موسكو/القدس – لم يخف الكرملين مخاوفه من أن يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى السعودية لتأليبها على روسيا والتأثير على التحالف بينهما في أوبك+. يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه بايدن في أول محطة لجولته الإقليمية عزمه على دعم عملية اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط دعما قويا.
وقال الكرملين الأربعاء إنه يأمل في عدم استغلال زيارة بايدن إلى السعودية في محاولة تشجيع العلاقات المناهضة لروسيا مثلما تسعى الولايات المتحدة لإقناع الرياض بزيادة إنتاج النفط وسط ارتفاع الأسعار.
ولم تخف روسيا انزعاجها من هذه الزيارة، وليس مصادفة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيحضر قمة ثلاثية الثلاثاء المقبل في طهران تجمعه بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطوة قال مراقبون إنها توجه رسالة مفادها استعداد موسكو للرد على تشكيل التحالف الجديد في الشرق الأوسط بتحالف مضاد له.
ويرى مراقبون أن روسيا استفادت من تحالفها الوثيق مع السعودية في أوبك+ الذي مكن من الحفاظ على أسعار مرتفعة وفرت لها عائدات ساعدتها على خوض الحرب في أوكرانيا بأريحيّة، مشيرين إلى أن موسكو وجدت في صلابة الموقف السعودي الرافض لزيادة الإمدادات بالرغم من الضغوط الأميركية عنصرا داعما لصراعها مع الغرب في العديد من الملفات.
روسيا استفادت من تحالفها الوثيق مع السعودية في أوبك+ ما مكن من عائدات ساعدتها على خوض الحرب في أوكرانيا
وقال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين “إن روسيا، ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم بعد السعودية وأكبر مصدر للغاز الطبيعي، تثمن عاليا التعاون مع السعودية في إطار عمل مجموعة أوبك+ التي تضم كبار منتجي النفط في العالم”.
وأضاف في اتصال يومي مع الصحافيين “نعمل داخل إطار اتفاقات أوبك+ ونقدر بشدة العمل الذي تمكنا من القيام به مع شركائنا ومنهم شركاء رئيسيون مثل السعودية”.
وتابع “نثمن عاليًا علاقاتنا وتعاملاتنا مع الرياض ونأمل بالتأكيد ألا يُوجَّه بناءُ العلاقات وتطويرها بين الرياض وعواصم عالمية أخرى ضدّنا بأي شكل من الأشكال”.
وتأتي تصريحات بيسكوف بعد أيام قليلة من تصريحات أدلى بها جيك سوليفان مستشار البيت الأبيض للأمن القومي الاثنين وقال فيها “إن بايدن سيدعم قضية زيادة إنتاج النفط من قبل دول أوبك لخفض أسعار البنزين عندما يجتمع مع الزعماء الخليجيين في السعودية هذا الأسبوع”.
واستبعد المراقبون أن يترتب على زيارة بايدن إلى السعودية تغيير نوعي في مقاربة الرياض لموضوع النفط، معتبرين أن أي استجابة سعودية لمطالب الأميركيين لن يكون لها تأثير كبير على تمساك أوبك+ وفلسفتها في إدارة أزمة النفط العالمية بالتوافق مع مختلف أعضائها الفاعلين.
ويشير هؤلاء إلى أن الحملة الإعلامية الأميركية المصاحبة للزيارة ومطالب بايدن المعلنة من السعوديين هما شكل من أشكال الضغط الأميركي المعهود، وأن المملكة صارت لديها أجندات خاصة تقدر من خلالها على قياس مطالب الآخرين وحدود الاستجابة لها.
وتمثل صادرات النفط والغاز -التي تشكل حصة كبيرة من الإيرادات في موازنة الدولة الروسية- حجر الزاوية في رد روسيا على العقوبات التي فرضها عليها الغرب بسبب الحرب التي شنتها على أوكرانيا.
والجمعة حذر الرئيس الروسيُّ الغربَ من أن استمرار العقوبات المفروضة على روسيا بسبب هذه الحرب يهدد برفع أسعار الطاقة بشكل كارثي يطال المستهلكين في مختلف أرجاء العالم.
وبالتوازي مع موضوع النفط الذي سيكون أحد محاور جولته الإقليمية، يركز بايدن على إعطاء دفع لعملية “اندماج” إسرائيل في المنطقة كأحد أولوياته، وهو ما أشار إليه الأربعاء في أول تصريح له بعد وصوله إلى إسرائيل.
وسيلتقي بايدن (79 عاما) مسؤولين إسرائيليين، ثم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمعة، قبل أن يتوجه إلى السعودية.
وكان في انتظار الرئيس الأميركي في مطار بن غوريون قرب تل أبيب نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء يائير لبيد. وتعهد الرئيس الأميركي في تصريحات بعد استقباله بـ”إعطاء دفع لعملية اندماج إسرائيل” في الشرق الأوسط.
وطبّعت إسرائيل خلال السنتين الأخيرتين علاقاتها مع أربع دول عربية جديدة هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. ومع زيارة بايدن الذي سيستقل أول رحلة جوية مباشرة من إسرائيل إلى السعودية ازدادت التكهنات بحصول تقارب بين إسرائيل والرياض.
إسرائيل ستبذل كل ما في وسعها لكبح طموحات إيران النووية، كما تعارض بشدة العودة إلى اتفاق 2015
كما تعهد بايدن بأن بلاده وإسرائيل “ستعززان علاقتهما على نحو أكبر”، في إشارة إلى شراكة تتعلق “بأنظمة الدفاع الأكثر تطورا”.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي من جهته إن البلدين سيبحثان إعادة بناء “تحالف عالمي قوي” ضد إيران. وأضاف “سنناقش الحاجة إلى إعادة بناء تحالف عالمي قوي يقف في وجه البرنامج النووي الإيراني”.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي لبيد -الذي تولى مهامه قبل أقل من أسبوعين ويستعد لانتخابات جديدة هذا العام- قال قبل أيام إن المحادثات “ستتركز أولا وقبل كل شيء على إيران”.
وقبيل وصول بايدن صرح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأن زيارة الرئيس الأميركي لن تحقق “الأمن” لإسرائيل.
وقال رئيسي “إذا كانت زيارات المسؤولين الأميركيين إلى دول المنطقة تهدف إلى تعزيز موقع النظام الصهيوني وتطبيع علاقات هذا النظام مع بعض الدول، فهذه الجهود لن تحقق الأمن للصهاينة بأي طريقة كانت”.
ويتوقع أن تتطرق الزيارة إلى نظام دفاعي جديد تعمل إسرائيل على تطويره ويستخدم تقنيات الليزر من أجل مواجهة الطائرات المسيرة. ويعتبر المسؤولون الإسرائيليون هذا الجهاز أساسيا في مواجهة ترسانة إيران من تلك الطائرات.
وتؤكد إسرائيل أنها ستبذل كل ما في وسعها لكبح طموحات إيران النووية، كما تعارض بشدة العودة إلى اتفاق 2015 الذي ينصّ على تخفيف العقوبات عن إيران مقابل الحد من برنامجها النووي، والذي انسحبت منه واشنطن خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ما دفع طهران إلى استئناف أنشطتها بشكل أوسع.
العرب