يكاد يتفق كل قادة القوى والأحزاب والمكونات في العراق على أن إسقاط النظام السابق (نظام صدام حسين) عام 2003 كان هدفاً ذهبياً بالنسبة إليهم… فمعظم قادة القوى والأحزاب والمكونات كانوا خصوماً للنظام السابق، وشكل قسم كبير منهم قوى معارضة له؛ بدأتها الأحزاب الكردية منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، ثم تلتها الأحزاب الشيعية؛ وفي المقدمة منها «حزب الدعوة»، ثم اتسعت فيما بعد دائرة المعارضين. كما اتسعت في الوقت نفسه دوائر المؤيدين لقوى المعارضة من دول إقليمية وعالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي حتى توقيع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون قانون «تحرير العراق» عام 1997، وصولاً الى إسقاط النظام السابق يوم 9/ 4/ 2003. وحيث إن الولايات المتحدة الأميركية هي التي تكفلت إسقاط صدام حسين ونظامه، فإن تركيبة الحكم التي تلت عام 2003 اختلفت فيها التوجهات والأهداف والآيديولوجيات والانتماءات؛ بما في ذلك الإقليمية والدولية، التي تحولت إلى صيغ شتى من صيغ التدخل في الشؤون الداخلية للعراق. وطوال العقد الأول بعد التغيير تقاسمت كل من الولايات المتحدة الأميركية وإيران عملية التدخل في الشأن الداخلي للعراق، مع محاولات خجولة من أطراف دولية وإقليمية لكنها لا ترقى إلى مستوى قدرة إيران على تحويل تدخلها في العراق إلى سياقات وآليات عمل عبر أذرع سياسية وعسكرية فشل الآخرون في تكوينها وتكريسها، تضاف إلى ذلك سلسلة انسحابات أميركية من المشهد العراقي.
سياسيو العراق المختلفون على كل شيء؛ بما في ذلك الموقف من أميركا لجهة توصيف ما قامت به «تحريراً» أم «احتلالاً»، الأمر الوحيد الذي لا يزال يوحدهم هو ما خلفه النظام السابق من فواجع وظلم جرى توزيعه بعدالة على كل المكونات العراقية. ففي ذكرى «مجزرة الأنفال» التي نفذها النظام السابق ضد الأكراد عام 1988 والتي راح ضحيتها آلاف المواطنين الكرد المدنيين، توالت برقيات الإدانة والاستذكار لهذه الجريمة التي صنفت مع مثيلتها «جريمة حلبجة» التي قصفت بالكيمياوي وراح ضحية هذا القصف 5 آلاف مواطن كردي. كل قادة العراق؛ بدءاً من رئيس الجمهورية؛ إلى قادة الأحزاب والقوى السياسية وكبار المسؤولين في الدولة، أصدروا بيانات أدانوا فيها تلك الجريمة، وعدوها مناسبة لإعادة استذكار مآسي وجرائم النظام السابق. كل مضامين البرقيات تعكس حرصاً من قبلهم على أهمية توحيد الصفوف وتحقيق العدالة بين جميع العراقيين وأهمية إشاعة قيم التسامح وإشاعة روح المحبة والسلام بين الجميع، بالإضافة إلى اللازمة المعروفة في كل البيانات؛ وهي أهمية تحقيق التنمية وتقديم الخدمات. لكنه طبقاً لواقع الحال؛ فإن كل القادة والمسؤولين؛ رسميين وحزبيين، لم يتمكنوا؛ حتى بعدما أجروا انتخابات مبكرة آواخر العام الماضي جاءت على وقع حراك شعبي راح ضحيته مئات الشهداء وعشرات آلاف الجرحى، من إكمال الاستحقاقات الدستورية المطلوبة في تشكيل حكومة وفقاً للمدد الدستورية.
وطبقاً لما جرى من تمديد للمدد الدستورية وكسر للأعراف السياسية وما حدث من تمديد قامت به المحكمة الاتحادية العليا من أجل منحهم فرصة للتوافق؛ فإن الذي تحقق حتى الآن هو فقط انتخاب البرلمان الذي يبدو شبه معطل؛ لأنه لم يتمكن من استكمال أهم استحقاق ينتظره؛ هو انتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم تشكيل حكومة. وطبقاً لما يقوله الخبراء والمعنيون؛ فإن أعضاء البرلمان، الذين يبلغ عددهم 329 عضواً، يتقاضون شهرياً ملايين الدولارات، رواتب وامتيازات، بينما الشلل التام يصيب كل مرافق الدولة. فالقوى السياسية؛ التي تختلف على كل شيء في الوقت الحاضر ما دام يهدد مصالحها وأهدافها وأولوياتها؛ تعيد التذكير بما قام به النظام السابق في حق العراقيين بوصفه أعمالاً عدوانية تستحق الإدانة؛ بينما للناس رؤية أخرى. ففي محافظة السليمانية؛ التي كانت ميدان «جريمة الأنفال»، رفض المواطنون من عوائل ضحايا تلك الواقعة الأليمة حضور المسؤولين الرسميين في تلك الوقفة. فالمواطنون هناك من الذين نظموا الوقفة لم يكن هدفهم إدانة النظام السابق؛ لأن هذا من وجهة نظرهم أمر مفروغ منه، لكنهم خرجوا محتجين في «ذكرى الأنفال» التي مضى عليها 34 عاماً، على تردي الخدمات وإهمال أبناء المناطق التي ينتمي إليها ضحايا «الأنفال» من قبل السلطات.
الشرق الأوسط