نشر موقع “ذا هيل” مقال رأي لكل من بروس هوفمان وجاكوب وير قالا فيه إن ضربة بايدن في سوريا مهمة ولكنها تؤكد على حماقة مغادرة أفغانستان. وقالا إن مقتل زعيم تنظيم “الدولة” أبو إبراهيم القرشي، الخميس الماضي، قدمته إدارة جو بايدن على أنه “شهادة على يد أمريكا الطولى وقدرتها على التخلص من التهديدات الإرهابية في أي مكان في العالم”.
وذهب بعض المعقلين إلى أبعد من ذلك عندما أعلنوا أن الغارة هي دليل إيجابي على نجاح مزيج من القدرات العسكرية والاستخباراتية من الجو في تحييد الخطر الإرهابي وإبعاده عن أرض الوطن. ويرى الكاتبان أن ذلك مجرد تمنيات تتجاهل الخلافات بين قتل القرشي وقتل أسامة بن لادن قبل عقد. وأكثر من هذا فالنجاح الذي حققته القوات الخاصة ولا يمكن إنكاره في شمال سوريا لا يمكن نسخه في أفغانستان والتي انسحبت منها الولايات المتحدة في آب/أغسطس. وما تم نسيانه في التفاصيل أن عملية قتل القرشي تمت على يد مجموعة من القوات الأمريكية التي طارت من قاعدة عسكرية في شمال- شرق سوريا حيث تحتفظ الولايات المتحدة بأعداد قليلة واستهدفت القرشي، ولم تكن بالتالي عملية تمت “فوق الأفق” أو من الجو بل على العكس.
والمميزات التي يمنحها الوجود الأمريكي في سوريا، حتى لو كان متواضعا أكبر من تلك المتوفرة في أفغانستان التي لم يعد للأمريكيين فيها أي حضور عسكري على الأرض.
المميزات التي يمنحها الوجود الأمريكي في سوريا، حتى لو كان متواضعا أكبر من تلك المتوفرة في أفغانستان التي لم يعد للأمريكيين فيها أي حضور عسكري على الأرض
وحتى في منطقة الشرق العربي التي وقعت فيها الولايات المتحدة اتفاقيات مع دولتين تحدان سوريا وهما تركيا والأردن، فهناك مزيج من العلاقات الإشكالية بين عضوي الناتو، تركيا وأمريكا، حدت خيارات التخطيط الأمريكية. ولحسن الحظ وفر 900 جندي أمريكي في شمال سوريا على إدارة بايدن عناء طلب منفذ إلى سوريا من تركيا والأردن. ففي حالة تركيا هناك خلاف طويل في السياسية بشأن الحرب الأهلية في سوريا والترتيبات الأمنية ودعم أمريكا للمقاتلين الأكراد بشكل جعل طلب المساعدة من تركيا بمثابة “مهمة مستحيلة”. وربما لم يكن الملك عبد الله الثاني ليتردد بتوفير المنفذ للقوات الخاصة، إلا أن مسار الطيران بعيد لاستيعاب فرقة المهام السريعة وإخراجها سريعا من مكان الهجوم. أما العامل الثاني في النجاح فهو الرصيد الذي حصلت عليه القوات الأمريكية من المقاتلين المحليين، قوات سوريا الديمقراطية، التي عملت مع الولايات المتحدة في الحملة ضد تنظيم “الدولة” ولا تزال بمثابة عين وأذن التحالف على الأرض، وهذا بمثابة ترف الآن في أفغانستان.
ويقول الكاتبان إن أهم ما في العملية هي قوة المعلومات التي حصل الأمريكيون عليها وحددت مكان القرشي وسمحت للمهاجمين بإجلاء عائلة مدنية من المكان قبل التنفيذ. وكانت معلومات “من كل المصادر” تم جمعها من الاتصالات والتنصت والصور الفضائية والمصادر البشرية ومن عملاء أكراد وأمريكيين وتم التوصل إليها عبر الطائرات المسيرة.
وتتميز الطائرات المسيرة بالقدرة على السفر لمدة طويلة والتحرك فوق الهدف لساعات أكثر من مقاتلة يتم إرسالها من القاعدة الأمريكية في قطر. وبالمقارنة ففي أفغانستان لم يعد للولايات المتحدة قواعد عسكرية ولا يمكنها الاعتماد على أي من جيرانها لوضع أرصدتها، ولا يوجد لها أرصدة محلية أو حلفاء يمكنهم جمع المعلومات الاستخباراتية. وستواجه أمريكا صعوبة في غمر فضاء أي هدف بطائرات الرقابة، وعليه فخيار “عملية القضاء على بن لادن” ليس على الطاولة. وبالإضافة لعامل المسافة، فإن الظروف الجوية كانت عاملا في تأجيل عملية قتل القرشي التي قدمت إلى بايدن قبل شهر. وبالمقارنة تمثل أفغانستان بطقسها وتضاريسها تعقيدا أكبر لأي مهمة تنفيذ عمليات من الجو.
ويرى الكاتبان أن مقتل القرشي يعتبر انتصارا مهما لإدارة بايدن التي ارتبط سجلها بالأمن القومي بانسحابها من أفغانستان وسيطرة الحوثيين على اليمن وتصعيدهم بإطلاق الصواريخ والتوتر مع روسيا. لكنه لا يثبت صحة قرار الانسحاب من أفغانستان ولا القدرة على شن هجمات من الجو. ويجب أن تكون هذه العملية شهادة على قدرة وتحمل قوات مكافحة الإرهاب التي تعمل في منطقة غير مستقرة وتعاني من وجود جماعة إرهابية. والنجاح في العملية لن يلغي حقيقة صعوبة تنفيذها في أفغانستان حيث لا يوجد للأمريكيين أي حضور على الأرض، كل هذا يؤكد على أهمية الحفاظ على أعداد وإن كانت قليلة في سوريا والعراق.
القدس العربي