يثير التقدم الذي تشهده المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية تساؤلات عن إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران يتيح إعادة تدفق النفط الإيراني. لكنّ محللين يستبعدون أن يكون ذلك على المدى القريب، مشيرين إلى أن المسألة ستستغرق أشهرا، وحتى إن حدث ذلك فإنه من الصعب أن يشكل النفط الإيراني مخرجا للأزمة التي تشهدها أسواق النفط حاليا.
لندن – مع بلوغ المحادثات النووية مع إيران ذروتها مساء الجمعة والحديث عن اجتماع وزاري وشيك، تطفو على سطح الأحداث تساؤلات بشأن الفترة التي سيستغرقها تدفق النفط الإيراني.
وقد يؤدي اتفاق يكبح برنامج إيران النووي إلى رفع العقوبات المفروضة على قطاعها النفطي، لكن محللين قالوا إن الأمر قد يستغرق عدة أشهر حتى تشهد تدفقات الخام الإيراني أي زيادة، وحتى عند حدوث ذلك، ربما لا يوفر متنفسا لأسواق النفط التي تشهد شحا إلا على المدى القصير.
وقفز النفط هذا الأسبوع إلى ما يقرب من 120 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ عشر سنوات مع فرض الغرب عقوبات على روسيا على خلفية تصرفاتها في أوكرانيا، وذلك قبل أن يتراجع الخام عن تلك المستويات المرتفعة وسط آمال في إمكانية الإعلان عن اتفاق مع إيران في غضون أيام.
شركات التكرير تتجنب النفط الإيراني، وستحتاج شهرين للانتهاء من الترتيبات الفنية لاستئناف الواردات من إيران
لكن محللين قالوا إنه حتى إذا تم إبرام اتفاق الأسبوع المقبل، فقد يستغرق الأمر عدة أشهر لتأكيد امتثال إيران ومن ثم رفع العقوبات، مما يعني أنه من المستبعد وصول المزيد من النفط الإيراني إلى السوق حتى مايو أو يونيو.
وقال محللون إن معظم شركات التكرير حول العالم تتجنب أيضا النفط الإيراني منذ عدة سنوات، وستحتاج من شهرين إلى ثلاثة أشهر للانتهاء من الترتيبات الفنية كي يتسنى استئناف الواردات من إيران.فعلى سبيل المثال، عندما تم التوقيع على أول اتفاق بين القوى العالمية الكبرى وطهران في 2015، لم تُرفع العقوبات بالكامل إلا بعد ستة أشهر، وذلك بعد أن تحققت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة من الإجراءات الإيرانية المتعلقة بالطاقة النووية.
ومع ذلك، عند التصديق على امتثال إيران لأي اتفاق، فلن تحتاج إلى انتظار رفع الإنتاج من حقول النفط لزيادة صادراتها لأن بإمكانها الإفراج عن خام من المخزونات والمساعدة في مواجهة بعض الضغط على أسعار النفط الناجم عن تباطؤ الإمدادات الروسية بسبب العقوبات على موسكو.
وتشير تقديرات شركة البيانات كبلر إلى أن مخزونات إيران العائمة بلغت حتى منتصف فبراير شباط 100 مليون برميل، مما يعني أنها قد تضيف مليون برميل يوميا أو واحدا في المئة من الإمدادات العالمية على مدى ثلاثة أشهر تقريبا، لكن هذه لن تكون سوى زيادة قصيرة الأجل.
ومن المتوقع أن تزيد إيران إنتاجها أيضا بعد التوصل إلى اتفاق، لكن محللين ينوّهون إلى أن زيادة الصادرات من مليون إلى 1.3 مليون برميل يوميا قد تستغرق من ثلاثة إلى ستة أشهر، فيما تستغرق أي زيادة أخرى في الإنتاج سنوات وتعتمد على استثمارات كبيرة في البنية التحتية النفطية المتقادمة.
ومع ذلك، قال محللون إن الخام الإيراني في المخزونات العائمة قد يصل الأسواق سريعا، وإن طهران تعمل على نقله ليكون جاهزا.
النفط الإيراني لن يعود إلا برفع كل القيود
وقال المحلل الكبير في كبلر هومايون فلكشاهي “شهدنا قفزة ملحوظة في حجم مخزونات النفط الإيراني العائمة في المياه الصينية، من 7.8 مليون برميل في أوائل يناير إلى 14 مليون برميل الآن. يبدو أن موقعها يشير إلى أنها تنتظر التفريغ في الأيام أو الأسابيع المقبلة”.
وقالت سارة فاخشوري رئيسة أس.في.بي إنرجي إنترناشونال إن إيران نقلت أيضا بعض مخزوناتها العائمة من المكثفات من مرسى إلى مرفئها النفطي في جزيرة خرج، في استعداد لتصدير وشيك.
وقالت “إنها تبلغ نحو 20 مليون برميل حتى الآن، وهناك 50 مليون برميل أخرى على الأقل من السائل المخزن متاحة للتصدير الفوري”.
وتشير تقديرات كبلر وشركة استشارات الطاقة أف.جي.إي إلى أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق نووي في أوائل مارس، ورفعت العقوبات بعد ذلك مباشرة، فإن زيادة الصادرات ستظهر في الغالب اعتبارا من مايو ويونيو.
كما يتوقع إحسان خومان المحلل في بنك أم.يو.أف.جي الحاجة إلى ما لا يقل عن شهرين أو ثلاثة أشهر للتحقق من امتثال إيران، ثم الحاجة إلى شهر آخر لاعتماد الاتفاق دبلوماسيا وتنفيذه.
غير أن مصدرا تجاريا أوروبيا قال إن العملية قد تكون أسرع منها في 2015 “حيث هناك زخم بسبب الأزمة في أوكرانيا” وتعطل صادرات النفط الروسية.
تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم وتعتمد بشكل كبير على عائدات النفط.
النفط يقفز إلى ما يقرب من 120 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ عشر سنوات مع فرض الغرب عقوبات على روسيا
وهوت صادرات النفط الإيرانية، المصدر الرئيسي لدخل الحكومة، من ذروة عند 2.8 مليون برميل يوميا في 2018 إلى 200 ألف برميل يوميا بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي وإعادته فرض العقوبات.
وذكرت وكالة أنباء شانا التابعة لوزارة النفط الإيرانية أن الوزير جواد أوجي تعهد الخميس بأن البلاد “ستصل إلى أعلى طاقة لتصدير النفط في غضون شهر أو شهرين” بعد أي اتفاق نووي.
عملت إيران على زيادة الإنتاج تدريجيا في الأشهر الستة الماضية بدعم ارتفاع حجم الصادرات إلى الصين، وكذلك استعدادا لرفع العقوبات.
وفي الوقت الحالي، تشير التقديرات إلى أن إيران تنتج حوالي 2.5 مليون برميل يوميا، لكن لا يتاح للتصدير سوى نحو 700 ألف برميل عند أخذ الطلب المحلي في الاعتبار، وغالبية ذلك تذهب إلى الصين.
وقال بيورنار تونهاوجن مدير أبحاث أسواق النفط في ريستاد إنرجي إنه يتوقع أن تزيد صادرات إيران من الخام مليون برميل يوميا في فترة ستة إلى تسعة أشهر بعد اكتمال رفع العقوبات.
كما قالت أف.جي.إي إن الأمر سيستغرق وقتا حتى يرتفع الإنتاج وتزيد الصادرات.
وأضافت “ستكون إيران من الناحية الفنية قادرة على زيادة إنتاجها إلى حوالي 3.4 مليون برميل يوميا بحلول أغسطس أو سبتمبر 2022… ثم إلى ما بين 3.7 و3.8 بحلول نهاية 2022”.
وعلى المدى الأطول، تأمل إيران في أن تعود شركات النفط الكبرى إليها بعد رفع العقوبات والمساعدة في رفع الإنتاج بحقولها النفطية المتقادمة.
العرب