تعمل الصين على جعل عملتها المحلية (اليوان) رقمية بهدف كسر احتكار الدولار الأميركي لسوق العملات العالمية، ولتحقيق ذلك تسعى بكين إلى إنشاء نظام مدفوعات يتيح لليوان التمتع بنفوذ أكبر في الخارج، من دون المساس بالضوابط المفروضة على رؤوس الأموال الصينية في الداخل.
وتعزو مجلة “إيكونوميست” (The Economist) البريطانية، في تقريرها، إقدام بكين على هذه الخطوة إلى خوف مسؤوليها من أن تفرض واشنطن وحلفاؤها عقوبات صارمة عليها إذا أقدمت هي على غزو تايوان، مثلما فعلوا مع روسيا إثر عدوانها على أوكرانيا.
ويعتقد العديد من المسؤولين الصينيين أن من الخطأ اعتماد بلادهم -التي تعد أكبر مُصدر للسلع ودائن رسمي في العالم- على أكبر مستورد ومقترض في العالم، في إشارة إلى الولايات المتحدة، غير أن ما يعيق تقدم بكين في هذا المجال تدفقات رؤوس الأموال غير الخاضعة للمراقبة.
يمكن لأكثر من 260 مليون فرد و4.5 ملايين متجر الآن التعامل مع اليوان الرقمي، وفقا لبنك الشعب الصيني المركزي.
غايات اليوان الرقمي
وترى المجلة البريطانية أن القيود التي تفرضها الصين على حركة الأموال لمنع المضاربة تجعل من الصعب على العالم تبنّي اليوان.
وتضيف أن قلة من المصرفيين الصينيين يعتقدون أن اليوان سيحل قريبا محل الدولار ويكون عملة مفضلة في العالم، لكن ذلك ليس الغاية الوحيدة التي تسعى بكين لتحقيقها، فهناك أهداف أخرى “أكثر جدوى وأشد إلحاحا”، وفق تعبير المجلة.
ويطمح الفنيون في الصين، على وجه الخصوص، إلى بناء نظام مدفوعات يسهل على شركائها التجاريين استخدامه، ويصعب على أميركا حظره.
وفي سبيل ذلك، ظلت الصين منذ مايو/أيار 2020 تعكف على تجربة نسخة رقمية من اليوان أُطلق عليها اسم “إي-سي إن واي” (e-cny)، أو اليوان الرقمي.
وبإمكان سكان 23 منطقة تجريبية في 15 مقاطعة صينية تنزيل “محافظ إلكترونية” على هواتفهم، وتتولى البنوك أو منصات الدفع الشهيرة -مثل “أليباي” (Alipay)- توفير المحافظ، وفق تقرير “إيكونوميست”.
لكن العملة المحلية التي تحتويها تلك المحافظ تمثل مطالبة على البنك المركزي نفسه، ويمكن لأكثر من 260 مليون فرد و4.5 ملايين متجر الآن التعامل مع اليوان الرقمي، وفقا لبنك الشعب الصيني المركزي.
هل يكسر هيمنة الدولار؟
يعتقد سون ليجيان من جامعة فودان في شنغهاي أن اليوان الرقمي قد يساعد في كسر حالة احتكار الدولار، ويمكن استخدامه لتمويل المشاريع المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، وهو برنامج قام على أنقاض طريق الحرير في القرن الـ19 من أجل ربط الصين بالعالم، ليكون بذلك أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.
ويمكن للعملة الرقمية الجديدة (e-cny) أن تساعد في تداول اليوان بطرق متعددة، فقد تتيح للأجانب إجراء مدفوعاتهم عبر الحدود على نحو “أسهل وأرخص”، بحيث يصعب على الولايات المتحدة منع هذه المعاملات لأغراض جيوسياسية.
وهذا من شأنه أن يزيد من جاذبية اليوان، حتى لو بقيت الضوابط المفروضة على رؤوس الأموال الصينية سارية، كما يمكن لليوان الرقمي أن يُغيّر طريقة عمل تلك الضوابط عبر برمجتها في العملة نفسها.
وفي اعتقاد البعض أن المنظمين الصينيين سوف ينشئون منطقة مالية خاصة حيث يمكن للمستخدمين في الخارج التقدم بطلب للحصول على محافظ إلكترونية، وفي هذه الحالة ستدعى البنوك وشركات الخدمات المالية الأخرى لإنشاء أعمال “اعرف عميلك” (know-your-customer)، في فحص المتقدمين، وقد يُسمح للمستخدمين الأجانب في النهاية بالقيام بذلك عن بُعد من خلال البنوك الصينية في بلدانهم الأصلية.
وتمضي المجلة في تقريرها إلى القول إن عدم قدرة أميركا على مراقبة نشاط اليوان الرقمي من كثب، مثلما تراقب المدفوعات بالدولار، قد يجعل بعض المعاملات تتم من دون أن تلاحظها.
لكن إذا أصبح البريد الإلكتروني “المستغلق” يشكل تهديدا كبيرا على نظام العقوبات الأميركي، فسيكون بمقدور واشنطن نظريا أن تحظر استخدامه على أي مؤسسة تريد الاحتفاظ بإمكانية الوصول إلى نظام المقاصة الأميركي.
بعض الخبراء الصينيين يعتقدون أن اليوان الرقمي قد يساعد في كسر حالة احتكار الدولار (غيتي)
وهذا سيجبر العالم على الاختيار بين الدولار واليوان الرقمي، حسب تعبير المجلة التي تزعم أن إطلاق العملة الرقمية المحلية لن يجلب سوى بعض الارتياح للفنيين الصينيين الذين يخشون من اندلاع صراع وشيك مع أميركا.
لكن على المدى البعيد، ستصبح العملة الرقمية أكثر أهمية، وقد تساعد اليوان في نهاية المطاف على التمدد لتغطي العالم من دون أن يتخلى عن مساره، كما تشير “إيكونوميست” في ختام تقريرها.
قبل أيام، أضافت روسيا والصين خطوة جديدة نحو إزالة الدولار الأميركي من مدفوعات التجارة البينية للبلدين.
فقد قالت شركة “غازبروم” الروسية إنها وقعت اتفاقا لبدء تحويل مدفوعات إمدادات الغاز لبكين إلى اليوان والروبل بدلا من الدولار.
وسهلت الصين وروسيا تداول زوج العملات في أسواقهما منذ سنوات، عندما كان كلاهما يسعى لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي.
وبدأت بورصة “Micex” في موسكو تداول اليوان مقابل الروبل في عام 2010، وهو العام نفسه الذي سمحت فيه الصين للزوجين بالتداول في الداخل.
وانخفضت حصة الدولار في الصادرات الروسية إلى الصين إلى نحو 40% الآن مما يقرب من 100% في عام 2013.
وبينما لا تتوفر معلومات دقيقة عن حصة الدولار واليورو في مدفوعات التجارة الروسية، فإن خبراء في “بلومبيرغ” يقدرون النسبة بـ80%، وفق تقرير لوكالة الأناضول.
الصين اليوم، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية، تمثل 13.5% من الصادرات العالمية و11.4% من الواردات العالمية، لكن اليوان يمثل 1.7% فقط من التسويات الدولية في 2021.
المصدر : إيكونوميست + وكالة الأناضول