بغداد – أعاد رئيس الحكومة العراقية المكلف محمد شياع السوداني عقارب الساعة إلى الوراء بشكل كامل بأن جعل مقياس تشكيل الحكومة هو المحاصصة من خلال ترضية الكتل النيابية وتمكينها من الحقائب التي تريدها خاصة الكتل النيابية الكبرى وأساسا الإطار التنسيقي صاحب اليد الطولى في الحكومة، في وقت تقول فيه أوساط سياسية عراقية إن السوداني الضعيف يسلّم القيادة الفعلية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو ما يجعله حاكم الظل في المرحلة القادمة.
وعكس بيان الإطار التنسيقي، الذي تمسك بتدوير الحقائب حسب نظام المحاصصة والترضيات، وجهة الحكومة الجديدة، وخاصة رئيسها الذي ستكون مهمته الأساسية استرضاء الأطراف التي أوصلته إلى هذا الموقع وفرضته فرضا على التيار الصدري الذي رفض في البداية ثم قرر الانسحاب من المشهد ما مهّد للإطار وزعيمه الفعلي المالكي الحكمَ بوجه مكشوف والتمسكَ بالمصالحة دون أن يحاولا إخفاء الأمر أو حتى تجميله بمسمّيات فضفاضة.
وتشير الأوساط السياسية العراقية إلى أن الإطار التنسيقي، الذي هو تحالف لأحزاب إيران والميليشيات الحليفة لها، لا تعنيه ردود الفعل الداخلية والخارجية في نقد المحاصصة، ولا أن يمهد ذلك لعودة الاحتجاجات، وأن ما يعنيه هو وضع اليد على الوزارات التي ستكون لديها ميزانيات ضخمة سواء منها وزارات السيادة مثل المالية والنفط أو الوزارات الخدمية، ما يتيح لممثليه الاستفادة القصوى.
الإطار التنسيقي لا تعنيه ردود الفعل الرافضة للمحاصصة بقدر ما يعنيه وضع اليد على الوزارات ذات الميزانيات الضخمة
وترى هذه الأوساط أن حكومة يتحكم فيها المالكي لا يمكن أن تكون خارج نظام المحاصصة، لافتة إلى ما يروّج من أخبار عن مزادات وعروض مالية كبيرة مقابل الحقائب وبقية المناصب في حكومة السوداني، وهو ما يعيد المشهد إلى السنوات التي كان فيها المالكي رئيسا للوزراء وما تخللها من فساد واسع.
وفوضت قوى الإطار التنسيقي رئيس الوزراء المكلف بحرية الاختيار بين الأسماء المرشحة للحقائب الوزارية من الكتل النيابية أو اقتراح مرشحين جدد، مستثنية وزارتي الدفاع والداخلية من المحاصصة.
جاء ذلك وفق بيان أصدره الإطار التنسيقي عقب اجتماع اعتيادي عُقد في منزل القيادي في الإطار فالح الفياض لبحث تشكيل الحكومة وتذليل العقبات أمام رئيس مجلس الوزراء المكلف.
وقال الإطار التنسيقي في بيانه إن السوداني “مفوض بتدوير الوزارات بين المكونات أو داخل نفس المكون”، في إشارة إلى نظام توزيع الحقائب الوزارية وفق المحاصصة السياسية المعمول بها منذ عام 2003.
واستثنى البيان “وزارتي الداخلية والدفاع من المحاصصة، وترشيح شخصيات مدنية أو عسكرية، بما يضمن تحقيق حكومة خدمة فاعلة تتفق مع البرنامج الوزاري”.
ووفق تفاهمات الكتل النيابية، فإن وزارة الخارجية من حصة الأكراد ووزارة الداخلية من حصة الشيعة، فيما وزارة الدفاع من حصة العرب السنة.
ولا توجد معطيات رسمية تشير إلى عدد وزارات كل مكون من المكونات الأساسية للمجتمع العراقي، لكنّ متابعين يشيرون إلى أن الشيعة يحصلون في كل تشكيلة حكومية على ما بين 11 و12 وزارة، بينما يحصل العرب السنة على 6 أو 7 وزارات، والأكراد على 4 أو 5 وزارات، وتعطى وزارة واحدة لممثلي الأقليات.
ويعتقد مراقبون عراقيون أن المالكي سيتصرف بحرية كبيرة من وراء ستار الحكومة الجديدة، وأنه لن ينسى محاولات منعه من العودة إلى الواجهة، ومن سعوا لعرقلته أو تعويضه، معتبرين أن الأولوية ستكون إحداث ضجة حول الحرب على الفساد بهدفين اثنين الأول إلهاء العراقيين عن فضائح الفساد خلال فترتيْ حكم المالكي (2006 – 2014)، والثاني محاولة وضع اليد على شعارات الصدر في الحرب على الفساد ونسبتها إلى الحكومة الجديدة ضمن مسار لتحييد الصدر ومنعه من تحريك الشارع من جديد.
وضمن لعبة الحرب على الفساد ستعمل ماكينة الإطار التنسيقي على تقديم رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي ككبش فداء، والبحث عن قضايا فساد في عهده وتحميله مسؤوليتها السياسية وربما القضائية، وفي هذا السياق تتنزل التصريحات التي أطلقها السوداني منذ أسبوع.
وتعهد رئيس الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات بحق خمس شركات عراقية متورطة في اختلاس مبلغ مليارين و500 مليون دولار من أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين الحكومي.
وقال السوداني ”لن نتوانى أبدا في اتخاذ إجراءات حقيقية لكبح جماح الفساد الذي استشرى بكل وقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها”.
يوما هي المدة الدستورية الممنوحة للسوداني لتشكيل الحكومة، وقد بدأ بالفعل مفاوضات تبدو صعبة مع القوى السياسية
وطالب النائب ماجد شنكالي من كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي السلطة القضائية بإصدار قرار يقضي بمنع سفر رئيس الحكومة المنتهية ولايته ووزراء المالية السابقين ومسؤولين في وزارة المالية على خلفية هذه القضية.
وأرجأت الكتل الأساسية في البرلمان عقد جلسة للتصويت على الحكومة كانت متوقعة السبت، فيما تواصل الكتل السياسية مفاوضاتها بشأن تشكيلة الحكومة المقبلة.
وكان “ائتلاف إدارة الدولة” الذي أنشئ في الأشهر الأخيرة ويضمّ أبرز القوى الموجودة في البرلمان العراقي حالياً، قد أعلن الثلاثاء عزمه على عقد جلسة برلمانية السبت لمنح الثقة للحكومة التي يقوم محمد السوداني بتشكيلها.
لكن حتّى الآن لم تفضِ المفاوضات المتواصلة بين الكتل السياسية إلى حسم التشكيلة الوزارية المقبلة التي توزّع بين الكتل والطوائف والمكونات، أي السنة والشيعة والأكراد، على أساس المحاصصة.
وقال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شيروان دوبرداني إن الجلسة “تأجلت لعدم توصل السوداني مع الكتل السياسية إلى تسمية الوزارات”. وأضاف أنه “لم يحدد موعد الجلسة المقبلة”.
من جهته قال النائب في تحالف السيادة ثابت العباسي “ليست هناك جلسة السبت (اليوم)”، متحدثاً عن “خلافات”. وأضاف “لم نبلّغ حتى الآن بأيّ موعد للجلسة المقبلة”.
دستوريًّا، أمام رئيس الحكومة المكلّف 30 يوما لتشكيل حكومة منذ تاريخ تكليفه، وقد بدأ بالفعل مفاوضات مع القوى السياسية منذ اختياره الأسبوع الماضي لحسم توزيع المناصب في ما بينها.
العرب