يشكو سكان العاصمة العراقية بغداد، أخيراً، من الجلسات البرلمانية التي تحوّلت إلى مصدر إرهاق وإزعاج بالنسبة لهم، جرّاء الإنذارات الأمنية، وقطع الطرق والجسور والشوارع الرئيسة والمهمة في المدينة، فضلاً عن الانتشار الأمني لعناصر الجيش والشرطة، وحتى عناصر تنتمي للفصائل المسلحة التي تشترك على خط تأمين المنطقة الخضراء وسط بغداد، والتي يقع فيها مبنى مجلس النواب.
وخلال الشهرين الماضيين، وجرّاء التوتر بين “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، و”الإطار التنسيقي” الذي يضم الأحزاب القريبة من إيران، باتت أحياء مركز بغداد شبه معزولة عن بقية الأحياء؛ بسبب الاستعدادات الأمنية لحماية مبنى البرلمان.
وقبل أكثر من أسبوعين، أقرّ رئيس البرلمان محمد الحلبوسيبتحمّل سكان العاصمة انعكاسات سلبية خلال عقد جلسات البرلمان، والإجراءات المتخذة من قبل قوات الأمن لتأمينها، ومنها قطع الطرق والجسور، لكن الإجراءات الأمنية المتخذة ما زالت ذاتها مع كل جلسة يتم عقدها.
وأكثر الأحياء المتضررة من التشديد الأمني، هي أحياء: كرادة مريم، والصالحية، والعلاوي، والصدرية القادسية، والجادرية، والكرادة داخل، وهي القريبة من المنطقة الخضراء، وتتوفر فيها البوابات التي تؤدي إلى مبنى مجلس النواب.
وتسببت هذه الإجراءات بشلل حياة سكان هذه الأحياء، حتى إنهم باتوا يخشون من وقوع أي اشتباكات مسلحة بين المليشيات المرتبطة بالأحزاب، لا سيما أنّ الفترة الماضية شهدت اشتباكاً بين مسلحي جماعة “سرايا السلام” التابعة لـ”التيار الصدري” من جهة، وفصائل أخرى تتبنى موقفاً سياسياً مؤيداً لـ”الإطار التنسيقي” من جهة ثانية، وأدت إلى مقتل نحو 40 شخصاً من كل الأطراف المشتبكة.
وقال أبو عبدالله الصائغ (51 عاماً)، وهو من أهالي حي الصالحية، اليوم الجمعة، لـ”العربي الجديد”، إنّ “جلسات البرلمان تحوّلت إلى مصدر قلق أمني ووجودي بالنسبة لنا، لأنّ قبل كل جلسة تقدم قوات الأمن على إغلاق الشوارع والجسور وحتى الأزقة ومداخل الأحياء القريبة من المنطقة الخضراء، ما يؤدي إلى عزلنا بشكلٍ شبه كامل عن التواصل مع الأحياء الأخرى”.
وأضاف أنّ “العملية السياسية الميتة في العراق، صارت تريد أن تميت العراقيين معها، والخلافات السياسية والاشتباكات المسلحة تحوّلت إلى أداة لتصفية حياة العراقيين وتواصلهم مع محيطهم الاجتماعي، لذلك نحن نشعر بالنقمة مما يحدث”.
من جهته، بيَّن عضو “نازل آخذ حقي” المدنية، حسين الكعبي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “النظام الحاكم بات يأكل نفسه، ويريد أن يأكل العراقيين معه، وإلا كيف يمكن لجلسة برلمان أن تدفع باتجاه إعلان إنذار أمني من الفئة “ج”، وهو أكثر أنواع الإنذارات الأمنية خطورة. هذا التدهور في التفاهم السياسي يجعل البرلمان العراقي بلا شرعية شعبية، بل يمهد إلى حالة النظام المارق”.
وتابع الكعبي أنّ “المشاكل الأمنية التي تسببها القوى السياسية، دليل كاف على أنّ النظام بالكامل يستخدم السلاح ضد المشاركين في تشكيله، وبوجه العراقيين المتضررين من كل ما يحدث”.
وشهدت بغداد، الأسبوع الماضي، خلال جلسة اختيار رئيس الجمهورية وتكليف رئيس جديد للحكومة، قصفاً بتسعة صواريخ كاتيوشا استهدفت المنطقة الخضراء، حيث أصدرت قيادات في “التيار الصدري”، بيانات وتصريحات نددت بتلك الهجمات ونأت بنفسها عنها، لكنها هاجمت في الوقت ذاته، مساعي تحالف “الإطار التنسيقي”، لتشكيل الحكومة التي وصفها بـ”ائتلافية مليشياوية مجربة”، فيما جدد رفضه القاطع المشاركة فيها، متحدثاً عن مساع لإرضاء التيار من خلال منحه مناصب في تلك الحكومة.
من جهته، أشار النائب المستقل هادي السلامي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ “جلسات مجلس النواب باتت مهددة بفعل الخلافات السياسية، ورغم أنّ التيار الصدري تبرّأ من حالات استهداف المنطقة الخضراء بالصواريخ، لكن هذا لا يعني عدم حدوث أي خروقات أمنية”، معتبراً أنّ إجراءات تأمين جلسات مجلس النواب، “تزعزع شرعية العملية السياسية، خصوصاً مع تنامي الشعور الشعبي برفض إعادة الوجوه السياسية والأحزاب التقليدية إلى الواجهة مرة أخرى.
وكان ائتلاف “إدارة الدولة” (الذي يضم القوى السياسية الرئيسية في العراق)، قد أعلن، عزمه دعوة مجلس النواب إلى عقد جلسة، يوم غد السبت، للتصويت على الحكومة بكامل أعضائها، وذلك في بيان أصدره بعد اجتماع في مكتب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، إلا أنّ الموعد لم يؤكد لغاية الآن من قبل إعلام البرلمان العراقي، لكن صاحب هذا الإعلان، ظهور شائعة تفيد بهجوم مسلح يقوده “التيار الصدري” ضد المنطقة الخضراء.
غير أنّ زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، أعلن تبرؤه مما قال إنها مساعٍ لتشكيل مجموعات مسلحة مهمتها خرق الشرع والقانون، داعياً إلى الإبلاغ عنها، في موقف يتزامن مع حراك تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، والحديث عن عودة الاستنفار الأمني في بغداد.
وقال المقرب من الصدر، صالح محمد العراقي، في بيان نقله عن الصدر، أمس الخميس: “تناهى إلى مسامعي أنّ هناك من يسعى لتشكيل مجاميع خاصة عسكرية، مهمتها خرق الشرع والقانون وزعزعة أمن الوطن”، مضيفاً “هذه ليست أفعالنا ولا أخلاقنا ولا طريقتنا في التعامل حتى مع الفاسدين فضلاً عما سواهم”.
العربي الجديد