وظهرت المعلومات الاستخباراتية الجديدة على السطح عندما كانت موسكو تروج أيضاً لفكرة لا أساس لها من أن أوكرانيا كانت تخطط لاستخدام ما يسمى القنبلة القذرة، وهي مادة متفجرة تقليدية مغطاة بمواد مشعة، بحسب “نيويورك تايمز”، وذلك في إشارة إلى تصريح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بأن موسكو “على علم بمحاولات كييف صنع قنبلة قذرة، وكذلك استعدادها لجلب أسلحة نووية من دول (الناتو)”.
وقال متحدث الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين، الأربعاء 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، إنه من السابق لأوانه الحديث عن إجراء حوار مع الولايات المتحدة بخصوص تمديد معاهدة “نيو ستارت” للحد من الأسلحة النووية، واصفاً العلاقات بين موسكو وواشنطن بـ”المتدهورة”، وذلك بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الأميركية قرب استئناف عمليات التفتيش بموجب معاهدة “نيو ستارت” (خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها)، وذلك بعد مرور ثلاثة أشهر على قرار موسكو تعليق عمليات التفتيش الأميركية المخطط لها في مواقعها العسكرية بموجب المعاهدة، رداً على العقوبات الأميركية أمام عمليات التفتيش الروسية المماثلة في المواقع الأميركية.
أوكرانيا ساحة اختبار للأسلحة
منذ اللحظة الأولى لبدء الهجمات الروسية على أوكرانيا، تحول الميدان الأوكراني إلى أكبر ساحة لاختبار الأسلحة الجديدة لقوى دولية تمتلك قدرات نووية، هذا ما رآه الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية محمد حسن الذي أشار إلى “منوال تصاعدي يجري خلاله اختبار تلك الأسلحة في بيئة عملياتية مثالية، فمثلاً يتم اختبار أجيال جديدة من أسراب الدرونز التكتيكية التي تعمل بتقنيات متقدمة منها الذكاء الاصطناعي، وفي الوقت نفسه الذي تجري فيه مواجهة سيبرانية على مدار الساعة، تستهدف بالتأكيد قطاع البنى التحتية، لنصعد إلى مستوى أعلى من حروب الفضاء وأبطالها الأقمار الصناعية العسكرية، ففي هذه اللحظة يراقب الميدان الأوكراني أكثر من 70 قمراً صناعياً مخصصة لأغراض الاستطلاع والتجسس وتوجيه القذائف المدفعية والصواريخ الجوالة و”الدرونز” بأنواعها وحتى اعتراض الاتصالات العسكرية”.
ويعتقد حسن أن ما سبق دفع الحرب في أوكرانيا إلى “نقطة التأزم الراهنة”، وهي حالة تمثل ذروة المواجهة التكتيكية بين الأطراف المتحاربة، وهذا بدوره “يضع استخدام أسلحة الدمار الشامل ضمن خيارات القوى المتحاربة لقلب نتائج المعركة لصالحها والخروج من حالة التأزم، ولهذا يعود الحديث عن استخدام الأسلحة النوعية بداية من القنبلة القذرة، وصولاً إلى الأسلحة النووية التكتيكية، الأمر الذي يدفع بدوره أيضاً إلى مثول الحرب البيولوجية كتهديد محتمل”.
وأضاف الباحث في السياسات الدفاعية، “كلما طالت حالة التأزم، وهي حالة من القتال العنيف والمدمر لا يحسمها أي طرف، وتؤدي إلى استنزافه، زادت احتمالات استخدام سلاح نوعي للخروج من هذه الحالة، وبالمناسبة يمكن اعتبار تفجير السدود واستهداف المحطات النووية كتهديدات تماثل تهديد القنبلة القذرة”.
وفي السياق، رأى مدير المركز الوطني للدراسات بالقاهرة هاني الأعصر أن الخيار النووي “مطروح على طاولة البدائل في أوكرانيا، لأن الحرب بالأساس بين دولتين أحدهما دولة نووية وهي روسيا، لكن إمكان استخدام السلاح النووي من عدمه متوقف على عدة شروط أبرزها خروج روسيا مهزومة”، مضيفاً، “الشرط الوحيد الذي سيجعل سيناريو الخيار النووي مرجحاً، بل مؤكداً، استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا ووصوله إلى درجة استحالة تحقيق الروس مصالحهم أو الأهداف الاستراتيجية التي دخل الروس الحرب من أجلها، وإذا وصل الدعم الغربي لنقطة أن روسيا تخسر الحرب”.
ويرى الأعصر أن استخدام النووي “سيكون محدوداً”، موضحاً “لن يحدث استخدام لأسلحة استراتيجية نووية، والأمر لن يتجاوز السلاح التكتيكي، أما أكثر من ذلك سيعني حرب إبادة، ولن يكون في مصلحة أي طرف استخدام سلاح دمار شامل، والتكتيكي سيهدف إلى الاحتفاظ بحد أدنى من التوازن العسكري لدعم الموقف التفاوضي الروسي حال بدء محادثات سلام نهائية”.
وحدث قلق جاد في دوائر صنع القرار الغربية عندما تحدث الروس عن نية استخدام أوكرانيا للقنبلة القذرة، على اعتبار أن موسكو أعلنت ذلك لتكون ذريعة لاستخدامهم السلاح التكتيكي، للحفاظ على تفوقهم المحدود المتحقق في الميدان الأوكراني، لكن بحسب الأعصر الغرب “يتحسب لقيامه بدعم أوكرانيا للدرجة التي تمكنها من تحقيق نصر أو دفع روسيا لاستخدام قدراتها النووية في أي لحظة من المعركة”.
صعود “التنين”
تقر استراتيجية إدارة بايدن للأمن القومي الأميركي، التي نشرها البيت الأبيض قبل أسابيع قليلة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن الجيش الروسي أضحى أقل إثارة للمخاوف الأميركية، راهناً مما كان عليه قبل عملياته العسكرية ضد الأراضي الأوكرانية، وذلك خلافاً لاستراتيجية الأمن القومي للرئيس السابق دونالد ترمب، التي كانت ترى في روسيا والصين تهديداً على درجة واحدة، كما أن انكشاف قوة موسكو العسكرية خلال الحرب في أوكرانيا، جعل الاستراتيجية الأميركية تركز على التهديد الصيني الساعي لإعادة تشكيل النظام الدولي القائم، لا سيما من خلال تسريع التحديث النووي لقوة بكين.
ويعتقد الأعصر أنه بغض النظر عن الحرب في أوكرانيا، فإن التلويح باستخدام السلاح النووي تصاعد على مستوى العالم، نتيجة سخونة الصراعات المرتبطة بأطراف تمتلك قدرات نووية، سواء في جنوب وجنوب شرقي آسيا، حيث الهند وباكستان وصراعات منطقة إندوباسيفيك وشبه الجزيرة الكورية أو بين الصين وتايوان.
ومطلع هذا الأسبوع، دق البنتاغون ناقوس الخطر النووي الصيني، عندما أعلن قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية، التي تشرف على برنامج الأسلحة النووية، الأدميرال تشارلز ريتشارد من أن الصين تطور أسلحة نووية “أسرع بكثير من الولايات المتحدة”، محذراً من أن هذا التحول سيمثل “مشكلة على المدى القريب”.
وقال ريتشارد الذي سبق أن وصف التفوق النووي الصيني بأنه اختراق استراتيجي، “بينما أقوم بتقييم مستوى ردعنا ضد الصين، فإن السفينة تغرق ببطء”. وتابع، “إنها تغرق ببطء، لكنها تغرق، لأنهم في الأساس يستثمرون في المجال أسرع منا”.
المقايضة النووية
ويستبعد رئيس “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية” محمد محسن أبو النور تحول الصراع الروسي الغربي إلى حرب نووية بين الطرفين، مشيراً إلى اعتقاده أن ما سماه “التسويات النووية” أمر استقر عليه بين القوى النووية الكبرى، وهذا النوع من السلاح لم يستخدم قط فيما مضى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على رغم وقوع أزمات كبرى مثل أزمة الصواريخ الكوبية وسقوط سور برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي والحرب الأفغانية وغيرها من صراعات التي كان أطرافها قوى نووية، مع عدم اللجوء إلى الخيار النووي في النزاع العسكري، لأن الأزمة “لن تكون في الضربة الأولى، لكن في الضربات اللاحقة، ما يعني هلاك الجنس البشري وفق معظم التقديرات الاستراتيجية”.
وعليه، يرى أبو النور أن المسألة النووية الروسية عرفت تاريخياً بوصفها “أداة للمقايضة مع الغرب، ولذلك من المستبعد حدوث حرب نووية في المديين القريب والمتوسط، لا سيما أن هناك رغبة دولية من ضامنين دوليين وإقليميين لوقف هذا الصراع”.
وتابع، “النووي الروسي وسيلة للمقايضة بين الروس والغرب، واستخدمتها موسكو ببراعة في الماضي، والمثال الصارخ على ذلك منشأة بوشهر النووية الإيرانية القائمة منذ عام 1974 التي توقفت بعد سقوط الشاه بعد أن كانت تشغلها شركات ألمانية، فقد سمح غربياً لموسكو في عام 2010 بإعادة تشغيلها والاستثمار فيها فيما عرف بأنه صفقة مقايضة نووية مقابل السياسة بمعنى سماح الغرب ضمنياً للروس بالعمل في البرنامج النووي الإيراني والاستثمار في المحطات الكهروذرية، مقابل عدم استخدام روسيا حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ضد العقوبات الدولية المفروضة على إيران”.
اندبندت عربي