في الوقت الذي أطلق رئيس تيار «الحكمة» الوطني، عمار الحكيم، مبادرة لتجاوز حالة «الانسداد السياسي» الذي يشهده العراق، مستنداً فيها على إجراء حوار شامل بين جميع القوى السياسية، وتشكيل كتلة شيعية موحدة، تتولى مهمة اختيار رئيس الوزراء وتأليف كابينته الحكومية، دعا تحالف «السيادة» السنّي، المؤتلف مع التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى «حلّ» البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.
وقال القيادي في تحالف «السيادة»، النائب مشعان الجبوري، إن خيار حل مجلس النواب قائم في ظل الانسداد السياسي الحاصل في البلاد وعدم تشكيل الحكومة الاتحادية رغم مضي أشهر عديدة على إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة.
الحكيم يتبنّى مبادرة لحل أزمة تشكيل الحكومة: كتلة شيعية موحدّة واعتماد الأغلبية في تسمية الرئاسات
وأضاف في تدوينة له أمس: «ندرك الأعباء الكبيرة التي ستترتب على مفوضية الانتخابات وعموم الدولة لو صوت البرلمان على حل نفسه والدعوة لانتخابات جديدة».
وأشار إلى أن «حديثنا عنها ليس مناورة أو من فراغ لكنها الخيار الذي لا بد منه إذا استمر الانسداد السياسي»، متسائلاً: «ما نريد معرفته قبل الشروع بحل البرلمان هو رأي الشارع في مثل هذه الخطوة».
وفي التوجّه ذاته، أكد النائب عن تحالف «عزم» محمود القيسي، أنهم يتعاملون جدياً مع أطروحة إعادة الانتخابات.
وقال في «تغريدة» له أمس، إن «الاحتقان السياسي قد وصل لمديات حرجة، ينبغي معها العودة للجمهور لحسم الأوزان السياسية للمرشحين، بعد أن أدرك المواطن ولأول مرة بأن صوته الانتخابي هو من يحسم فوز المرشحين في البرلمان». وختم بالقول: «مقعد نيابي لا يخدم ناخبيه لا قيمة له أبداً».
وكان مجلس القضاء الأعلى أبدى رأيه في قضية حل مجلس النواب في شباط/ فبراير الماضية، وذكر في بيان رسمي أن معالجة الإشكاليات السياسية تتم وفق الأحكام الدستورية فقط ولا يجوز لأي جهة سواء كانت قضائية أو غيرها أن تفرض «حلاً لحالة الانسداد السياسي إلا وفق أحكام الدستور»، مؤكداً أن «آليات حل مجلس النواب مقيدة بنص المادة 64 من الدستور وملخصها أن المجلس يحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بخيارين لا ثالث لهما، الأول بناء على طلب من ثلث أعضائه والثاني طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية».
وتنص المادة 64 من الدستور العراقي على فقرتين هما: «أولاً: يُحل مجلس النواب، بالاغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء».
وفي حين تنصّ المادة الثانية على أن «يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية».
في السياق ذاته، أعلن رئيس تيار «الحكمة» وتحالف «قوى الدولة»، عمار الحكيم، 9 خطوات للخروج من حالة «الانسداد السياسي» التي تمر بها البلاد.
فقدان الثقة
وقال في كلمته في الذكرى الثالثة عشرة لرحيل عبد العزيز الحكيم، أحد المؤسسين «للمجلس الأعلى الإسلامي»، إن «(…) أسوأ ما يمكن أن تمر به الساحة هو فقدان الثقة والشعور بالتهميش والإقصاء وهي مخاطر كبيرة لطالما حذر منها عزيز العراق (في إشارة إلى عبد العزيز الحكيم) ونحن اليوم نجدد التحذير منها ومن تداعياتها الوخيمة».
وبين أن «الانسداد السياسي الحاصل في المشهد، والتعطيل الدستوري وتلكؤ الخدمات، وتعميق الفجوة بين الشعب ونظامه السياسي تمثل تحديات أساسية يجب العمل على معالجتها من أجل مصلحة العراق، وما أحوجنا اليوم إلى التكاتف والتعاون والتعاضد والابتعاد عن الاحقاد والكراهية وكسر الإرادات».
وأضاف: «لسنا مع منطق الاتهام والتشكيك بنوايا القوى السياسية المتصدية، ولا نرتضي بشيطنة الآخر عند تشابك الرؤى والمواقف»، موضحاً أن «الساحة السياسية بأمس الحاجة إلى حوار جاد وتفاهمات حقيقية بين القادة وأصحاب القرار، لا عبر شاشات ووسائل الإعلام وإنما عبر لقاءات مباشرة وجهاً لوجه للخروج من الانسداد السياسي الذي عطل مصالح الناس وحرمهم من استثمار الوفرة المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط وجعلهم أمام مستقبل مجهول وقلق».
وتابع: «لقد أكدنا سابقاً بأن مفهوم التوافقية السلبية يضر بالعملية السياسية ولن ينتج حكومة خدمية مقتدرة في القرار والمتابعة، ونؤكد اليوم ضرورة أن تتحمل جهة بعينها مسؤولية تشكيل الحكومة حتى لا يعمم الفشل على الجميع (لا سامح الله) وأن يتمكن الناس من تقييم الأداء السياسي بوضوح ومن دون تضليل أو مدارات».
ومضى يقول: «لقد كنا ولا نزال نقول بالتدرج والتقدم المدروس والانتقال السلس من التوافقية إلى الأغلبية الوطنية من دون قفزات سريعة غير مدروسة»، معتبراً أن «الأغلبية المطلوبة هي تلك التي تجتمع على مشروع واضح لبناء الدولة وعبر معادلة مفادها أغلبية وطنية واضحة لجميع المكونات وبمعنى (أغلبية شيعية وأغلبية سنية وأغلبية كردية) تشترك في تحمل المسؤولية التنفيذية الكاملة في إدارة البلاد، يقابلها أقلية أمنة من كافة المكونات أيضاً تمارس دور المعارضة البناءة بكل حرية وقوة واطمئنان عبر مجلس النواب ولجانه والهيئات الرقابية المستقلة وبذلك نقضي على المحاصصة والطائفية والعنصرية».
ودعا إلى أن «تلاحظ الأغلبية الوطنية الحاكمة التوازن في حضور وشراكة جميع المكونات لتطمين الجميع»، مبيناً أن «تحقيق ذلك يتطلب بيئة سياسية مستقرة ومطمئنة تساعد على تحقيق هذا المسار السياسي السليم بآليات واضحة وملموسة».
ونوه الحكيم إلى أن «الدستور كان واضحاً جداً حين حصر انتخاب رئيس الجمهورية بتحقيق الثلثين في تشجيع القوى السياسية على تحقيق تفاهمات واسعة فيما بينها، ومن لا يستطيع تحقيق الثلثين انتخابياً عليه أن يكون محاوراً موضوعياً جيداً للتفاهم مع شركائه في الوطن وفي البيت الواحد».
وزاد: «نحن مع ضرورة وجود معارضة وطنية قوية ونؤيد عدم اشتراك جميع القوى السياسية في تشكيل الحكومة، ونحن في الحكمة اتخذنا قرار عدم المشاركة في الحكومة منذ إعلان نتائج الانتخابات رغم تحفظنا وتسجيل ملاحظاتنا على الانتخابات ونتائجها».
واستدرك بالقول: «لكننا نرى ضرورة تشكيل الكتلة الأكبر من ممثلي المكون الاجتماعي الأكبر لتوفير الحماية البرلمانية الكافية للحكومة لكي لا تكون في مهب الريح أمام أول عاصفة سياسية تجتاحها».
وخاطب الحكيم القوى السياسية قائلاً: «إنني ومن موقع المسؤولية الأخلاقية والوطنية أدعو القوى المتصدية الممثلة للمكون الاجتماعي الأكبر وجميع شركائنا في الوطن إلى الخروج من واقع الانسداد السياسي القائم وإنما يتحقق ذلك من خلال عدة خطوات وبروح وطنية خالصة».
حوار غير مشروط
ودعا إلى «جلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار ومناقشة الحلول والمعالجات دون شروط أو قيود مسبقة، وتسمية الكتلة الأكبر عبر القوى الممثلة للمكون الاجتماعي الأكبر وفق ما نص عليه الدستور»، لافتاً إلى أن «حسم موضوع الرئاسات الثلاث عبر تفاهم أبناء كل مكون فيما بينهم، والجميع يتعامل مع مرشح الأغلبية السنية والأغلبية الكردية والأغلبية الشيعية لتمرير مفهوم الأغلبية المطمئنة للجميع، مع الاتفاق على أن رفض مرشح أحد من المكونات الأخرى لا يعني تقاطعاً مع المكون بل فسح المجال أمامه لتقديم خيارات أخرى، والرؤساء الثلاث يكونوا ممثلين للجميع ويحضون بدعم واحترام الجميع».
وحثّ الحكيم على «صياغة البرنامج الخدمي والسياسي للحكومة القادمة وتحديد أسقف زمنية واقعية لتنفيذه وتحديد معايير اختيار الفريق الوزاري المأمول، وتوزيع الأدوار، فمن يرغب بالمشاركة في الحكومة ينضم إلى فريق الأغلبية ويلتزم بدعم الحكومة بالبرنامج المتفق عليه ويعلن تحمل المسؤولية الكاملة عن مشاركته وقراره، ومن لا يرغب بالمشاركة يتخذ من مجلس النواب منطلقاً لمعارضته البناءة ويعلن ذلك رسمياً ليحظى بالغطاءات المطلوبة».
وشدد على أهمية أن «تتعهد الأغلبية بتوفير الغطاء الآمن للمعارضة مع تمكينها في اللجان البرلمانية والهيئات الرقابية المستقلة لأداء مهامها كما تتعهد المعارضة بعدم تعطيل جلسات مجلس النواب والحضور الفاعل فيه وفسح المجال أمام الأغلبية لإكمال الاستحقاقات الدستورية»، لافتاً إلى «اتفاق الأغلبية الحاكمة والمعارضة البناءة على التشاور الدائم والتداول الدوري حول القضايا الاساسية في البلاد للخروج بقرارات وطنية واجماعية في القضايا المصيرية والقوانين المعطلة».
وجاء في مبادرة الحكيم أيضاً: «نبذ المساجلات الإعلامية السلبية ولغة التسقيط والتخوين والاتهام، وأدعو من هذا المقام جميع المؤسسات الإعلامية الحكومية وغيرها إلى تبني ميثاق وطني ملزم للجميع لمواجهة لغة الكراهية والاتهام وتنقية الخطاب الموجه للجمهور بمعلومات دقيقة غير مضللة، فلا يمكن بناء الدولة من دون إعلام وطني حريص ومسؤول عن وحدة البلد واحترام القيم الأصيلة».
وحثّ على «اعتماد الإصلاح الحكومي مادة للتنافس السياسي في الأداء والخطاب، وليطرح كل كيان سياسي وكل تحالف برامجه ورؤيته الاقتصادية والثقافية والتنموية والأمنية أمام وسائل الإعلام، وليتصدى المتحدثون السياسيون الممثلون لكياناتهم في التعبير عن رؤيتهم في الحلول المطروقة ومواطن القوة أو الضعف فيها وكيفية انتشال البلد من واقعه الصعب والنهوض به مجدداً ولتكن هناك فسحة للرأي العام في أن يطلع على خطط وحلول كافة الكيانات ودعم ما يراه مناسباً للبلاد».
وأعرب عن أمله من «جميع الفعاليات السياسية النظر في هذه الخطوات بجدية عالية عسى أن تكون مخرجاً لأزمات البلاد وإطاراً نلتقي حوله ونوحد صفوفنا عليه في أجواء الشهر الفضيل».
حكومة إصلاحية
وفي الأثناء، دعا رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى تشكيل حكومة «إصلاحية». وقال في كلمة ألقاها خلال حضوره الاحتفال المركزي لحزب «الدعوة» في الذكرى السنوية (42) لرحيل رجل الدين الشيعي، محمد باقر الصدر، وأخته بنت الهدى: «نتعلم من شهداء العراق أن نتمسّك بالحق والموقف، ونتعلم منهم أن نكون أصحاب الكلمة الجامعة، أصحاب الخطاب الوطني البعيد عن الحساسيات والعصبيات، حتى تكون مواقفنا لأجل الناس، فنؤسس دولة ذات حكمٍ رشيد، أساسها العدل، واحترام الحقوق وصونها، وأداء الواجبات على أكمل وجه»، داعياً إلى «التعلّم من أخطاء الماضي، حتى لا نكرر أخطاءً وقعنا فيها، ولا نعيد إنتاج مآسٍ ذقنا لوعتها، اليوم بين أيدينا فرصة، وعلينا استثمارها لأجل مستقبل أبنائنا».
وأشار إلى أن «بناء الدولة ومؤسساتها هو المطلب الأهم، فهو يعني إعماراً وإصلاحاً، وتعزيز حضور المؤسسات ودورها، بناء الدولة يعني قوات مسلحة قادرة على حماية الوطن وأرضه وحدوده ضد كل التحديات، ويعني اقتصاداً قوياً، وتعاوناً وشراكة مع المحيط والعالم»، مطالباً القوى السياسية بـ»استكمال الاستحقاقات الدستورية والعمل بروح تضامنية».
وتابع الكاظمي: «علينا الالتفات إلى أن الأزمات الدولية الحالية تؤثر على كل دول العالم والعراق ليس بعيداً عن هذه الأزمات، وواجبنا حماية شعبنا من أي انعكاسات لهذه الأزمات».
كما دعا إلى أن «تكون القرارات السياسية بمستوى تطلعات الشعب العراقي، فشعبنا ينتظر تأسيس حكومة عراقية إصلاحية طال انتظارها»، منوهاً: «لدينا جميعاً مهمة وطنية نشترك بها هي الانتقال من لغة الاستعصاء والانسداد، إلى لغة الاتفاق والثقة والتعاون، ومن خنادق المواجهة والاتهامات والأزمات إلى خندق بناء الوطن وتحصينه وحل أزماته وإصلاح منظوماته من أجل مستقبل أجيالنا».
القدس العربي