تراجعت مكانة حزب الله في المجتمع اللبناني تراجعًا كبيرًا إذ كشف الحزب من خلال تحالفه مع نظام الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية أنه يعطي الأولوية للمحسوبية على حساب الوطنية، ونتيجةً لذلك بات الكثير من اللبنانيين غير الشيعة يعتبرونه وكيلاً أجنبيًا يخدم المصالح الإيرانية. لكن هذه العثرة ليست الأولى التي ارتكبها “حزب الله” في السنوات الأخيرة.
فبعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري سنة 2005، أعلن الحزب دعمه للنظام السوري في الوقت الذي اتهم فيه العديد من اللبنانيين دمشق بمقتل الحريري. ومع أن سوريا نفت أي دور لها في الاغتيال، انطلقت مظاهرات حاشدة في بيروت مطالبةً بانسحاب الجيش السوري من لبنان، فيما وقف حزب الله وحلفاؤه إلى جانب الأسد. أضف إلى أن حزب الله يرفض التعاون مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تحقق في قضية الاغتيال، أو حتى تسليم العناصر التابعة له التي يشتبه أنها شاركت في العملية. وفي العام 2006، شنّ حزب الله بمفرده حربًا ضد إسرائيل دامت مدة شهر بدون موافقة الحكومة اللبنانية. وفي العام 2008، أقدم مقاتلو الحزب على احتلال بضع مناطق العاصمة اللبنانية بعدما اكتشفت الحكومة نظام المراقبة السري الذي وضعه الحزب في مطار بيروت. لذلك فإن قرار حزب الله بجرّ لبنان إلى حرب أهلية في سوريا المجاورة – ما دعا المقاتلين السنة إلى شن اعتداءات في كافة أنحاء البلاد – ما هو إلا واحد من الحسابات الاستراتيجية الخاطئة التي شوّهت صورة ما يعرف بـالمقاومة الإسلامية في لبنان.
لكن بصيص الأمل لا يزال موجودًا أمام حزب الله. فالمثير للسخرية هو أنه يبدو أن خلاصه يأتي وبغير قصد من أكثر مصدر مستبعد، وهو تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام.” فقد اجتاح هذا تنظيم سوريا والعراق وأنزل الويلات بالأقليات الدينية مغرقًا المنطقة بأسرها في حالة توتر شديد، بما في ذلك لبنان. ونظرًا إلى هشاشة وضع البلد، ها هم اللبنانيون يبحثون مرة أخرى عن منقذٍ وطني، وحزب الله مستعد للاضطلاع بهذا الدور.
والواقع أن هجوم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في بلدة عرسال الحدودية خلال شهر آب/أغسطس الماضي أثبت التهديد الذي يشكله هذا التنظيم. فقد قام التنظيم مع عناصر من جبهة النصرة – وهي الفرع السوري لتنظيم “القاعدة” – باجتياح عرسال بعد أن أوقفت قوات الأمن اللبنانية قائدًا في جبهة النصرة كان قد أعلن مؤخرًا ولاءه لما يدعى بالدولة الإسلامية. وبمساعدة علماء الدين السنة، تمكن الجيش من إعادة إرساء الهدوء، ولكن شهدت العملية على مقتل وأسر عشرات الجنود، فيما آثر حزب الله عدم التدخل في المعارك لأسباب تكتيكية. ولكن حين حاول عناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وجبهة النصرة التسلل في تشرين الأول/أكتوبر إلى شرق لبنان، وقف لهم حزب الله بالمرصاد ونجح وحده في مواجهة المقاتلين بدون مساعدة الجيش وبخسائر أقل.
بالتالي يبدو حزب الله بالنسبة لعدد متزايد من اللبنانيين الحاجز الوحيد بينهم وبين تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام.” وإذ يشعر الحزب بتسنح فرصة لعودته إلى المجتمع اللبناني، يروج في الوقت نفسه لقدرته على التصدي بنجاح لتنظيمي “الدولة الإسلامية في العراق والشام” و”جبهة النصرة” فيما يستغل مخاوف دعم أعداد اللاجئين المتنامية في لبنان لهذه الجماعات. هذا واستفاد حزب الله من تغير النظرة المحلية تجاهه ليعيد إحياء “كتائب المقاومة اللبنانية” التي أسست في العام 1988 لغير الشيعة الراغبين بقتال إسرائيل، وذلك من أجل محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. وتشير بعض التقارير إلى انضمام السنة حتى إلى هذه الكتائب.
كما تصدر حزب الله المشهد اللبناني مجدّداً من خلال هجومه الأخير على القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان. ففي السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فجّر حزب الله قنبلة في مزارع شبعا متسببًا بإصابة جنديين. وفي ما خلا الاعتداءات العرضية التي ينفذها حزب الله ضد إسرائيل من الجانب الآخر من الخط الأزرق، كان الحزب قد تفادى المواجهات المفتوحة مع إسرائيل منذ حرب تموز 2006. غير أن الحزب تبنى علنًا مسؤولية التفجير الأخير وحتى أنه اعترف بانتهاك القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن والذي وضع حدًا لحرب 2006. ولعل الحزب لم يسعَ بهذه الخطوة إلى استفزاز جيش الدفاع الإسرائيلي إنما هدف إلى توجيه رسالة مزدوجة، وهي أن قواته ليست مشتتة بشكل يمنعه من محاربة إسرائيل، وأنه استعاد مكانته وشرعيته في لبنان. وفيما ينتقد بعض السياسيين اللبنانيين حزب الله على المخاطرة باندلاع مواجهة محتدمة مع جيش الدفاع الإسرائيلي، قد يكون الحزب أكثر تماشيًا مع شعور الشارع اللبناني. فكلما تنامى خطر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام،” سيتنامى معه تأييد حزب الله. ونظرًا لقلة الدعم الذي يتلقاه التنظيم من اللبنانيين بكافة مذاهبهم، ليس مستغربًا أن يرى اللبنانيون غير الشيعة بشكل متزايد أن حزب الله هو أهون الشرين – هذا إن كان شرًا على الإطلاق – فيمنحوه حرية أكبر في الداخل والخارج.
وجدير بالذكر أن حزب الله منظمة تتمتع بقدرة تأقلم عالية، وإذا تصرفت بطريقة استراتيجية قد تتمكن مرة أخرى من الظهور بحلة المنقذ للبنان. ولكن من الخطأ أن نظن أن الميليشيا الشيعية لم تتعلم من تجاربها على مدى الأعوام الأربعة عشرة الماضية. فحين يتراجع تهديد تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام،” من المحتمل أن يختار حزب الله مرة أخرى مقاربة أكثر توافقية مع المجتمع اللبناني من أجل الحفاظ على الدعم الشعبي له. ولكن لا يجوز اعتبار هذا التحول التكتيكي بمثابة تغيير فعلي في الإيديولوجية ذلك أن حزب الله كان ولا يزال حزب إيران، لا حزب لبنان.
ديفيد داوود:منتدى فكرة
http://goo.gl/4LhdFv
كلمات مفتاحية : التطرف, داعش, سوريا،لبنان.