إسرائيل تستخدم مدفعيتها الثقيلة لضرب الاتفاق النووي… فهل تنجح؟

إسرائيل تستخدم مدفعيتها الثقيلة لضرب الاتفاق النووي… فهل تنجح؟

أزمة مكتومة في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، تهدد بانفجار خلاف دبلوماسي عميق بين الطرفين. لبيد يحاول الاقتراب من بايدن، والبيت الأبيض لا يرد. الدبلوماسية الإسرائيلية تخاصم الوزير الأمريكي أنطوني بلينكن. وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يتوارى عن الأنظار، ومهمة بيني غانتس وإيال حولاتا في واشنطن تمنى بالفشل.
المشهد الحالي في العلاقات بين الدولتين يعيد إلى الأذهان صورة الخلاف الحاد بين نتنياهو وأوباما، قبيل توقيع الاتفاق النووي عام 2015. وبعد لقاء صاخب بين لبيد ورئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ديفيد بارنيه، الذي اتهمه الأول بـ»الخروج على النص» بسبب تعليق انتقد فيه الموقف الأمريكي، وافق لبيد على إرسال بارنيه إلى واشنطن لتعبئة الكونغرس الأمريكي وجماعات الضغط الصهيونية ضد الاتفاق. شبح نتنياهو يطارد لبيد في الانتخابات العامة المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو يريد البرهنة للرأي العام الإسرائيلي أنه ليس نتنياهو الذي فشل عام 2015، وأنه يستطيع إسقاط محاولة إحياء الاتفاق، قبل أن تعود إليه الحياة وينهض. وبينما بايدن يقاتل معركة شرسة لإنقاذ أغلبية الديمقراطيين الهشة في الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، فإن كل طلقة مدفع ضد سياسته قد تكلفه خسارة هذه الأغلبية الهشة، وربما خسارة الانتخابات الرئاسية المقبلة، مثلما حدث للرئيس الأمريكي الأسبق الجمهوري جورج بوش الأب عام 1992 في خلافه مع إسحق شامير. فرص إحياء الاتفاق النووي في مفترق طرق، ليس للتشدد الإيراني، ولكن لأن إسرائيل قررت أن تخوض معركتها الأخيرة ضده، ولأن الصيغة المقترحة تضع فرص نجاحه تحت رحمة نتائج انتخابات الكونغرس. المفاوضات التي قد تستغرق 23 أسبوعا على الأقل، في ظروف سياسية مضطربة، تجعل فرص فشل الاتفاق أكبر من فرص نجاحه.

فرص إحياء الاتفاق النووي في مفترق طرق، ليس للتشدد الإيراني، ولكن لأن إسرائيل قررت أن تخوض معركتها الأخيرة ضده

المشهد في واشنطن

حتى وقت كتابة هذه السطور، لم يرد البيت الأبيض على طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد إجراء محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي، ولا تحديد موعد للقاء مباشر معه على هامش اجتماعات الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وطبقا لتقارير إسرائيلية، فإن لبيد لا يتحدث حاليا مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، ويسعى لإقناع بايدن بالعدول عن إحياء الاتفاق النووي، أو تعديل اتفاق 2015 لكي يتضمن قيودا على برامج إيران للتصنيع العسكري مثل، الصواريخ والطائرات المسيرة، وكذلك على أنشطة إيران الإقليمية مع حلفائها في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن. وكان يائير لبيد قد طلب من بايدن خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل في منتصف يوليو الماضي، بأن تتبنى واشنطن «بديلا عسكريا» يتصف بالقوة والمصداقية للرد على إيران في حال فشل المفاوضات. وعلى الرغم من أن زيارة كل من وزير الدفاع بيني غانتس ومستشار الأمن القومي إيال حولاتا إلى واشنطن جاءت قبل تقديم الرد الأمريكي على المطالب الإيرانية، فإن موقف الولايات المتحدة ما يزال حتى الآن هو الالتزام بمواصلة المفاوضات، وتفضيل الحل الدبلوماسي. وعلى الرغم من أن طلب إجراء مكالمة بين لبيد وبايدن كان أحد الموضوعات الرئيسية في اجتماعات غانتس وحولاتا مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان نهاية الأسبوع الماضي، فإن واشنطن تجاهلت الطلب.
وفي فلوريدا ناقش غانتس مع الجنرال مايكل كورييلا قائد القيادة الوسطى الأمريكية خطة احتياطية للتعاون العسكري ضد إيران، في حال فشل الاتفاق، وضمان عدم امتلاك إيران لأسلحة نووية، من خلال استخدام تسهيلات ومرافق وأسلحة وقوات منظومة القيادة الوسطى، التي يغطي مسرح عملياتها مناطق الشرق الأوسط الكبير، وآسيا الوسطى، وشمال المحيط الهندي، وتضم إسرائيل في هيكل قيادتها منذ العام الماضي.

الموساد يدخل على الخط

بسبب شعور إسرائيل بأن إيران تقترب من صفقة مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الرئيسية لإحياء الاتفاق النووي، فإن العلاقات بين تل أبيب وواشنطن وصلت إلى حالة «أزمة مكتومة»، وصلت إلى قطع الاتصالات تقريبا مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن. وصدرت عن رئيس جهاز الموساد ديفيد بارنيه تصريحات شديدة ضد الولايات المتحدة «تخرج عن حدود النص المتفق عليه»، حسبما قال رئيس الوزراء يائير لبيد، الذي استدعى بارنيه وطلب منه إصدار «توضيح» لتصريحاته. وقد نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن رئيس الموساد قوله إن إحياء الاتفاق بالشروط الواردة من واشنطن «يلبي مصالح كل من الولايات المتحدة وإيران، وإنه قائم على أكاذيب، وسيئ جدا بالنسبة لإسرائيل»، وذلك على العكس مما قاله لبيد قبل ذلك بيومين من أن التحفظات التي أبدتها إسرائيل على الاتفاق وجدت صداها في الرد الأمريكي الذي تلقته طهران. لكن لبيد بعد لقائه مع بارنيه تبنى موقفا نقيضا، أساسه أن أي اتفاق مع إيران غير مصحوب بـ»تهديد عسكري ذي مصداقية، هو اتفاق سيئ جدا بالنسبة لإسرائيل». وبدلا من أن يقوم بارنيه بـ»توضيح» تصريحاته التي نقلتها وسائل الإعلام، فإنه حصل على موافقة بالسفر إلى واشنطن لمقابلة قيادات الكونغرس الأمريكي، والإشراف على حملة تعبئة إسرائيلية ضد الاتفاق.

المشهد الأوروبي

طبقا لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة للجزائر، فإن الوثيقة الأوروبية لشروط إحياء الاتفاق النووي لا تتضمن برنامج إيران لإنتاج الصواريخ، أو نفوذها الإقليمي، أو أنشطتها مع حلفائها الإقليميين «لزعزعة الاستقرار في المنطقة». ومع ذلك فإنها في رأيه الصيغة الأفضل من خيار «موت الاتفاق». تصريح ماكرون في الجزائر كان على ما يبدو رسالة علنية موجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قال لماكرون في مكالمة هاتفية في الأسبوع الماضي إن إسرائيل تعارض العودة إلى الاتفاق. ومن المعروف أن الجزائر تربطها علاقات قوية بإيران. ماكرون وجّه أيضا من الجزائر رسالة علنية إلى طهران، قال فيها إن فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي ستعمل على ألا يخضع نشاط الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضغوط سياسية، مشيرا في ذلك بشكل غير مباشر إلى الاتهامات الإسرائيلية ضد إيران، التي تبنتها الوكالة وتريد فتح تحقيق فيها. رسائل ماكرون من الجزائر، وتصريحات جوزيب بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وكذلك موقف كل من روسيا والصين، يضع الولايات المتحدة أمام خيارات محدودة، بين رغبة القوى العالمية في إحياء الاتفاق، ومحاولة إسرائيل إجهاضه.

المشهد في طهران

يواصل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني دراسة الردود المقدمة من الولايات المتحدة بشأن المقترحات الأوروبية والملاحظات الإيرانية للعودة إلى الاتفاق النووي. وأوضحت رسالة صادرة عن المجلس أن دراسة الرد الأمريكي «تتم حالياعلى مستوى الخبراء، ومن المرجح أن تكتمل نهاية الأسبوع الحالي». وطبقا لقواعد عملية اتخاذ القرار في طهران، فإن نتائج اجتماعات الخبراء، بخصوص المفاوضات النووية، يتم عرضها بعد ذلك للمناقشة في اجتماع سياسي على مستوى عال، يضم رئيس مجلس الأمن القومي، ووزير الخارجية، ومدير وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، ورئيس وفد المفاوضات، ورؤساء اللجان المعنية في مجلس الشورى الإيراني، إضافة إلى عدد من الشخصيات الأخرى. وبعد انتهاء المناقشة التي قد تمتد لأكثر من يوم، يتم عرض التوصيات النهائية على كل من رئيس الجمهورية والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، ويكون للمرشد القرار النهائي. وبعد ذلك تتم صياغة القرار، وإرساله إلى الطرف الآخر. المعلومات بشأن الموقف الإيراني تشير إلى قدر كبير من المرونة والجدية في السعي إلى استئناف المفاوضات في أيام وليس أسابيع. وقد أعلنت طهران استعدادها للقبول بالعودة إلى الاتفاق بثلاثة شروط: الأول هو رفع العقوبات بالكامل، والثاني هو وضع نظام لمراقبة وتدقيق مدى التزام الولايات المتحدة برفع العقوبات، والثالث هو عدم إضافة أي التزامات على ايران زيادة على ما جاء في الاتفاق النووي الأصلي.
ونظرا لأن صاحب الاقتراح الأوروبي هو جوزيب بوريل، ولأن الولايات المتحدة تشارك في مفاوضات فيينا بشكل غير مباشر، فإن الرد الإيراني سيتم إبلاغه إلى بوريل في بروكسل. وبعد تقييم الرد بمشاركة واشنطن، وإذا كانت المؤشرات إيجابية، فإن الاتحاد الأوروبي سيوجه الدعوة لرؤساء وفود مفاوضات فيينا لاستئناف عملهم. هذه المفاوضات ستركز أولا على «إجراءات بناء الثقة». وطبقا لما تسرب عن خريطة الطريق الأوروبية، فإنها ستستمر لمدة 165 يوما على أربع مراحل، قبل إصدار إعلان نهائي بعودة الولايات المتحدة للاتفاق، وإبلاغ مجلس الأمن بذلك. هذا يعني أن المفاوضات ستتقاطع مع الانتخابات العامة في إسرائيل، وانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، وهو ما يضعها تحت مقصلة المزايدات الانتخابية، ثم تحت رحمة نتائج انتخابات الكونغرس، التي قد يخسرها الديمقراطيون.

القدس العربي