يدرك المسؤولون العراقيون مدى سوء الأوضاع المالية التي تمر بها بلادهم وهم يواجهون ضغوطا من أوساط الاقتصاد من أجل الإسراع في تنفيذ استراتيجية طموحة لتنمية مختلف المحافظات وتوفير فرص عمل للمواطنين باستثمار عائدات النفط الكبيرة.
وأعلنت وزارة النفط في وقت سابق هذا الشهر أن إيرادات تجارة النفط بنهاية الربع الأول من هذا العام فاقت 11 مليار دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ خمسة عقود بفضل سعر البرميل الذي بلغ في المتوسط نحو 110 دولارات.
ومنذ انهيار أسعار النفط في منتصف 2014، تراجع الدخل الشهري للعراق بين 2.5 و3.5 مليار دولار، وهذا يعني أن بغداد عانت من عجز شهري يتراوح بين 3.5 و4.5 مليار دولار.
سلام سميسم: يجب استثمار الفوائض لتنشيط الزراعة والصناعة
ويعتمد العراق بأكثر من 90 في المئة على الإيرادات النفطية في تمويل ميزانيته. ومع ذلك، يعاني البلد نقصا كبيرا في الطاقة وتهالك البنى التحتية وانقطاعات متكررة في الكهرباء.
وفي مؤشر إيجابي على ابتعاد الاقتصاد عن الخطوط الحمر أكد البنك الدولي في تقرير أصدره مؤخرا تحقيق العراق المرتبة الأولى عربيا بأكبر نمو للناتج المحلي الإجمالي وبنصيب الفرد لعام 2022.
ويقول المحلل الاقتصادي محمود داغر لوكالة الأنباء العراقية الرسمية إن بيانات البنك التي تشير إلى تحسن في الأداء الكلي للاقتصاد العراقي مقارنة بالسنوات السابقة التي تأثرت بالجائحة تعد محفزا للسلطات لاستكمال خططها رغم بعض المنغصات.
وحمل تقرير البنك في طياته شقين، الأول يتمثل في نشاط القطاعات غير النفطية والتي لا بد لها أن تحقق تحسنا بعد الجائحة مثل قطاع النقل ومبيعات التجزئة فضلا عن بعض الأنشطة التي تأثرت بالأزمة الصحية.
أما الشق الثاني فيتمثل بالتحسن الكبير في إيرادات الدولة بفضل الارتفاع الكبير لأسعار النفط نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية، وهذا التحسن سيستمر ومن المتوقع إلى غاية عام 2024.
وقال داغر “يجب على الحكومة استثمار هذه الطفرة في أسعار النفط والتي قد تستمر لمدة سنتين في ضخ المزيد من الاستثمار وإعادة النمو في الناتج المحلي الإجمالي”. وأضاف “تقديرات البنك الدولي تشير إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي للعراق بواقع 5 في المئة تقريبا هذا العام، مما يؤدي إلى تحسن في سداد الدين العام وفوائده”.
ويكافح العراق الذي شهد حروبا وفترة حصار طويلة منذ أكثر من أربعة عقود بحثا عن حلول تساعد في تحفيز الاقتصاد حتى يسهم بدور فعال في التنمية التي ظلت متوقفة منذ الغزو الأميركي في 2003 بتخفيف مستوى البطالة وتضييق دائرة الفقر.
ويمر البلد، وهو ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك بعد السعودية، بأسوأ أزماته الاقتصادية. فقد تضاعف معدل الفقر في 2020 وصار 40 في المئة من السكان البالغ عددهم 40 مليوناً يعتبرون فقراء، بينما خسرت العملة المحلية 25 في المئة من قيمتها.
كما يشكل الفساد الذي كلّف العراق ما يساوي ضعفي إجمالي ناتجه الداخلي الإجمالي، أي أكثر من 450 مليار دولار، أبرز هموم العراقيين الذين يعانون من نقص في الكهرباء والمستشفيات والمدارس وغيرها من الخدمات الأساسية. وإلى جانب ذلك تعبّد البيروقراطية طريقا إلى امتصاص موارد الدولة في بلد يحتل المركز 162 عالميا في سلم الفساد الذي تنشره منظمة الشفافية الدولية سنويا.
محمود داغر: عوائد النفط المرتفعة فرصة لاستكمال خطط التنمية
واعتبر الخبير الاقتصادي أحمد صدام أن النمو المتحقق مرتبط بزيادة القيمة الإسمية لصادرات النفطية كونها المصدر الرئيس للدخل والعنصر الأساسي في الناتج المحلي الإجمالي. وقال “الآن يجب التركيز على زيادة الطاقات والإمكانات داخل الاقتصاد”.
وأوضح أن الحكومة عليها أن توظف الفوائض المالية في مشاريع إنتاجية، وبالتالي توفير فرص عمل وتوليد دخول وتقليل مستوى الفقر، فضلا عن تحسين مستوى الخدمات لاسيما في القطاعين الصحي والتعليمي.
وتتوفر للعراق الآن فرصة حقيقية لتعديل أوتار الاقتصاد بعدما وصل احتياطي العملة الصعبة إلى أكثر من 70 مليار دولار، بما يعادل ثلاثة أضعاف الدين العام لثاني أكبر منتج للنفط الخام بعد السعودية في منظمة أوبك. وكان المركزي قد أعلن في ديسمبر الماضي عن بلوغ احتياطاته من العملة الأجنبية حوالي 64 مليار دولار.
وأكد المحلل الاقتصادي عبدالحسن الزيادي أن النمو ينبغي أن يستثمر بعمل برامج حكومية لإنجاح مشاركة القطاع غير النفطي بهدف تحقيق النمو المستهدف. وقال إن “بناء الدولة يحتاج إلى خطوات جدية في دعم القطاع الخاص من قبل الحكومة المقبلة”.
ويتوقع البنك أن ينمو الناتج المحلي الاجمالي للعراق خلال العام الحالي بنسبة 8.9 في المئة متجاوزاً بذلك باقي الدول العربية وخاصة النفطية، ومنها السعودية والكويت والامارات التي ستشهد نموا بنسب 7 و5.7 و4.9 في المئة تواليا.
وأشار إلى أن العراق سيكون الأعلى أيضا من بين الدول العربية من حيث نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذا العام بواقع 6.3 في المئة. وبحسب التقديرات بلغ نصيب الفرد العراقي خلال عام 2020 نحو 4.66 آلاف دولار منخفضا عن 2019، والتي بلغ نصيب الفرد فيها 5.49 آلاف دولار.
وكان أعلى دخل للفرد العراقي خلال العقود الأربعة الماضية قد تم تسجيله في 1990 حيث بلغ حينذاك أكثر من 7 آلاف دولار بقليل قبل أن يهبط إلى 70 دولارا في عام 1991 ليعاود الارتفاع بعد عام 2003.
وأرجعت المحللة الاقتصادية سلام سميسم التقييم الإيجابي للبنك الدولي إلى الخطوات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة ظاهرة التضخم وأيضا ارتفاع أسعار النفط عالميا. ولكنها أشارت إلى أن ذلك غير كاف إن لم يكن مقرونا باستثمار الموارد الإضافية باتخاذ خطوات سريعة لتنشيط القطاعين الزراعي والصناعي كونهما يواجهان مشاكل حقيقية ويحتاجان إلى وقت طويل لحلها.
صحيفة العرب