د.معمر فيصل خولي
الحروب سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية كانت ولا تزال بحاجة دائمًا الى دور دبلوماسي فعال، للعمل على ايقافها ومنع تصاعدها وأخذها مسارات تصاعدية تنذر بالشيء الكثير. وهذا الأمر ينسحب حاليا على الحرب التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا. ومع تصاعد حدة الحرب الروسية على أوكرانيا، ورفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغاية الآن قبول وقف إطلاق النار، وما رافق ذلك من مواقف متشددة، وتصريحات قد تكون متشنجة من قبل بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، برزت الدبلوماسية التركية في سياق مغاير تمامًا للسياق الغربي- الأطلسي، بهدف ضمان استمرار علاقاتها المتميزة مع الدولتين الجارتين لها، ورفض الاستقطاب لإحداهما دون الأخرى. من هذا الموقف التركي العقلاني، استعادت تركيا دورها الدبلوماسي” الوساطة النزيهة” الدور الذي نجحت فيه كثيرًا منذ قدوم حزب العدالة والتنمية إلى حكم تركيا وخاصة في العقد الأول من حكمه. فهي أي الدبلوماسية التركية من جديد محاولة لإيقاف الحرب الدائرة في شرق أوروبا، الحرب التي قد تجلب الكثير من المآسي على المستوى العالمي إذا لم يتم تطويقها وإنهاؤها على وجه السرعة.
تركيا ليست دولة محايدة في علاقاتها الدولية وإنما هي عضو مهم في حلف شمال الأطلسي “الناتو” وتحتفظ بقواعد له داخل اراضيها في قاعدة ” إنجرليك”، كما صوتت ضد تدخل روسيا عسكريا في اوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولم تمتنع عن التصويت كما فعلت دول اخري. فإن ذلك لم يمنعها، في اقناع الدولتين روسيا وأوكرانيا بعقد لقاء جمعهما في مدينة انطاليا التركية في العاشر من آذار/ مارس، وهو اجتماع حضره وزراء خارجية الدول الثلاث روسيا واوكرانيا وتركيا بعد أن طالب الوزيران الروسي والاَوكراني وزير خارجية تركيا تشاوش اوغلو بان يكون حاضرا معهما في هذا اللقاء لاعطائه دفعة اقوي للامام ولتعزيز فرصه في النجاح.
وقد أعلنت تركيا صراحة ودون مواربة ان هدفها العاجل وَالاهم من دعوتها لهذا اللقاء الدبلَوماسي بين الدولتين علي أرضها هو السعي الي تحقيق وقف فوري لاطلاق النار في هذه الحرب التي أصبحت تشكل خطرا كبيرا على السلم والاستقرار الدوليين. فقد لقيت الدبلوماسية التركية ترحيبًا من قبل دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”، التي تخشى مع سائر دول الجماعة الدولية من اتساع رقعة الحرب، بما ينذر حال حدوثه باشتعال حرب عالمية ثالثة، الإنسانية في غنى عنها، فيما أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن رضاها لنجاح تركيا في عقد اجتماع ثلاثي جمع وزراء خارجية كل من روسيا وأوكرانيا إلى جانب نظيرهما التركي. وعلى الرغم من أن هذا الاجتماع لم يخرج بنتائج إيجابية إلا أن مجرد الاجتماع بهذا المستوى الوزاري قد يمهد الطريق لإجتماع آخر يكون على المستوى الرئاسي بين أوكرانيا وروسيا، لذلك جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدعوة إلى عقد قمة تجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الأوكراني زيلنيسكي في أنقرة أو أسطنبول. وإذا استطاعت تركيا عقد هذه القمة، فإنها تكون قد نجحت في جهودها الدبلوماسية في الوقت الذي فشلت فيها الدبلوماسية الأوروبية وفي مقدمتها الدبلوماسية الفرنسية.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق وعلى نسق ” مصائب قوم عند قوم فوائد” هل كانت تركيا بحاجة إلى هذه الحرب الدائرة في شرق أوروبا كي تدرك الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بأن تركيا عبر دبلوماسيتها الناجعة تسهم في بناء قوتها الإقليمية التي لا يستهان بها في التفاعلات الدولية سواء في وقت السلم أو الحرب؟ .
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية