أدى نقص التنسيق بين الوحدات العسكرية الروسية في أوكرانيا والمقاومة غير المتوقعة للأوكرانيين، فضلا عن الدعم العسكري الأميركي والأوروبي المقدم لكييف، إلى قيام موسكو بوضع حملات استراتيجية جديدة بخصوص سياستها.
ويرى محللون أن تأكد المعلومات بخصوص سحب روسيا لوحداتها العسكرية ومقاتلي شركة فاغنر الأمنية من بعض مناطق سوريا، مثل إدلب وحماة واللاذقية ومنبج وتل رفعت وعين العرب بريف حلب، يعد محاولة من الكرملين لاستجماع قواه.
وهذه التحركات الاستراتيجية التي تضع النظام السوري في موقف صعب، من شأنها نقل حرب القوى والنفوذ الدائرة في سوريا إلى مراحل جديدة.
وبالإضافة إلى الدول التي تتحرك في المنطقة بالقوات الوكيلة مثل روسيا والولايات المتحدة وإيران، يمكن القول إن إسرائيل أيضا قد أصبحت جزءا من الأزمة في سوريا، بسبب المئات من الهجمات الجوية والبرية التي شنتها على البلاد.
واشنطن وتل أبيب ترغبان في الاستفادة من الفراغ الذي سيخلفه انسحاب روسيا المرتقب من سوريا لمواجهة إيران
وسبق أن أعلنت إسرائيل أنها لن تسمح بـ”تمدد” الوجود الإيراني في سوريا، الذي تعتبره “تهديدا” لأمنها القومي.
ولا ترى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الوجود العسكري في سوريا بشكل مختلف عن الإدارات السابقة، وفي هذا الإطار تقول إدارة البيت الأبيض إن لواشنطن أربع مهمات في سوريا، تتمثل أولا في خفض العنف، وثانيا منع حدوث أزمة إنسانية.
وأما المهمة الثالثة فهي زيادة الضغط على تنظيم داعش الإرهابي بواسطة وجود عسكري دائم في شرق سوريا، وأخيرا دعم إسرائيل ضد الميليشيات المدعومة من إيران.
وترغب الولايات المتحدة في الاستفادة من الفراغ الذي سيخلفه انسحاب روسيا المرتقب من سوريا، وتقول إنها ستقوم بـ”أنشطة تجارية” فقط في شمالي البلاد، ستتركز في مجالي الزراعة والبناء، إلا أن أسماء الشركات والمشاريع التي تعتزم تنفيذها محاطة تماما بجو من السرية.وترغب واشنطن في السيطرة تماما على الشمال السوري بواسطة قواتها الوكيلة، وتعتزم مواصلة وجودها في البلاد من خلال المشاريع التجارية.
وتزداد مخاوف واشنطن من قيام إيران بملء الفراغ الذي سينتج عن انسحاب روسيا المرتقب من سوريا، فكما هو معروف هناك تاريخ طويل للوجود الإيراني في سوريا. كما أن قوات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وأجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، دائما ما تقدم الدعم العسكري واللوجستي والتدريب من أجل حماية سلطة النظام السوري.
وبعد تراجع العمليات الروسية في سوريا بسبب الحرب على أوكرانيا، ازدادت تحركات إيران وزاد تواجدها في البلاد.
وتمكنت الميليشيات الإيرانية من الحصول على مساحات سيطرة جديدة، حيث زادت من وجودها تدريجيا في الحسكة ومحيطها، ويبدو أن التأثير الإيراني في سوريا سيزداد أكثر مع انسحاب روسيا، ولعل الزيارة التي أجراها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى إيران في الثامن من مايو الماضي دليل على ذلك.
لكن وجب التنبيه إلى أن النفوذ الإيراني في سوريا سيتشكل أيضا وفقا لمراكز القوى الأخرى في البلاد، إذ إن إسرائيل أيضا تعد من القوى الهامة التي ستؤثر على استراتيجيات طهران في البلاد، إلى جانب واشنطن.
وترى إسرائيل أن الانسحاب الروسي من سوريا فرصة وتهديد في الوقت نفسه، ففي عام 2018 نفذت مقاتلات إسرائيلية غارة جوية على محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا، ما أدى إلى ضرب طائرة روسية كانت تحلق بالمنطقة من قبل أنظمة الدفاع الجوي لدى النظام السوري، وهو ما تسبب في أزمة كبيرة بين روسيا وإسرائيل، قبل احتوائها.
وصرّح المسؤولون الإسرائيليون مرارا بأنهم لا يردون على الوجود العسكري الإيراني في سوريا بالشكل الكافي، تجنبا لضرب طائرات أو وحدات عسكرية روسية عن طريق الخطأ.
وأدى عدم وجود الوحدات الروسية التي لطالما شاركت عناصر النظام السوري في هجماتها الجوية والبرية بجبهات القتال، إلى راحة نفسية لدى إسرائيل في هجماتها التي تستهدف العناصر الإيرانية.
وفي الثاني عشر والسابع والعشرين من أبريل الماضي، شنت إسرائيل هجمات جوية بالقرب من العاصمة دمشق، أدت إلى مقتل أربعة جنود من قوات النظام السوري، حيث كانت الهجمات تستهدف في الأساس الميليشيات الإيرانية.
وفي مايو الماضي، نفذت إسرائيل هجمات كثيفة على بلدة مصياف غربي حماة، حيث تتواجد الميليشيات الإيرانية، وكان الهدف من الهجمات كسر سيطرة طهران في تلك المنطقة.
ولمّحت تركيا إلى إطلاق عملية عسكرية جديدة تهدف إلى تشكيل منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا (داخل سوريا) لمواجهة الأكراد شمال شرق سوريا، والذين تعتبرهم أنقرة على علاقة بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه إرهابيا.
ولم يتم الإعلان بعدُ عن تفاصيل العملية، إلا أن مثل هذه العملية، إن تمت، ستغير مساحات نفوذ القوى الموجودة في البلاد.
صحيفة العرب