تقول أوساط سياسية عراقية إن المبادرات التي تطرحها القوى السياسية لا تستهدف تسوية الأزمة في البلاد، بقدر ما هي تعمل على تعقيدها في إطار صراع كسر إرادات مستمر، ومحاولة كل طرف إحراج الطرف المقابل، وحشره في الزاوية.
وتشير الأوساط إلى أن المبادرة التي أعلن عنها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لم تكن الغاية منها خلق مسار تفاوضي للتسوية، وإنما كان الغرض هو ضرب المبادرة التي أعلن عنها الإطار التنسيقي، محذرة من أن محاولة كلا الطرفين الزج بالمستقلين في الصراع لن ينتج عنها سوى المزيد من الانقسام والتفتت.
وقال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن المبادرتين تمثلان توازن ضغوط بين الإطار والصدر، ففي الوقت الذي دفع الإطار بمبادرة كان هدفها تطويق أي ردة فعل للصدر، ما بعد انتهاء مهلة الأربعين يوما التي حددها الأخير، قابلتها مبادرة سريعة من قبل الصدر للرد على الإطار، لكن وجهها إلى المستقلين بالتحديد”.
وأوضح الشمري، في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن “الصدر لم يوجه هذه المبادرة إلى الإطار، إلا في جزء بسيط منها”، مردفا بالقول “نحن أمام مبادرات عديدة لكن من دون أن تكون مقبولة من قبل أطراف الأزمة جميعا ليس فقط القوى السياسية الشيعية بل حتى الكردية التي تعاني أيضا من انغلاق في ما بينها”. ولفت إلى أن “المبادرات والاشتراطات لن تنتج حلولا على اعتبار أن التركيز الآن حول الفائز والخاسر إلى جانب الصراع بين الزعامات، وبالتالي من الصعب القبول بمبادارات تضمن اشتراطات”.
وخلال السبعة أشهر الماضية تم الإعلان عن العديد من المبادرات السياسية لكنّ أيا منها لم يلق قبولا لسبب واحد وهو أن كل طرف يرفض فسح المجال للآخر، وأن يظهر أحدهم على أنه المتحكم في المشهد. واتهم تيار الحكمة الخميس، الإطار التنسيقي باستنساخ مبادرة زعيمه عمار الحكيم للخروج من الانسداد الحاصل في العملية السياسية.
ويشهد العراق منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي أزمة سياسية حيث يصر التيار الصدري الذي تصدر الاستحقاق على تولي مهمة تشكيل الرئاسات الثلاث، بالتنسيق مع حليفيه الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة السني، في المقابل يتمسك الإطار التنسيقي الذي يشكل المظلة السياسية للقوى الموالية لإيران بلعب دور متقدم في صياغة العملية السياسية، بناء على مبدأ “التوافق” بين الجميع.
وقال القيادي في التيار رحيم العبودي لوكالة “شفق نيوز”، إن “الحكيم طرح مبادرة سبقت المبادرات وكانت فيها آلية واضحة، ونعتقد أن الإطار التنسيقي تسلمها جميعها”، مشيرا إلى أن “النقاط التسع الأولى لمبادرة الإطار هي موجودة نصا في مبادرة الحكيم عدا بعض التغيير اللفظي واللغوي”.
وأضاف أن “الإطار استنسخ مبادرة الحكيم واعتمدها كخارطة طريق حسب تصريحاتهم”، مشيرا إلى أن “الحوار السياسي أصبح كسر إرادة وحربا سياسية غير معلنة وانقلاب على الحوار، وأن المدة التي تعطى من قبل الجهات السياسية بعيدة عن الدستور”.
وكان زعيم تيار الحكمة طرح في وقت سابق مبادرة تستند على ضرورة جلوس الجميع إلى طاولة الحوار ومناقشة مختلف الحلول والمعالجات دون شروط أو قيود مسبقة، وتسمية الكتلة البرلمانية الكبرى من قبل المكون الاجتماعي الأكبر وحسم موضوع الرئاسات الثلاث (الجمهورية، والحكومة، والبرلمان) من خلال التفاهمات.
الإشكال في العراق يكمن في أن أي طرف في الأزمة لا يريد التنازل للطرف المقابل والمبادرات التي يجري عرضها تتضمن اشتراطات لا تحظى بإجماع
وتطرقت مبادرة الحكيم إلى أهمية صياغة البرنامج الخدمي والسياسي للحكومة المقبلة وتحديد سقف زمني واقعي لتنفيذه وتحديد معايير اختيار الفريق الوزاري الجديد، حاثة على “توزيع الأدوار، فمن يرغب بالمشاركة في الحكومة ينضم إلى فريق الأغلبية ويلتزم بدعم الحكومة بالبرنامج المتفق عليه ويعلن تحمّل المسؤولية الكاملة عن مشاركته وقراره، ومن لا يرغب في المشاركة يتخذ من مجلس النواب منطلقا لمعارضته البناءة”.
ودعا الحكيم، الذي مني بخسارة انتخابية قاسية لكنه لا يزال مؤثرا سياسيا، ما اعتبره “قوى الأغلبية” إلى “التعهد بتوفير الغطاء الآمن للمعارضة”، حاثا المعارضة في المقابل إلى عدم “تعطيل جلسات البرلمان والحضور الفاعل فيه وفسح المجال أمام الأغلبية لإكمال الاستحقاقات الدستورية”.
وهناك أوجه تشابه كبيرة بين مبادرة الحكيم والمبادرة التي أعلن عنها الإطار قبل أيام لاسيما في علاقة بتولي المكون الاجتماعي الأكبر تزكية الحكومة المقبلة.
ويقول مراقبون إن الإشكال في العراق يكمن في أن أي طرف في الأزمة لا يريد التنازل للطرف المقابل، وأن المبادرات التي يجري عرضها تتضمن اشتراطات لا تحظى بإجماع ما يعني أن فرص تبني أحدها غير وارد.
ويلفت المراقبون إلى أنه على ضوء المشهد الراهن فقد يكون الخيار الوحيد المطروح هو حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات جديدة، لكن حتى هذا الخيار ليس مضمون النتائج وقد يفرز نفس الإشكالية.
صحيفة العرب