واصلت العملية السياسية في العراق طريقها المتأزم بعد كل عملية انتخابية، إلا أنها تميزت هذه المرة بالانسداد والتجاوز على المدد الدستورية، وتواصل الكتل السياسية صراعاتها حول آلية تشكيل الحكومة منذ إجراء الانتخابات في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.
تعديل مواد الدستور
ودعا رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان في 10 سبتمبر (أيلول) الحالي إلى تعديل مواد في الدستور “تسببت” بحالة الانسداد السياسي التي يعيشها العراق منذ الانتخابات التشريعية.
وقال زيدان في تصريحات صحافية إن “الخروقات الدستورية أو الأفعال غير المقبولة اجتماعياً وأخلاقياً لا يمكن للقاضي مساءلة مرتكبها، سواء كانت مؤسسات أو أفراداً إلا بوجود نص صريح يعاقب عليها على وفق الشروط القانونية”.
وأضاف أن “دعوى طلب حل مجلس النواب على رغم أن القضاء يتفق مع المدعي في تلك الدعوى واقعياً بوجود خروقات دستورية مرتكبة من قبل مجلس النواب وشخص تلك الخروقات بشكل واضح إلا أن القضاء الدستوري رد الدعوى بطلب حل مجلس النواب لأن جزاء هذا الخرق (حل المجلس) أوكلته المادة (64) من الدستور إلى مجلس النواب نفسه”.
وأوضح رئيس السلطة القضائية أن البرلمان “يحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه إما بناءً على طلب من ثلث أعضائه أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”.
وزاد بأن “اختصاصات المحكمة الاتحادية محددة دستورياً بموجب المادة (93)، ولا يوجد بينها صلاحية حل مجلس النواب”.
ورأى زيدان “توجب إعادة النظر بصياغة مواد الدستور المعرقلة لتشكيل السلطات الدستورية، والتي سببت حالة الانسداد السياسي وما رافقها من أحداث مؤسفة بأن يتم النص على جزاء مخالفة أي نص دستوري بنفس النص بصياغة واضحة غير قابلة للاجتهاد أو التأويل”.
مقومات أساسية
في المقابل أكد المتخصص القانوني علي التميمي أن النظام البرلماني يحتاج إلى مقومات أساسية ومهمة من أجل نجاحه وفي مقدمتها التطور الاقتصادي والرفاه المجتمعي، إذ إنه قد طبق ونجح في بريطانيا أولاً وبعدها الدول الاسكندنافية، ولكن عندما تم وضعه في بلد مثل العراق قيل إنه سيؤدي إلى الحرب الطائفية والفتن، وهذا ما حصل فعلياً.
وأشار التميمي في تصريح صحافي إلى أن “الدستور العراقي قد جاء بمبادئ إيجابية تنسجم مع مبادئ النظام البرلماني، ولكنه لا يصلح في العراق ويحتاج إلى أن يكون أول التعديلات التي تجرى على الدستور هي شكل النظام السياسي ليكون إما رئاسياً وإما شبه رئاسي”.
ولفت إلى أن “النظام شبه الرئاسي هو الأصلح والأنجح للعراق في المرحلة الحالية كما هو شكل النظام الحالي في فرنسا، إذ إن النظام البرلماني في العراق قد أوجد ديكتاتوريات متعددة للأحزاب، وهذا هو الأخطر”.
الكتلة الأكبر
لكن المتخصص القانوني ضياء الدين البديري أشار إلى أن الكتلة النيابية الأكبر هي سبب المشكلات ويمكن تعديلها من دون تعديل الدستور، وبإمكان البرلمان تعديل قانونه والإشارة إلى هذه الفقرة إشارة صريحة بأن تصبح الكتلة الأكثر عدداً هي الكتلة الفائزة من حيث عدد نوابها، من دون اللجوء إلى تعديل الدستور، وهو صعب أيضاً، لأن الدستور العراقي من الدساتير الجامدة والجافة جداً، ولا يمكن تعديله خصوصاً مع نظام المحاصصة.
وأكد المتخصص القانوني حيـدر الصوفي أن التعديل الدستوري يشترط أن تكون هناك لجنة تعرض التعديلات على البرلمان، وهو بدوره يجب أن يوافق عليها بالثلثين، ثم تعرض على الشعب للاستفتاء.
وأوضح الصوفي أن الدستور الحالي يشترط مــن أجل الموافقة على التعديلات ألا ترفضه ثلاث محافظات، أي من الممكن إجراء تعديلات علــى الدستور بسهولة، ولكــن يجب ألا تعترض المحافظات على هذه التعديلات.
التزام مواد الدستور
من جهته يعتقد الباحث السياسي صالح لفتة أن “الطريق الأسلم والأفضل والعادل لإصلاح العملية السياسية هو التزام مواد الدستور وفقراته وعدم تجاوز الدستور لأي سبب وحل المشكلات بحسب القانون، وما وصلنا إلى هذه الحال من الانسداد السياسي والفساد والتخبط بالقرارات إلا بسبب التجاوز على الدستور وعدم احترام القانون وترحيل المشكلات لإرضاء بعض الأطراف، فلو تم التزام الدستور لتفسير الكتلة الأكبر لما تأخر تشكيل الحكومة لأي دورة انتخابية، ولو تمت محاسبة المفسدين واللصوص لما تصدر العراق قائمة الدول الأكثر فساداً”.
وأضاف “لكن هناك مشكلة وهي أن هناك فقرات بالدستور العراقي تحتمل أكثر من تفسير وحمالة أوجه، فلو رضي طرف بتفسير تلك المادة ستعتبر أطراف أخرى نفسها أنها ظلمت بذلك التفسير كما حدث في انتخابات 2010 وتفسير المحكمة الاتحادية للكتلة الأكبر واعتبار القائمة العراقية الفائزة بالعدد الأكبر من المقاعد البرلمانية أنها ظلمت وسرق حقها. نحتاج إلى تفسير واضح لتلك المواد من دون اللجوء إلى المحكمة الاتحادية وتأخير الاستحقاقات الدستورية في كل دورة انتخابية وتعديل المواد التي تسبب مشكلات أو تم ترحيلها لسنوات عدة”.
اندبندت عربي