاعدة التحالف المجاورة للأنبار في التنف في سورية. وخلال يومي الرابع والخامس من كانون الثاني (يناير)، تمّ ضرب الأهداف الآتية بهجمات غير مباشرة:
• ضرب “قاعدة الأسد” مرتين خلال يومين. تمّ استهداف “قاعدة الأسد” بطائرتين من دون طيار (تمّ اعتراضهما) في 4 كانون الثاني (يناير)، وبما يصل إلى اثني عشر صاروخاً في 5 كانون الثاني (يناير)، ونُسب الهجومان وفقاً للتقديرات إلى “كتائب حزب الله”. (تجدر الإشارة إلى أن سريّة “قاصم الجبّارين” أعلنت مسؤوليتها بصورة غير معتادة مطلقاً عن هجوم غير مباشر بالصواريخ).
• استهداف “مركز بغداد للدعم الدبلوماسي” بالصواريخ الثقيلة. في 4 كانون الثاني (يناير)، تمّ استهداف هذه المنشأة الدبلوماسية بأربعة صواريخ قصيرة المدى من عيار 240 ملم.
• شنّ هجوم أو هجومين في سورية في الوقت نفسه. جرى شن هجوم واحد على الأقل أو ربما هجومين بالصواريخ على قواعد أميركية في شرق سورية. وردّت القوات الأميركية على خلايا النيران غير المباشرة بضربات جوية دفاعية في 5 كانون الثاني (يناير).
• بموازاة ذلك، استمر أيضاً تصعيد الهجمات ضد القوافل.
ما الخطوات التالية وما الدروس المستخلصة حتى الآن؟
وسوف تشمل الأهداف المحتملة المتبقية التي ستتعرض للهجوم، ربما خلال الساعات الأربع والعشرين في أعقاب كتابة هذه السطور، قاعدة “التنف” في سورية والقواعد الأميركية في “إقليم كردستان”. وتقدّر “الأضواء الكاشفة للميليشيات” أن تشارك “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” في الهجوم الأول، وأن تنفذ “حركة النجباء” الهجوم الثاني. وفي موازاة ذلك قد تستمر هجمات أخرى على “مركز بغداد للدعم الدبلوماسي” والقوافل. وفي حين تبدو “عصائب أهل الحق” أكثر الجهات الفاعلة تحملاً للمخاطر في “المقاومة” عندما يتعلق الأمر بالتسبب بإصابات في صفوف القوات الأميركية، سيكون من المثير للاهتمام رؤية درجة الحذر التي ستعتمدها في زيادة الإصابات الأميركية أو تقليصها، الأمر الذي يمكن أن يكون في حد ذاته مؤشراً على مدى إعادتها إلى النفوذ المركزي لفيلق القدس التابع للحرس الثوري منذ 7 تشرين الثاني (نوفمبر).
وقد حظيت حملة الهجمات التي شُنت منذ 31 كانون الأول (ديسمبر) بتغطية كبيرة من قبل بيئة الدعاية للميليشيات، التي يبدو أنها هدف أساسي. ويظهر أن الهجمات نفسها كانت منسقة بعناية، أو مدارة على مراحل، ولم يتم تحسينها للتسبب في خسائر في صفوف القوات الأميركية. وفي هذا السياق، يَعِد قادة الميليشيات على غرار أكرم الكعبي بشنّ المزيد من الهجمات ويصفون الهجمات التي شنت في الآونة الأخيرة على أنها بداية مسعى حركي مُطلق لإخراج القوات الأميركية، علماً بأنها تعطي أيضاً إحساساً بأن الوضع لا يحتاج إلى التصعيد إذا لم تثأر الولايات المتحدة بشكل غير متكافئ، وإذا بدا أنصار “المقاومة” راضين عن هذا الأداء
الغد