هل تكون العودة إلى الملكية ودستور 1951 الحل الأخير للأزمة في ليبيا؟

هل تكون العودة إلى الملكية ودستور 1951 الحل الأخير للأزمة في ليبيا؟

بعد فشل كل الجهود التي بذلت لإتمام العملية السياسية في ليبيا وقيادة البلد نحو بر الأمان مع حكومة ورئاسة تشرفان على إصلاح ما أفسدته الحرب، تعالت الأصوات المطالبة ببناء ليبيا المستقبل شريطة العودة إلى الوراء وتبني النظام الملكي من جديد ودستور 1951، ورغم تغيّر الظروف المحلية وحتى الإقليمية والدولية لا يرون حلا للأزمة غير ذاك الحل.

مع انسداد أفق الحل السياسي من جديد في ليبيا عاد الحديث عن إمكانية اللجوء إلى دستور 1951 كأمل أخير لمواجهة المعوقات والعراقيل التي لا تزال تدفع نحو تقسيم البلاد أكثر مما تساعد على توحيدها. وجاءت المؤشرات هذه المرة من لندن وواشنطن لتفسح المجال أمام الكثير من التأويلات، أهمها أن اليأس من توصل الساسة الليبيين الحاليين إلى التوافق على مشروع البناء الديمقراطي الجمهوري لدولة واحدة ذات سيادة ومتحالفة مع ما يسمى بالعالم الحر، بات يدفع بقوة إلى البحث عن بديل يحرّض بعض المهتمين بالملف الليبي في العواصم الغربية على أن يتمثل في العودة إلى النظام الملكي الدستوري الذي كان قائما منذ تأسيس الدولة في ديسمبر 1951 حتى الإطاحة به في سبتمبر 1969.

وفي مقال نشرته جريدة “أوراسيا ريفيو” ربط اللورد عامر سارفراز، عضو مجلس اللوردات في بريطانيا، بين الوضع الأوكراني والحالة الليبية، حيث يرى أن الغرب تلقى في أوكرانيا نداء إيقاظ طال انتظاره، إذ أن “الكفاح من أجل أوكرانيا هو نموذج مصغر لمعركة أكبر من أجل نظام دولي قائم على القواعد وله سجل حافل في تحقيق السلام والاستقرار والازدهار. لم تكن المخاطر أكبر من أي وقت مضى ولكن مع احتدام القتال من أجل أوكرانيا يجب ألا ننسى أن الكفاح من أجل أمننا وقيمنا يتم خوضه أيضًا في مكان آخر قريب من الوطن: في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

ويضيف صاحب المقال أن “السنوات العشرين الماضية أعطت سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العديد من الأسباب للاعتقاد بأن التدخل الغربي قد أضر بحياة الناس ولم يحسنها. وفي حين أن تدخلات الغرب كانت ذات نوايا نبيلة، إلا أن التنفيذ كان معيبًا بشكل سيء. لقد فتحت هذه الإخفاقات الباب أمام منافسينا الجيوسياسيين -ليس أقلهم روسيا- ولكنها أيضًا شككت في أهمية وإمكانية تطبيق الديمقراطية والقيم الليبرالية. وفي حين أننا ربما خسرنا المعركة من أجل العراق وأفغانستان، فإن القتال من أجل ليبيا لم ينته بعد”.

يوسف الفارسي: الرغبة في إجراء الانتخابات تقف في وجه العودة إلى الوراء

وأوضح اللورد سارفراز أنه حضر إطلاق الورقة البحثية الأساسية من قبل منتدى كامبريدج للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حول مشروع “الخطة ب لليبيا ديمقراطية؟” التي تعتبر أن استعادة دستور عام 1951 والنظام الملكي الدستوري تمثل بصيص أمل لليبيا ديمقراطية.

ولا ينسى سارفراز أن يضع أوزار فشل الدول الغربية في ليبيا ودول أخرى على كاهل روسيا، فهو يرى أن “ليبيا اليوم بلد غير مستقر، حيث يطالب اثنان من رؤساء الوزراء الذين نصبوا أنفسهم بالسلطة الشرعية وأن عصابات من الميليشيات تمارس السلطة الفعلية. لهذا السبب ترى روسيا في ليبيا فرصة سهلة لاكتساب نفوذ منخفض التكلفة على الغرب”.

ويتابع أن “روسيا استخدمت الهجرة كسلاح لمحاولة زعزعة استقرار أوروبا، وليبيا كانت نقطة انطلاق مثالية للقيام بذلك، كما لعبت دورًا في وضع صواريخ متطورة مضادة للطائرات والسفن في ليبيا، وإذا تم نشر هذه الأسلحة هناك على المدى الطويل فستهدد على الفور أمن الناتو في البحر الأبيض المتوسط وستعطي روسيا المزيد من النفوذ على الجانب الجنوبي من تحالفنا. وإثر تصاعد التوترات مع روسيا ازدادت الحاجة الملحة إلى التعامل مع الأزمة الليبية”.

ويقدم أصحاب المشروع حججا على فشل “الخطة أ” تبدو مقنعة، لكنهم بالمقابل يأملون في نجاح “الخطة ب” كونها تبدو ملائمة للسياق الليبي، فقبل الزعيم الراحل معمر القذافي كانت ليبيا ملكية دستورية، والعودة إلى نقطة البداية هذه توفر لليبيا نافذة للاستقرار وإطارا مؤسسيًا جاهزا، يمكن من خلاله تحديد مسارها.

ويشير اللورد سارفراز إلى أن الخطة تستند إلى آخر أزمة مماثلة في ليبيا وهي الفترة التي سبقت الاستقلال بين عامي 1947 و1951، وتطرح كذلك العديد من الأمثلة والنماذج التاريخية حيث تم استخدام الملك كغراء لإعادة بناء مجتمع محطم مرة أخرى؛ كان ذلك في فرنسا وإسبانيا وكمبوديا، وبالطبع بريطانيا، ولذلك فهو خيار منطقي للغاية ويستحق أن يؤخذ على محمل الجد.

وبحسب مراقبين بات يخالج الغربَ اليأسُ من إيجاد حل يناسب تطلعاته في ليبيا، وترى الدول الغربية أن الصراع لم ينته فالميليشيات تسيطر على المشهد السياسي بخلفية اجتماعية واقتصادية، والتجاذبات الجهوية والمناطقية والقبلية تبقى المحدد للحراك الاجتماعي وللصراع على السلطة والثروة، بينما لا تمثّل الأحزاب أهمية تذكر في المشهد العام.

ولا يزال النظام السابق يحظى بأسبقية واضحة في الفوز بأية انتخابات ديمقراطية، وهو ما ترفضه واشنطن ولندن اللتان لا ترحبان بديمقراطية تعود بتجربة القذافي إلى واجهة الحكم.

وفي يونيو الماضي اعتبر شلومو جيسنر، الرئيس والمؤسس المشارك لمنتدى كامبريدج للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلندن، في مقال نشره موقع “ناشونال إنترست” الأميركي أن النظام الملكي الدستوري سيكون المنقذ لليبيا من الفوضى التي تعيشها حاليا، مشيرا إلى أن الملك المحتمل لا خلاف عليه، وأضاف أن الدستور الليبي لعام 1951 قدم لشعبه حريات سياسية واجتماعية واسعة، وكان النظام البرلماني قائما على حق الاقتراع العام للبالغين، في وقت لم تسمح فيه سويسرا، تلك المنارة الليبرالية في قلب أوروبا، للنساء بالتصويت في الانتخابات الفيدرالية.

◙ العودة إلى النظام الملكي قد تكون حلّا ممكنا ولكنه سيصطدم بخلافات حادة بين الليبيين، وخاصة في ما يتصل بالتجاذبات المناطقية والقبلية

وأشار جيسنر إلى أن ليبيا منذ عام 2011 تمزقت بسبب الصراع الداخلي، وهو أمر ليس من المستغرب في مجتمع منقسم إلى 140 قبيلة رئيسية وعدد كبير من القبائل الفرعية، ويبدو أنه لا يمكن التوفيق بين القوى السياسية في بلاد تتمتع بالكثير من الثروة النفطية، معتبرا أن ما تحتاج إليه ليبيا حاليا هو شخص، زعيم، أو حكومة، يلتف حوله/ها الشعب، ومن المشجع أن الذين يناضلون من أجل “عودة الشرعية الدستورية” كانوا حركات شعبية حقيقية، كذلك فإن زعماء القبائل والسياسيين يتقبلون أيضا فكرة إعادة تأسيس ملكية دستورية.

ويتابع جيسنر أن النظام الملكي كان رمزا للوحدة، مدعوما بشعبية الملك إدريس وآل السنوسي، ومن الممكن أن يحدث ذلك مرة أخرى اليوم.

وبحسب وليام إتش لويس المتخصص في شؤون المنطقة فإن الأولوية السياسية لإدريس كانت حتمية بسبب قبوله من قِبل معظم الفصائل السياسية الليبية والجماعات المتنافسة كمرشح وسط وشخصية سياسية دون أي أجندة خاصة به.

وكان الملك إدريس قد توفي عام 1983، وتوفي ابن أخيه وولي العهد حسن السنوسي متأثرا بنوبة قلبية بعد 9 سنوات في لندن عن عمر ناهز 65 عاما. وقبل وفاته عيّن حسن محمد، ابنه الثاني، رئيسا للبيت الملكي في ليبيا، وفي عام 2011 ظهر في البرلمان الأوروبي وأعرب عن تفضيله استعادة دستور عام 1951، وأنه سيكون الخيار الأفضل لليبيا.

ويقول محمد الرضا السنوسي وريث العرش، معبّرا عن رؤيته للواقع والآفاق في بلاده، إنه يأمل في أن تسود المصالحة الوطنية بين جميع أبناء الوطن الواحد بهدف طي صفحة الماضي وتحقيق التعايش السلمي بين كافة أطياف المجتمع.

رافائيل لوزون: هناك حجة قوية لصالح إعادة تبني دستور عام 1951

ويضيف “كمواطن ليبي يحب بلاده ويحرص على مصالحها فإنني سوف أظل على العهد ملتزماً بمستقبلٍ أفضل لبلادنا وشعبنا الليبي الكريم، فإذا اختار الشعب الليبي دستور المملكة الليبية لعام 1951 والذي أقرته الأمم المتحدة (بصيغته المعدلة في 1963) فإنه سيكفل الحقوق المدنية والسياسية الواسعة بموجب قوانين أقرتها الدولة الليبية المستقلة، كما أنه سيوفر أساسا متينا لبداية جديدة حيث يتضمن هذا الدستور الآليات الموحدة اللازمة لاستعادة الاستقرار والوحدة الوطنية والهوية الليبية، ويشمل ذلك مجلسا نيابيا يستطيع وفقاً لإرادة الأمة الليبية تعديل الدستور لتكييف مبادئه مع واقعنا الحالي لنتصدى لأزماتنا من منظوري الحاضر والمستقبل والمضي قُدُماً إلى الأمام، وهو الطريق القائم علي الحكم الخاضع للمساءلة، وتحقيق الأمن والاستقرار، وتحفيز النمو الاقتصادي، وحماية حقوق المواطنين، واستعادة الهوية الوطنية الليبية والمكانة الرفيعة التي تستحقها ليبيا وشعبها الكريم وتمكينها من لعب دورها المنتظر كشريك إيجابي على المستويين الإقليمي والدولي”.

ويبدو أن هناك اتجاها للضغط على الأمم المتحدة من أجل الاعتراف بفشل التجارب السابقة وجميع المحاولات التي تتالت منذ 2011، والسير على طريق البديل المطروح وهو النظام الملكي الدستوري، فأصحاب “الخطة ب” لا يرون حلا للأزمة إلا بالعودة إلى الوراء 70 عاما، وتحديد مسارات مرتبطة بمرحلة التأسيس للدولة الليبية الوليدة في العام 1951، وهو ما يجد ترحيبا لدى عدد من الأطراف السياسية ولاسيما بين الأقليات العرقية والدينية.

ويقول رافائيل لوزون رئيس اتحاد يهود ليبيا إن هناك حجة قوية لصالح إعادة تبني دستور عام 1951، حيث لا يمثل هذا الخيار أفضل وسيلة لتوحيد السكان الليبيين المتنوعين فحسب، بل يجسد كذلك أفضل إطار للعلاقات الخارجية المستقبلية للبلد.

وأوضح أن المشروع يعدّ أفضل توضيح حتى الآن لكيفية إعادة اختيار الدستور ووضع البلاد على المسار الصحيح للاهتمام بشؤونها المحلية والدولية، والتي من بينها العلاقة التي كانت تربط بين الدولة والمجتمع اليهودي الذي ازدهر ذات مرة، مردفا أنه من الممكن أن تهيّئ عودة الأمير محمد ولي العهد الحالي والوريث الشرعي لعرش الملك إدريس، جنبًا إلى جنب مع دستور يحمي حرية الضمير (من بين ضمانات أخرى مهمة للحقوق)، ظروفاً من شأنها أن تخلق إطارا من الاستقرار الداخلي.

وشهدت ليبيا دعوات محتشمة للعودة إلى النظام الملكي لكنها لم تجد صدى يذكر، وفي ديسمبر الماضي طالب فرج عبدالملك فرج عضو مجلس النواب بالعودة إلى النظام الملكي للخروج من مأزق الانتخابات الليبية.

◙ النظام الملكي كان رمزا للوحدة، مدعوما بشعبية الملك إدريس وآل السنوسي، ومن الممكن أن يحدث ذلك مرة أخرى اليوم

كما اعتبر أحمد لنقي، عضو المجلس الاستشاري للدولة، أن الحل هو العودة من جديد إلى النظام الملكي والبعد عن النصوص القانونية.

لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فليبيا في العام 1951 كانت مرتبطة بسياق عام في ظل ملكيات راسخة في الجارتين تونس ومصر، وفي ظل جهود داخلية وخارجية لرتق المستعمرة الإيطالية السابقة التي سيطر عليها الفرنسيون والبريطانيون بعد الحرب العالمية الثانية، والتي لم تكن عبر التاريخ دولة واحدة بالشكل الذي أصبحت عليه بعد استقلالها.

وبحسب مراقبين، فإن العودة إلى النظام الملكي قد تكون حلّا ممكنا ولكنه سيصطدم بخلافات حادة بين الليبيين، وخاصة في ما يتصل بالتجاذبات المناطقية والقبلية؛ فالملكية لم تسقط في ليبيا نتيجة الانقلاب العسكري فقط، وإنما بسبب الحركات الاحتجاجات المتتالية التي عرفتها مناطق غرب البلاد منذ العام 1952 عندما تقرر حل الأحزاب وإلغاء التحزب.

وفي هذا السياق يرى يوسف الفارسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة عمر المختار، أن هناك صعوبة في العودة إلى النظام الملكي في البلاد مع وجود رغبة شعبية في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وترشح العشرات من الشخصيات خلال الانتخابات التي تعثرت في ديسمبر الماضي، مشيرا إلى أن كافة أنظمة الحكم التي مرت على ليبيا كانت لها بعض التداعيات السلبية.

ولفت الفارسي إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن أي محاولة للعودة إلى النظام الملكي تحتاج إلى استفتاء شعبي وترتيبات.

وعلينا أن نتأمل جيدا في أن من يتزعمون المشهد في الغرب الليبي صاحب الثقل السياسي والاجتماعي والسكاني حاليا يرفضون أن يحكمهم أهل الشرق، وهو خيار تأسست عليه فكرة إعادة التقسيم وفق النظام الفيدرالي الذي كان معمولا به قبل تعديلات الدستور في 1963، وكذلك يرفضون أن تعود السلطة من جديدة إلى القبائل البدوية التي مثّلها القذافي في الحكم لمدة 42 عاما، كما أن سياقات التاريخ لم تعد تقبل العودة بسهولة إلى النظام الملكي، ولو كان الأمر كذلك لكانت واشنطن ولندن قد أعادتاه إلى العراق وأفغانستان من قبل.

العرب